رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عائلة الدم

بالأمس شاهدت فيلمًا وثائقيًا عن مقتل المخرج الإيرانى "بابيك خرمدين"، 23 سبتمبر 1974- 15 مايو 2021، فى بيت العائلة بحى "اكباتان"، على يد أبيه "أكبر خرمدين"، وأمه "إيران خرمدين". صباح يوم 16 مايو 2021 اكتشفت أشلاء جثته المشوهة فى إحدى حاويات النفايات. ومن خلال بصمات الأصابع، تعرفت الشرطة على هوية الضحية. وقد اتهم الوالدان بقتل ابنهما، والتمثيل بجثته، وتم القبض عليهما، بعد التقاطهما بكاميرات المراقبة. اعترف الأب أكبر خرمدين بأن زوجته وضعت المخدر فى طعام الابن، ثم قام الأب بطعنه بالسكين، والتمثيل بجثته وإلقائها فى النفايات.  
قال الأب مفتخرا: "لا أشعر بتأنيب الضمير.. ولا تأتينى الكوابيس فى الليل.. ابنى غير متزوج ويعيش حياة فاسدة أخلاقيا، لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية". 

تأملت الأب، ملامحه مزيج من القسوة والصرامة واللا مبالاة، والأم كذلك. ومن خلال التحقيقات تبين أن الأب- عقيد متقاعد فى الجيش الإيرانى-  قاتل متسلسل، حيث قام بالجريمة نفسها وقتل ابنته "أرزو" 2018، وقبلها قتل زوجها ابن أخته "فرامرز" 2010، وكان يخطط لقتل شباب آخرين من العائلة وخارجها؛ لنشرهم نمط حياة مخالفًا للشريعة الإسلامية، ولما تربى عليه من عادات وتقاليد. 
أهكذا بكل بساطة، يقتل الأهل فلذات أكبادهم؟؟. ماذا نسمى هذه الجرائم؟. وكيف وصل
البعض إلى هذا التفكير المعوج؟. 
إلى متى يبقى سفك الدماء باسم الأديان والشرائع؟؟. إلى متى ستظل الحياة مهددة بالقتل والذبح من قبل المختلين عقليا، ونفسيا؟. هل ستنتظر البشرية طويلا حتى يأتى يوم تنتصر فيه ثقافة الحياة، على ثقافة الموت؟؟.

حسب تقارير المؤسسات الراصدة للديمقراطية فى العالم، فإن هناك تراجعا فى التوجهات الديمقراطية على مستوى العالم فى العقد الأخير، وظهر مصطلح "الدولة المفترسة"، 
و"التدهور الديمقراطى". وهذا  طبيعى لأن الديمقراطية تحمل داخلها بذور فنائها، عاجلا أو آجلا. لو كانت صالحة، لأثمرت سعادة الإنسان على كوكب الأرض. أليست هذه هى الغاية فى نهاية الأمر؟؟.
الانتخابات الحرة والديمقراطية واستفتاء الشعب الألمانى، جاءت بهتلر إلى الحكم فى ثلاثينيات القرن الماضى. الشعب أراد هتلر، الفاشى، وواحدًا من الأساتذة الكبار فى الإجرام والتوحش والاختلال العقلى والنفسى وجنون العظمة، على مدى التاريخ. لقد تقدم الحزب النازى فى الانتخابات، وأيده القوميون والرجعيون والموالون للحكم الملكى والكاثوليك وأنصار الحزب الجمهورى، وأيضا أيدته الأحزاب الديمقراطية. وكان شعار هتلر فى حملته الانتخابية "هتلر فوق ألمانيا". 
وفى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى لو أجريت انتخابات ديمقراطية نزيهة واستفتاءات شعبية، لكان الشعب الأمريكى أيد بقاء التفرقة العنصرية بين البيض والسود، ورفض حركة الحقوق المدنية التى تزعمها مارتن لوثر كينج الابن 15 يناير 1929- 4 أبريل 1968، والذى اغتيل لتمرده على رغبة الأكثرية من  الشعب الأمريكى آنذاك.
فى مصر، ألم تجئ الانتخابات عام 2012 بمحمد مرسى الإخوانى إلى الحكم، وكان أول رئيس مدنى منتخب؟؟. وكانت سنة حكمه خرابا على الوطن، ومحاولة لبيع مصر بالجملة والقطاعى. 

إذن القول بأن الديمقراطية هى الحل خدعة كبيرة يتم ترديدها دون تحليلها وتفنيد تاريخها والتفكير الجذرى فى مقوماتها ومعناها وآلياتها وعواقبها. إن الاستفتاءات الشعبية لأغلبية جاهلة مغيبة مغسول عقلها بسيطرة رجال الدين والإعلام الذكورى، لن تجلب إلا التخلف والنكسات وترسيخ التفرقة.
البديل والمعيار والبوصلة هى ثقافة حقوق الإنسان الكاملة دون تمييز. ففى سوق التقدم الحضارى العبرة ليست فى حجم العدد، فحكم الأغلبية أو الأكثرية لم يكن أبدا دليلا على العدالة وازدهار الحريات، وتحقق السعادة.  


 من بستان قصائدى 

                                        
الحقيقة بمرارتها     
بكل قسوتها 
تحرقنى.. تمزق قلبى 
 تمرضنى.. تخيفنى 
ترمينى أشلاء فى أرض خراب
أفضلها عن أوهام تخدعنى
تتوجنى ملكة دون سُلطة
وتبنى لى قصورًا
فى مدن السراب