رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا اضطرت الدولة إلى تحريك سعر المواد البترولية الآن؟

المواد البترولية
المواد البترولية

بعد أشهر من تثبيت أسعاره، وفى ظل استمرار الأزمات العالمية وارتفاع أسعار المواد البترولية عالميًا، لتتجاوز ٨٠ دولارًا لبرميل النفط، اضطرت الدولة إلى تحريك أسعار المواد البترولية، أمس الأول، وذلك لتقليل الفجوة بين أسعار بيع البنزين والسولار وأسطوانات الغاز، محليًا وعالميًا، خاصة بعد ارتفاع تكلفة الدعم عقب قرارات تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار. 

وتعتمد مصر لسد احتياجاتها من المواد البترولية جزئيًا على الإنتاج المحلى، ثم تستورد المتبقى من الخارج، وفى ظل الفجوة بين الإنتاج المحلى والاستهلاك، تستورد الدولة الجزء الأكبر من احتياجاتها من المنتجات البترولية من الخارج، بإجمالى يصل إلى نحو ١٠٠ مليون برميل سنويًا.

وقامت الموازنة العامة للدولة ٢٠٢١/٢٠٢٢ على حساب سعر برميل البترول على أساس ٦٠ دولارًا للبرميل الواحد، «وحاليًا يتم احتسابه على نحو ٨٠ دولارًا للبرميل»، وهو السعر الذى كان سائدًا خلال الفترة التى تم إعداد موازنة الدولة خلالها، وكان متوقعًا أن يستمر هذا السعر خلال العام المالى الماضى.

ولكن، كانت لزيادة أسعار النفط عالميًا تأثيرات سلبية على الموازنة العامة للدولة، إذ خصصت الحكومة دعمًا للمواد البترولية بقيمة ١١٩.٤١ مليار جنيه بموازنة العام المالى ٢٠٢٣/٢٠٢٤، مقابل ٥٨ مليار جنيه فى العام المالى السابق ٢٠٢٢/٢٠٢٣، بزيادة قدرها نحو ٦١ مليارًا و٣٢٥ مليون جنيه، وبنسبة زيادة ١٠٥.٦٪.

وحددت الموازنة الحالية أن دعم البترول تم احتسابه على أساس متوسط سعر للبرميل الواحد يبلغ ٨٠ دولارًا، بفرق سعرى حالى ومتغير نحو ٧ دولارات للبرميل، وكان من شأن كل زيادة بقيمة دولار واحد فى سعر برميل النفط عن السعر المحدد بالموازنة أن تؤدى إلى تغير فى حجم الدعم المخصص لذلك البند بنحو أكثر من ٤ مليارات جنيه.

وفى ظل التطورات الدولية، بذلت الدولة المصرية جهودًا كبيرًا للحفاظ على السيطرة على أسعار البنزين والمشتقات البترولية، وتحملت عبئًا ماليًا كبيرًا لدعم المواد البترولية، بالإضافة إلى زيادة القدرة على توفير المنتجات البترولية محليًا، ما قلص الاعتماد على الاستيراد بشكل كبير، خاصة فى ظل وجود خطة استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتى من المشتقات البترولية خلال العام الجارى، عن طريق التوسع فى إنشاء معامل التكرير، الأمر الذى يساعد الدولة فى إطالة حالة الاستقرار والاستدامة فى ملف المنتجات والمواد البترولية، بالإضافة إلى زيادة معدلات الحفر الاستكشافى.

ورغم ذلك، فإن هناك العديد من العوامل التى تحدد أسعار المواد البترولية، من أهمها أسعار النفط الخام، التى تتحكم بشكل كبير فى تحديد أسعار البنزين داخل مختلف دول العالم، بالإضافة إلى تكاليف التكرير والتصفية، وتكاليف التوزيع والتسويق، وعموما، تُشكل أسعار النفط الخام العامل الأكثر تأثيرًا فى تحديد أسعار البنزين، ما يعنى أنه كلما زاد اعتماد الدولة على استيراد النفط الخام زاد تأثر أسعار البنزين لديها بتقلبات سوق النفط العالمية.

ونتيجة لذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط الخام فوق ٨٠ دولارًا للبرميل فاق توقعات موازنات العديد من دول العالم للعام الحالى، وتسبب فى ضغوط على دول أخرى، خاصة تلك التى تعتمد على الاستيراد، لتوفير الوقود والمنتجات البترولية لأسواقها المحلية، ما جعل الدولة المصرية تواجه ضغوطات مالية كبيرة، بسبب هذا الارتفاع الكبير فى أسعار النفط منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ثم الحرب على غزة والتوترات فى البحر الأحمر، وزيادة تكاليف الشحن والتأمين على حركة النقل البحرى.

كما كانت لارتفاع فاتورة النقل وشحن المنتجات والمشتقات البترولية التى يتم استيرادها من الخارج، نتيجة لما يحدث فى البحر الأحمر، تداعيات على اتساع الفجوة السعرية بين تكلفة هذه المنتجات وسعر البيع النهائى بشكل غير مسبوق، ما جعل من الضرورى أن يتم تحريك الأسعار بهدف تقليل تلك الفجوة، خاصة بعد تثبيتها لفترة طويلة.

وفى هذا الإطار، نفذت الحكومة المصرية برنامجًا على عدة سنوات بهدف تحرير أسعار الوقود، التى أصبحت تشهد مراجعة كل ٣ أشهر، وفقًا لآلية تعتمد على سعر برميل النفط فى السوق العالمية، وتحركات الدولار أمام الجنيه.

ونظرًا لأهمية وتأثير سعر السولار، تفادت الدولة فى أكثر من مناسبة تحريك أسعاره، خاصة فى ظل الاستهلاك اليومى منه، الذى يبلغ نحو ٤٢ مليون لتر، بمعدل ١.٢٥ مليار لتر كل شهر، أى نحو ١٥ مليار لتر سنويًا، ما حمّل الدولة فى ٣ أشهر فقط نحو ٤.٢٥ جنيه دعمًا على كل لتر سولار، بإجمالى يصل إلى نحو ١٧٨ مليون جنيه.

ومع ذلك، فضلت القيادة السياسية تثبيت سعر السولار لفترات طويلة سابقًا، رغم زيادة الفجوة السعرية بين تكلفة توفيره وسعر بيعه فى السوق المحلية، مع توجيه الحكومة بضرورة ترشيد استهلاك الوقود بنسبة نحو ٥٠٪، ما تسبب فى تراجع قيمة واردات مصر من النفط ومشتقاته فى العام الماضى بنسبة تصل إلى ٦٪ على أساس سنوى، على خلفية انخفاض أسعار النفط الخام عالميًا، وذلك بعد ارتفاعها فى عام ٢٠٢٢، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. 

وبلغت قيمة واردات مصر النفطية نحو ١١.٨ مليار دولار فى عام ٢٠٢٣، بتراجع نحو ٧٤٦ مليون دولار عن الفاتورة المسجلة فى عام ٢٠٢٢، والبالغة نحو ١٢.٥ مليار دولار، لكن الأمر لم يستمر، خاصة مع عودة الأسعار وحدوث أزمة فى أسعار الوقود عالميًا، بسبب الحرب على غزة وتداعياتها على حركة النفط الخام فى البحر الأحمر، التى تأثر بها العديد من دول العالم، وانعكست تبعاتها على الاقتصاد العالمى، وتسببت فى حدوث موجة حادة من التضخم العالمى، مع ارتفاع تكلفة الاستيراد لمختلف دول العالم.

وعلى إثر ذلك، بلغ متوسط سعر البنزين عالميًا فى الوقت الحالى نحو ١.٣١ دولار لكل لتر، مع اتساع الفجوة بين أسعار الوقود وسعر النفط العالمى إلى ما يقارب نحو ٤٥ دولارًا للبرميل، بالإضافة إلى تراجع مخزونات العديد من الدول الكبرى المنتجة للنفط، وهو ما انعكس على أسعار الديزل والبنزين فى العالم.

وزاد من حدة الأزمة صدور القرار الروسى الأخير بالحظر لمدة نحو ٦ أشهر على صادرات البنزين، اعتبارًا من شهر مارس الجارى، للحفاظ على استقرار الأسعار، فى ظل تزايد طلب المستهلكين والمزارعين، ولإتاحة الفرصة لصيانة المصافى فى ثانى أكبر مصدر للنفط فى العالم، الذى تعتمد عليه الدول الإفريقية بشكل أساسى، على رأسها نيجيريا وليبيا وتونس.

وفى ظل تلك التداعيات، وصلت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية فى العديد من دول العالم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التى وصل بها معدل التضخم إلى مستويات لم تشهدها منذ عقود، حتى إن سعر جالون البنزين وصل إلى نحو ٥ دولارات للمرة الأولى فى تاريخها. وتركت أزمة أسعار الوقود أثرها على معظم اقتصادات العالم، مع وجود فوارق سعرية بالطبع بين الدول الغنية ومرتفعة الدخل بالمقارنة مع الدول النامية والأقل دخلًا، وبين الدول المنتجة والمصدرة للنفط، نتيجة اختلاف قيمة الدعم الحكومى والضرائب وغير ذلك، وأسعار صرف الدولار الأمريكى، وغير ذلك من العوامل المؤثرة.

ورغم التطورات والتداعيات، عملت الدولة المصرية، ولا تزال تعمل، على تحقيق الاستقرار للسوق المحلية، إذ تمت تلبية الاحتياجات المحلية للمواطنين وقطاعات الدولة المختلفة من المشتقات النفطية والغاز الطبيعى، مع صدور توجيهات رئاسية للحكومة بعدم المساس بسعر رغيف الخبز المدعم، وأن تتحمل الدولة فرق الزيادة بالنسبة للأفران التموينية التى تعمل بالسولار أو الغاز، ويستمر حصول أصحاب البطاقات التموينية على رغيف الخبز الواحد بقيمة ٥ قروش، وتتحمل الدولة باقى تكلفة الرغيف والتى تتجاوز أكثر من جنيه.

وأكدت تلك التوجيهات مدى انحياز الرئيس عبدالفتاح السيسى للفئات الأكثر احتياجًا، وحرصه على تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين بأكبر قدر ممكن، رغم توالى الأزمات العالمية التى تنعكس آثارها وتداعياتها على الاقتصاد المحلى.