رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالهادى القصبى: الصوفية ليسوا «أهل بدع».. ونسعى لتوسيع دائرة العلم بين الطرق

د. عبدالهادى القصبى
د. عبدالهادى القصبى

قال الدكتور عبدالهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، إن البيت الصوفى يتخذ حاليًا خطوات جادة فى سبيل التجديد والتطوير، ويتبنى مشروعًا ضخمًا لتوسيع دائرة العلم والمعارف، وإحياء التراث الصوفى، ويفتح أبوابه لطلبة العلم عبر إقامة الدورات التدريبية والعلمية، فى إطار مشروع تجديد الخطاب الدينى، والتركيز على مبدأ أن "الدين المعاملة".

ووصف "القصبى"، فى حواره مع "الدستور"، مصر بأنها المرجعية الدينية فى العالم الإسلامى، مشيرًا إلى نجاحها، بعد المرحلة الماضية الكاشفة، فى استعادة ذاتها وحكمتها وطبيعتها، بفضل وعى شعبها وقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.

ورفض من يصف أهل التصوف بأنهم "أهل بدع"، معتبرًا أن هذا يأتى فى إطار محاولات طمس الهوية الإسلامية لمصر، وهو ما تتم مواجهته عبر دعم الثقافة الوطنية والقيم الدينية الأصيلة، فى ظل حب آل البيت والتأثر بسيرتهم العطرة وأخلاقهم النبوية.

■ بداية.. كيف تقيّم الوضع العام فى مصر مقارنة بالسنوات الماضية؟

- هناك فرق كبير، فالجماعة الإرهابية سببت حالة من الفوضى والتشكيك والخوف، وغياب القرار السياسى، مع استهداف العلماء والمساجد والكنائس، والشعب المصرى رفض هذا الواقع المرير واستعاد حكمته وطبيعته، وعاد للسلم والأمان والتعايش السلمى بين جميع طوائفه.

فبعد ثورة ٣٠ يونيو استطاع الرئيس القائد عبدالفتاح السيسى أن يمسك بزمام الأمور ويقود البلاد إلى الاتجاه الصحيح والطريق الآمن، وكان واضحًا مع الشعب المصرى، وطلب منه التكاتف والتماسك، وبالفعل لبّى الشعب المصرى نداء قائده، للسير نحو الأمان والعمل الجاد والنهوض بالوطن، واستعدنا الأمن الذى لولاه ما كان التعليم والعمل والإنتاج، وقد حققت مصر إعجازًا فى وقت قياسى.

والشعب المصرى أصيل يعشق تراب بلده، ولا ينساق وراء دعوات التشتت، وفى أوقات الأزمات يبنى ولا يهدم، ويتكاتف ولا ينفصل، ويتماسك سعيًا وراء التقدم، فهو شعب غيور وأكثر حرصًا على جيشه وأبناء قواته المسلحة.

ومصر الآن فى فترة شديدة الصعوبة، وندعو المولى، سبحانه وتعالى، أن يحفظ مصرنا الحبيبة وأبناءها، وأن يحمى مؤسسات الدولة فى كل الاتجاهات، فمصر لديها خصوم يحاولون زعزعة الاستقرار، ولكن لن ينجح هؤلاء الخصوم فى إحداث خلل فى وطنية المصريين.

ولا بد من الاستفادة من الدروس السابقة لأن المرحلة الماضية كانت كاشفة، وهناك تجارب لدول سقطت بسبب عدم تماسك أبنائها، فالمصريون استوعبوا الدرس، ونحن نمر حاليًا بأحداث صعبة، ونستقبلها بصلابة وثقة فى الله، وفى قيادتنا، ولكن يجب العمل على تحصين أنفسنا وشبابنا.

■ كيف ترى جهود المؤسسات الدينية فى الوقت الحالى؟

- مصر هى المرجعية الدينية فى العالم الإسلامى، بما تمتلكه من مؤسسات وقادة علم وفكر دينى، فلدينا الأزهر الشريف، منارة الإسلام وقِبلة المسلمين فى العالم، ولدينا دار الإفتاء المصرية التى تعد المرجعية الدينية الإفتائية لدور الإفتاء فى العالم الإسلامى، وأيضًا وزارة الأوقاف المصرية التى أصبحت نموذجًا يحتذى فى التجديد والتطوير والتأهيل للأئمة والخطباء فى العالم، وأيضًا نقابة السادة الأشراف، ومشيخة الطرق الصوفية، وهى قِبلة الصوفية فى العالم، فمصر دولة قوية ذات ريادة ولديها حضارة، وتسعى لتحقيق التقدم والازدهار، والوصول لمكانة طيبة بوسائل شرعية.

■ كيف واجهتم التشتت والانقسام فى البيت الصوفى خلال السنوات الماضية؟

- الفوضى التى صاحبت عهد الإخوان والجماعات المتطرفة شملت جميع مؤسسات الدولة، وليس البيت الصوفى فقط، وكانت هناك مخططات وأشخاص يعملون ضد المؤسسات المصرية، والمؤسسات الدينية على وجه التحديد، وشاهدنا أشخاصًا يستهدفون مؤسسة الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف ونقابة السادة الأشراف ومشايخ الطرق الصوفية، لكن مؤسسات الدولة كانت قادرة على احتواء أبنائها من الانجراف وراء جماعات التطرف، وكان أبناء التصوف قادرين على التكاتف والتماسك، خاصة عندما شعروا بحالة خطر على البلد.

د. القصبي مع محررة الدستور

■ ما دور مشيخة الطرق الصوفية فى مسألة تجديد الخطاب الدينى؟

- الخطاب الدينى وتجديده من أهم القضايا التى شغلت المؤسسات الدينية عمومًا، والمجلس الصوفى على وجه الخصوص، ونحن نعتنى بالخطابات التعليمية، والإعلامية، والثقافية، والسياسية، وربما كان الخطاب الدينى أكثر تأثيرًا وأسرع وصولًا، ولكن كل هذه الخطابات تتكامل جنبًا إلى جنب لتشكل عقيدة الإنسان وفكره، فالإنسان عندما يجلس داخل المسجد أو الكنيسة يجدد روحه، ويحيا فى حالة سكينة وخشوع وورع، لكنه إذا خرج يصبح شخصًا آخر ويتفاعل مع الأحداث اليومية بانفعال، وأحيانًا بتهاون، وهنا يجب أن تتكامل جميع الخطابات بجانب الدينى لتحسين حياة الإنسان.

ويجب أن نتذكر هنا محاولات طمس الهُوية الإسلامية الصوفية المصرية، التى تزعج كثيرًا جماعات التطرف والإرهاب، لكن أبناء مصر يصمدون الآن، ويواجهون الأحداث بصلابة ووعى وإدراك، فلا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين.

ونحن نعلم أن الدين أعمال وليس أقوالًا فقط، وهذا هو الأهم فى مسألة تجديد الخطاب الدينى، فالله ينظر إلى القلوب والأفعال، ونحن من خلال مشيخة الطرق الصوفية، التى تضم عشرات الطرق وملايين من الأتباع والأحباب، ننشر هذا المفهوم بين جميع طوائف الشعب، فالفكرة الأساسية هى تحويل الخطاب الدينى ليركز على مبدأ "الدين المعاملة".

■ ماذا عن الجهود المبذولة فى الجانبين العلمى والدعوى؟

- كما قلت، نحن فى مرحلة فارقة ومهمة فى تاريخ مصر الحبيبة، لبناء الجمهورية الجديدة، ونشهد حاليًا الكثير من التحديات والتغيرات فى كل المجالات، ونتحرك نحو الأفضل، فى ظل الجهد الكبير المبذول من الدولة المصرية ومؤسساتها لنشر الوعى، وبناء الإنسان المصرى، ودعم ثقافتنا الوطنية وقيمنا الدينية الأصيلة، فى ظل القيادة الحكيمة للرئيس عبدالفتاح السيسى.

والمشيخة العامة للطرق الصوفية، بالإضافة إلى الاحتفالات التى اعتادت عليها المشيخة منذ القدم، تهتم حاليًا بالجانبين العلمى والدعوى، وتسعى لتوسيع دائرة العلم والمعارف، وتفتح أبوابها لطلبة العلم من داخل مصر وخارجها، عبر إقامة دورات مخصصة فى أوقات مناسبة للدارسين، وتتواجد لدينا نخبة من العلماء الأفاضل من علماء الأزهر الشريف، ومعنا أيضًا مجموعة من كبار علماء دار الإفتاء المصرية، ووزارة الأوقاف، بالإضافة إلى نخبة من العلماء الصوفيين، الذين يتناولون علوم الحديث بالشرح والتفسير، ويتصدون أيضًا لتفسير القرآن الكريم.

د. عبدالهادي القصبي

■ وماذا عن جهود إحياء التراث الصوفى؟ 

- المشيخة لديها خبرة طويلة فى خدمة التراث الإسلامى والصوفى، وتتبنى مشروعًا ضخمًا لإحياء التراث الصوفى، وتحقيقه تحقيقًا علميًا متميزًا فى إطار نشر رسالة التصوف الإسلامى الحقيقى، وأصبحت هناك لجنة، برئاسة الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، تتولى هذه المهام، بإشراف ومراجعة فضيلته.

ونحن حريصون على حفظ التراث الصوفى والهوية المصرية وقيم التسامح والتصوف، وكل القيم الأدبية والإسلامية، وبدأنا إعادة ترميم كتب التراث ونشرها، بعد أن كادت تندثر فى فترة من الفترات، مع تقديمها للناس فى صورة محقَّقة تحقيقًا علميًا متميزًا.

ومن خلال هذا المشروع سيتعرف المجتمع على رسالة التصوف الإسلامى، الذى يمثل قيم المحبة والسلام والرحمة لكل الإنسانية.

وقد صدر بالفعل أول كتاب فى سلسلة نشر التراث الصوفى، وهو «البرقة الدهشية فى الخرقة الصوفية»، بعد إعادة تحقيقه وفق منهج علمى منضبط، لإمام أهل الطريق السيد محمد القاوقجى أبوالمحاسن.

■ كيف ترد على من يصف أهل التصوف بأنهم أهل البدع؟

- التصوف علم وليس بدعة، وهو علم من كتاب الله وسنة رسوله، وفيه تطبيق كامل لكتاب الله، عز وجل، وسنة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وأهل التصوف هم أهل التزكية، والتصوف الحقيقى يحقق أحد مقاصد رسالة النبى محمد، الذى قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وكل ما يخالف كتاب الله وسنة رسوله ليس من التصوف فى شىء، ونرفضه رفضًا بينًا.

والشعب المصرى لا يبتدع، ومن يفعل ذلك فهو سلوك شخصى، وليس له من التصوف شىء، فنحن شعب مُحب لآل البيت، ونتأثر بسيرتهم العطرة وبأخلاقهم المحمدية.