رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الزغاليل والعتاقى

النساء يتحملن الجهد والعناء والضغط، نفسيًّا وماديًّا، لكى يظهرن وقد أخفين بصمات الزمن بعمليات التجميل، وارتداء الأزياء الفاخرة، والكعوب العالية، والمجوهرات الغالية، والعطور، والمhكياج من الرأس حتى القدمين.

النساء في العالم لهن عقلية متشابهة، وإلا لِمَ أصبحت صناعة مستحضرات التجميل، وتصميمات الأزياء العالمية، وجراحات شد الوجه والجسم، من أربح الصناعات الرأسمالية، مع تجارة السلاح؟

إذن ليس من مصلحة الحضارة الرأسمالية العالمية السائدة القضاء على تجميل النساء، والقضاء على الإرهاب الدينى.

المشهد التجميلى النسائى صنعته الثقافة الذكورية، ويرسخه الإعلام الذكورى، والمرأة تدعمه دائمًا، ولا تدرك أنه ضد الجمال الحقيقى، وضد نفسها. إن المرأة الحرة ترفض أن يعولها رجل اقتصاديًّا، وأن يعولها المجتمع فكريًّا وثقافيًّا وأخلاقيًّا.

إن تعبير «سن اليأس» يحدد مصير النساء، ومفاهيم الجمال والأنوثة، بالقدرة على الإنجاب, وهذا منطق شديد الظُلم، والتخلف، والجهل، والضحالة.

أولًا: لأن الخصوبة البيولوجية زمنها قصير جدًّا، مقارنة بحياة المرأة.

ثانيا: «الجمال» ليست له سن لأنه قيمة «داخلية»، نابعة من عقل وقلب المرأة، وبالتالى هو «غير مشروط» بالحمل والإنجاب، أو بالعناصر الخارجية، الزائلة.

الجمال الحقيقى لا يُرى، وإنما يتكشف تدريجيًّا، بطيئًا، ويشع هادئًا، يتسلل إلينا سلسًا مثل شمس الخريف، يدهشنا بأسئلة جديدة، ويحفز على مشاعر غير مألوفة، ويثير حيرتنا، ورغبتنا غير المبررة في الاقتراب منه، والتعلق به، وإدراك أسراره، ومن أين يأتينا.

تنبع حقيقة «الجمال» من ثقة المرأة بنفسها، واعتزازها بشخصيتها، المتفردة المستقلة، التي لا تشبه إلا ذاتها، وشغلها النافع لتغيير نفسها ومجتمعها، من إبداعها المختلف، وشجاعتها وصدقها في مواجهة العالم بوجه مغسول، وأن تحب تقدمها في العمر، بكل بصماته، على الملامح والجسد، بل تعتبر الكِبَر محطة النضج، والحكمة، والسخرية من المقاييس المختلة المزيفة!!

نجمات السينما عندما يتقدمن في العمر يهمَلن لأنهن أصبحن «قبيحات» وفقًا للجمال الذكورى المزيف. ويُجبَرن إما على الاعتزال والاكتئاب، أو الدخول في متاهة وسباق عمليات التجميل والأناقة الخارجية، التي تستعبدها وتستهلكها.

العكس لا يحدث مع النجوم الرجال، لهم العمر ذاته، والتجاعيد والكرمشات والخطوط والترهل نفسه. ولا يخفى الرجل عمره الحقيقى، بينما المرأة تُخفيه كأنه «جريمة»، يجب إزالة بصماتها أولًا بأول، أو «بلاء»، لابد من ستره، فكيف تتجرأ على الكبر، تكبر؟؟. ويا لسخافة المقولة وثقل دمها الأخلاقى والحضارى: «لا تسأل المرأة عن عمرها».

نسمع عن أخبار عمليات التجميل الخاطئة، هنا وهناك، والتى أدت إلى تشوه جزئى أو كلى للملامح، وهناك فتيات ونساء فارقن الحياة أثناء عمليات تغيير مسار المعدة أو تضييقها، أو كن ضحية آثار جانبية مستديمة. ومع ذلك، تبقى الذكورية وأعلامها أقوى في غسيل وتوجيه العقول والفلوس. حتى المرأة الفقيرة، أو التي «على قد حالها»، قد تستقطع من القوت الضرورى أو تستدين لشراء أحمر شفاه مستورد، أو لتركيب عدسات ملونة.

التيار السائد في جميع أشكال الفن يرى المرأة «سلعة» لا بد أن تتذوق لإرضاء الزبون، وهى «ديكور» يجب أن يواكب أحدث موضات التصميم، لجذب العميل.

وأيضًا التقاليد كلها متخمة بالإساءة المتهكمة المتنمرة على «المرأة العجوز القبيحة»، بينما الرجل العجوز القبيح يظل يستمتع بوقاره وبملذات الدنيا، الشرعى منها وغير الشرعى، ومن أولها بالطبع النساء «الزغاليل»، وليس النساء «العتاقى».

يفسرون أزمة الفن أو السينما بفقر الإمكانات. والسبب الحقيقى هو فقر التفكير المتمرد. ماذا ننتظر من ثقافة تقيِّم شرف وأخلاق المرأة بغشاء البكارة، وتسميه «أعز ما تملك»؟؟. أهناك خير يُرتجى من عقلية تحدد جمال النساء بالخِلفة؟

نغفر للمرأة أن تكون عاطلة وكاذبة ومرتشية ومنافقة وساذجة، ولا نغفر أن تكون قبيحة، أو عجوزًا، وتُطرد نهائيًّا من الاحترام والاهتمام، لو جمعت بين الصفتين.

في فيلم «معبودى الخائن»، عن حياة الأديب الأمريكى، «فرانسيس سكوت فيتزجيرالد»، بطولة نجمى المفضل، جريجورى بيك، مع ديبورا كير، وأخرجه هنرى كينج، عام 1959، هناك جملة لا أنساها.

كان «سكوت فيتز جيرالد» يحب شيلا جراهام، وكانت تخاف مرور الزمن، وفقْد جمالها، واعترفت له بذلك. رد عليها برقة: «الجمال في الشباب هبة الطبيعة، أما في العمر المتقدم، فنحن الذين نصنعه، إن أجمل امرأة رأيتها في حياتى كانت في الثمانين من العمر».

الكاتب والشاعر الساخر والفيلسوف «هنرى تشارلز بوكوفسكى»، ١٦ أغسطس ١٩٢٠- ٩ مارس ١٩٩٤، كتب: «عندما تكف النساء عن حمل المرايا أينما ذهبن، ربما أصدق حينئذ حديثهن عن الحرية». وإحدى قصائده الشهيرة اسمها «Style»، أي أسلوب، التى رسم لوحة الحياة في جميع تفاصيلها بأنها «أسلوب»، وهل الجمال شىء آخر غير «الأسلوب» لا يشبه أحدًا، ولا يقلد أحدًا؟!

أما «نزار قبانى»، 21 مارس 1923- 30 أبريل 1998، فقال: «ماكياج المرأة حتى أحبها لا بد أن يكون ماكياجًا ثقافيًّا.. لا أستطيع أن أحتمل امرأة جميلة وغبية». 

من بستان قصائدى 

لا تقلق.. 
لا تستسلم للشكوك 
فأنا أبدًا  لن أرحل عنك
هل تترك الوردة الذابلة 
فرصتها الأخيرة لارتداء العبير 
أتهجر الأوتار الممزقة 
نداء يعدها بالغِناء 
وبعد نومها على الأشواك
أترفض امرأة عاقلة
الاستلقاء على سرير 
من الحرير؟؟