رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"على باب مولانا"| حفيد النقشبندى: عَشِق الموسيقى.. ولم يتخوف أبدًا من التعاون مع بليغ

النقشبندى
النقشبندى

قال السيد شحاتة، حفيد الشيخ سيد النقشبندى، إن المبتهل الراحل كان بسيطًا ومتواضعًا وزاهدًا فى الدنيا، لدرجة أنه لم يكن يطلب أجرًا معينًا فى إنشاده، وكان يحب الناس، ويقطع مسافات طويلة لقضاء حوائج الفقراء، أو طالبى المساعدة. 

وخلال حواره، مع «الدستور»، قال «شحاتة»، إن «النقشبندى» كان من السهل عليه استخدام إمكاناته الصوتية ليصبح قارئًا عظيمًا للقرآن، لكنه كان شديد التهذيب مع كلام الله، ويخاف من التجرؤ عليه بأى شىء غير مقصود، فكان لا يتكلف أبدًا فى تلاوته، ويقرأ القرآن دون تنغيم. 

ونفى ما تردد حول أن الشيخ كان لديه نوع من التخوف من التعاون مع بليغ حمدى، قائلًا «هذا غير صحيح، فالشيخ كان عاشقًا للنغم، وكان عاشقًا لأم كلثوم ولمحمد عبدالوهاب، ولدينا تسجيلات له وهو ينشد (رباعيات الخيام)». 

وكشف عن أن الشيخ كتب وصيته قبل وفاته بساعات قليلة، وأعطاها لشقيقه، وقال له «افتحها عند اللزوم»، متابعًا أنه أحس بألم مفاجئ تم تشخيصه على أنه أزمة قلبية، وفى أثناء الكشف عليه توفى، وحين رحل لم يكن فى جيبه سوى ٣ جنيهات، حيث لم يترك خلفه أموالًا أو أملاكًا.

.. وإلى نص الحوار:

■ بداية.. كيف كانت نشأته؟ وكيف تعلم الإنشاد الدينى؟

- ولد الشيخ فى إحدى قرى محافظة الدقهلية، ولكن لم يستقر بها طويلًا، حيث انتقل رفقة والدته إلى مدينة طهطا فى محافظة سوهاج، ونشأ فى جو دينى مرتبط بالطرق الصوفية، وتعلم الإنشاد والابتهال من هذه الأجواء التى عاشها فى طفولته، حيث كان والده أحد مشايخ الطريقة النقشبندية، وأود الإشارة إلى أن هناك كاتبة قد سردت رواية مغلوطة عن حياة الشيخ بنفس أسماء أشخاص عائلته، وادعت أنه كان طفلًا بائسًا، وأن والده كان منشغلًا بالزهد والعبادة ومتصوفًا متشددًا، وهذا تزييف للحقائق.

وختم «النقشبندى» القرآن على يد الشيخ أحمد خليل، ثم التحق بالمعهد الدينى عام ١٩٣٣.

■ ما أبرز صفة تميز بها؟

- كان معروفًا عنه التواضع والبساطة والزهد فى الدنيا، كان متصوفًا زاهدًا يبتغى الدار الآخرة، ولا تأسره الدنيا بزخرفها، وكان عفيف النفس، منفقًا لله بلا حدود، إذا قصده أحد الأقارب أو المعارف فى أى طلب، كان يلبى، حتى وهو فى عز شهرته ونجوميته، فكان يقطع المسافات لإنجاز وقضاء حاجات الناس.

وكان لا يحدد أجرًا معينًا لعمله، شاكرًا الله على كل ما يأتى، وكان حين يعود للمنزل ينتظره الفقراء يوميًا على سلالم قريبة من منزله، وكان يحضر لهم من الطيبات، مثلما يحضر لأهل بيته، ويعطيهم من ماله.

وكان معروفًا عنه أنه «قدم خير» على من حوله، فأينما وُجد الشيخ سيد النقشبندى حلت البركة والرزق، وأنا أرى أن الله خلد صوته، ليستمر ثوابه حتى اليوم، جزاء الخير الذى كان يفعله، فكلما مررت بمكان وسمعته، خاصة وهو يردد الصلاة على النبى، ورأيت الناس يرددون وراءه، أعلم أن الله أراد أن يُجرى الذكر على لسان الناس بسببه، ويرددون وراءه ليستمر ثوابه حتى اليوم وإلى أن يشاء الله.

■ لـ«النقشبندى» نشأة ونزعة صوفية أثرت فى شخصيته.. حدثنا عنها؟

- كان والده الشيخ محمد، أحد مشايخ الطريقة النقشبندية، وكان عالمًا وإمامًا ورجلًا عظيمًا، والشيخ سيد النقشبندى كان متصوفًا، وله حال مع الله، فهو كان أحد أبناء الطريقة الخلوتية، سلك طريقه فى التصوف والذكر والتلاوة، وتقابل مع عظماء فى مجال الشعر والذكر، وهذا ترك فيه أثرًا كبيرًا، حينما أصبح منشدًا ومبتهلًا، حيث كان يقتبس من تلك الأبيات الشعرية والأذكار، وينشد.

وكان قلبه معلقًا جدًا بالسيد أحمد البدوى، وكانت دائمًا ما ترشده «الرؤيا»، إلى أن سعادته ستكون فى الإقامة بجوار السيد البدوى، وأنه لن يخرج من جواره، وبالفعل قد بدأت شهرته وانطلقت مسيرته حينما استقر هناك.

■ قيل إن «النقشبندى» رغم قوة وجمال صوته لم يلمع فى تلاوة القرآن مثلما فى الإنشاد.. كيف ترى ذلك؟

- الشيخ النقشبندى كان من السهل عليه استخدام إمكاناته الصوتية، فالكل يعرف كيف كانت قوة وإمكانات صوته، لكنه كان مهذبًا جدًا مع كلام الله، ويخاف من التجرؤ على كتاب الله بأى شىء غير مقصود، فكان لا يتكلف أبدًا فى تلاوته، وأحيانًا تراه يقرأ دون «تنغيم» للقرآن، ولكنه كان يستطيع طبعًا أن يقرأ كيفما يشاء، وربما كان يجد الانطلاق فى الإنشاد، لأنه لا يلتزم بأحكام كالقرآن الكريم، لذلك كان يجود ويبدع فيه.

■ مَن مِن مشاهير الطرب كان يحبه؟

- كان محبًا للراحل محمد عبدالوهاب والسيدة أم كلثوم، وكان يحب لها الأغانى الدينية، مثل وُلد الهدى، ورباعيات الخيام، وغيرهما، وكان يرددها، وكان جدى عاشقًا للشيخ محمد رفعت، وكان يقلده وهو صغير، ولكن بعدما كبر أصبحت له مدرسته الخاصة فى الإنشاد والابتهال.

■ هل كانت له طقوس أو عادات معينة فى رمضان؟

- كان الشيخ النقشبندى يرتبط بعمله وبعدد من الالتزامات التى كانت تأخذه كثيرًا من أهل منزله، فكان يحاول جاهدًا أن يكون موجودًا معهم فى أغلب الأوقات، ولكن لم يكن لديه وقت كافٍ لممارسة طقوس أو عادات معينة.

■ هل ورث أحد أبنائه أو أحفاده أو أى من أفراد عائلته صوته المتفرد؟

- كان «إبراهيم» شقيق الشيخ، يتمتع بصوت جميل، وكانت له تسجيلات نادرة جدًا لم تخرج للنور، وكان حفيد شقيقى الراحل «أحمد» الذى توفى فى شبابه عام ٢٠١٧، صاحب صوت جميل جدًا، هو لم يُضاهِ الشيخ بالطبع، لكن كان صوته فيه شىء من حلاوة صوت «النقشبندى».

■ قيل إن «النقشبندى كان متخوفًا من التعاون مع بليغ حمدى.. ما حقيقة ذلك؟

- لم يكن الشيخ لديه أى نوع من التخوف من التعاون مع بليغ حمدى، ولم يقل أبدًا إنه خائف من التعامل مع الموسيقى، فهو كان عاشقًا للنغم، وكان عاشقًا للسيدة أم كلثوم وللراحل محمد عبدالوهاب، ولدينا تسجيلات له وهو ينشد «رباعيات الخيام».

وتقابل «النقشبندى» مع بليغ حمدى فى حفل خطبة «لبنى»، ابنة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وحينها قال الرئيس لـ«النقشبندى» ولـ«بليغ»، إنه يتمنى أن يستمع إلى عمل يكون من إبداعهما، ويعجب الجماهير، وكان ذلك عام ١٩٧١، علمًا بأن «النقشبندى» كانت له أعمال سابقة بالموسيقى فى الستينيات، وتعاون مع العديد من المشاهير، مثل محمد الموجى وحلمى أمين والسيد مكاوى، وغيرهم.

وقيل إن الشيخ كان متخوفًا من التعامل مع بليغ حمدى، تحسبًا أن تكون موسيقاه راقصة، وهذا غير صحيح بالمرة، وفى مذكرات الشيخ التى اطلعت عليها عائلته، كتب عن كواليس التعاون بينهما، ولم يذكر أنه كان متخوفًا أو رافضًا لهذا التعاون.

■ حدثنا عن تفاصيل وفاته المفاجئة التى تنبأ بها؟ وما قصة الوصية التى كتبها قبل وفاته بساعات؟

- فى مساء الخميس الموافق ١٢ فبراير عام ١٩٧٦، كان الشيخ يسكن لدى شقيقه بالعباسية، لارتباطه بتسجيل فى الإذاعة فى صلاة الجمعة، ووقت الفجر طلب من شقيقه ورقة وكتب فيها شيئًا ثم وضعها فى جيبه، وبعد مرور ساعات وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة أعطى شقيقه الورقة، قائلًا له: «افتحها عند اللزوم فقط»، وأدى الشيخ الصلاة وسجل، ثم عاد إلى طنطا، وفى صباح السبت ١٤ فبراير، استيقظ وشعر ببدايات ألم، فاتصلت ابنته بصديقه الدكتور إبراهيم عوارة، الذى شخص الحالة بأنها ربما تكون أزمة قلبية تحتاج للنقل للمستشفى، ونزل من البيت رفقة الطبيب على رجله ذاهبين لمستشفى المبرة العام، واستقبله الدكتور محمود جامع مدير المستشفى، وكان الطبيب الشخصى لـ«السادات»، وحينما كان الدكتور محمود جامع يفحصه، توفى، بعد أن كتب وصيته وعلم بقرب حلول الأجل.

■ قيل إنه مات ولم يكن فى جيبه سوى ٣ جنيهات وإنه لم يترك أموالًا بعد وفاته.. ما حقيقة ذلك؟

- الشيخ النقشبندى كان مباركًا وكثير الرزق من الله، وكان كثير العمل أيضًا، وكان كريمًا جدًا، يُنفق على الغريب قبل القريب، وعلى الرغم من علاقاته وصداقاته، بأهل العز والجاه، حيث كان الرئيس السادات يحبه ويقدره شخصيًا، إلا أنه كان عفيف النفس جدًا ولا يبخل بالإنفاق على أى أحد، ولم يمت وهو صاحب أى أملاك أو أموال، وحسب روايات أولاده لم يكن يملك وقت وفاته سوى ٣ جنيهات فى جيبه بالفعل، لكن ملك قلوب الملايين مع السنين، ورحل صغيرًا فى السن، ودون أى مرض سابق، عن عمر يناهز الـ٥٥ عامًا.