رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مليحة... ترنيمة أصحاب الأرض

منذ ما يقرب من عشرين سنة شاءت الظروف أن أعد برنامجًا تسجيليًا بمشاركة المبدع أحمد عطالله والنجمة منى عبدالغنى لإحدى القنوات العربية اسمه... لأجلك فلسطين... كانت الفكرة فى أن نرصد مساهمات الإبداع العربى لتسجيل ودعم قضية فلسطين... التقينا أدباء ومطربين من المحيط إلى الخليج... وفى المقدمة كان نجوم الغناء العربى من مصر... أحمد فؤاد نجم ومدحت صالح وعلى الحجار وإيمان البحر... ومنذ ذلك الحين جرى ما جرى لأهل فلسطين ولم يجرؤ أحدهم لتكرار تجربة نور الشريف فى ناجى العلى مثلًا... 

سجل الغناء المصرى تحديدًا موقفًا مبكرًا تجاه أهلنا فى فلسطين... منذ عام ١٩٤٧ ولم تكن قصيدة أخى جاوز الظالمون المدى وحدها... كان الشعب نفسه قد أرسل متطوعيه... يحاربون... وظلت تجربة الكتابة نوعًا من المغامرة... فعلها سيد مكاوى وفؤاد حداد... الأبنودى... مجدى نجيب.. الشيخ إمام... وكلما تجاوز العدو بغباوته... كلما تجددت أفكار المقاومة وأغنياتها... 

عدد كبير من هذه الأغنيات صدر عن حناجر أهل فلسطين الذين هاجروا إلى الأردن أو بيروت أو تونس.. وأحيانًا إلى دول أوروبية.. وظلت كل هذه التجارب بدوافع فردية فى الغالب لا تقف خلفها مؤسسات رسمية... 

الآن.. وفى واحدة من أهم تجليات الدراما المصرية فى رمضان تعود قضية فلسطين إلى الواجهة... عبر مسلسل مدهش وفرت له الشركة المتحدة كل ما يحتاجه ليكون شوكة فى حلق آل صهيون... أوجعتهم من اللحظة الأولى لإذاعة أغنية التتر بصوت أصالة وبلحن فلكلورى بديع من التراث الفلسطينى وبكلمات جارحة موجعة وحادة فى وضوحها بقدر نعومتها وطزاجتها... 

قبل أغنية أصالة... كان هناك ذلك الذكاء الذى دعا المخرج عمرو عرفة إلى المزج الواعى بين أوراق القضية وتاريخها ووقائعها الموثقة والتى اختارها وكتبها بذكاء وحرفية عالية الزميل المبدع أحمد عطالله... ليرويها سامى مغاورى بصوته الهادئ الواثق ليس لحفيده فى المسلسل فقط ولكن لكل أحفادنا... الذين يخوضون حرب مقاطعة مدهشة منذ حرب غزة الأخيرة التى انطلقت فى أول أكتوبر الماضى ولا تزال. 

التوثيق أمر مهم... والدراما أيضًا... الحكاية التى كتبتها رشا الجزار من أحداث حقيقية قد تبدو للبعض بسيطة... لكنها ليست كذلك... فكل بطل فى مكانه... وكل جملة حوار فى محلها... والرسائل واضحة لا غموض فيها... وكم كان بديعًا أن يؤكد دياب للمصاب الفلسطينى وهو يتحدث عن الشيخ السيناوى الذى آواهم فى رحلة الخروج ويبحث عنه ليساعدهم فى رحلة العودة... إن عدونا الذى كان واحدًا... لا يزال عدونا... 

لا أكتب هنا عن الملابس والديكور والإضاءة... واختيارات الممثلين... فقط أشير إلى أن هذا المسلسل فى وقته تمامًا... يملأ فراغًا كنا نحتاجه ويجدد العهد والتأكيد أن الفن مش مجرد تسلية... هى حرب واعية... والذين يتابعون ردود أفعال الكيان الصهيونى على المسلسل يدركون الآن قيمة ما تفعله الدراما الحقيقية إذا ما تم تقديمها بوعى واحترافية كما هو الحال فى مسلسل مليحة... الذى لن يكون الأخير فى هذا السياق قطعًا..