رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسعود شومان: الدين عند المصريين كان مصدرًا للسعادة والجماعات الفاشية الدينية حوّلته إلى طريق للتعاسة والدم والاقتتال

مسعود شومان
مسعود شومان

قال مسعود شومان، الشاعر والباحث فى مجال التراث الشعبى، إن المصريين يتعاملون مع الله بمحبة وتصوف، ليس بمنطق الخوف مثلما تفعل الجماعات المتطرفة، مؤكدًا أن أهل مصر، منذ فجر التاريخ، يربطون بين الدين والسعادة، لكن المتشددين حولوه إلى تعاسة واقتتال. وأضاف «شومان»، خلال حواره لبرنامج «الشاهد»، مع الإعلامى الدكتور محمد الباز على قناة «إكسترا نيوز»، أن الجماعات الدينية الفاشية حاربت الطريقة المصرية الصوفية فى التعبد إلى الله، وزعمت أنها تعبد الأولياء، فى حين أن الأمر مرتبط بشكل وثيق بجذورنا الممتدة حتى المصرى القديم. وأشار إلى أن تراث الإنشاد الدينى فى مصر، الإسلامى والمسيحى، يحمل قيم المجتمع المصرى، ورأى أن المنشد أهم من الفيلسوف، لأنه أكثر ارتباطًا بالناس وواقعهم وأعرافهم وأوجاعهم، فضلًا عن أنه يقدم قيم الحق والعدل والجمال.

■ كيف ترى العلاقة الخاصة بين المصريين والله؟

- علاقة المصريين بالدين وبالله علاقة محبة وتصوف، وليست علاقة خوف، وتناولت فى ديوان «صاحب مقام» علاقة المصريين وعلاقتى أنا شخصيًا بالأولياء والقديسين.

المصريون ينظرون إلى هذه المسألة باعتبار أن الدين والسعادة يسيران يدًا بيد، لكن للأسف الجماعات الفاشية الدينية التى احتكرت الدين، حولته إلى مصدر للتعاسة والدم وصنعت حالة من الاقتتال.

أتصور أن المصريين يرون الدين والسعادة مرتبطان، وهذا الشعور نشأ قبل نشوء الأديان، ربط الدين بالسعادة له جذر ثقافى.

هناك أغنية كنا نغنيها قديمًا تقول: «يا طالع الشجرة هاتلى معاك بقرة تحلب وتسقينى بالمعلقة الصينى والمعلقة انكسرت يا مين يربينى.. ربانى عبدالله وأنا زرت بيت الله لقيت حمام أخضر بيلقط السكر». البقرة هى حتحور إلهة الخصب والنماء والسعادة عند المصرى القديم، والشجرة هى شجرة المعرفة، وكأنه يقول: «يا طالع شجرة المعرفة هاتلى معاك بقرة السعادة والخصب والنماء والتكاثر لتسقينا المعرفة».

والمعلقة الصينى إشارة للعلاقات الحضارية بين المصريين والصين.. و«المعلقة انكسرت» هنا مفصل حضارى، ووصلنا فى النهاية لسؤال: «يا مين يربينى؟».

جذور المصرى دائمًا تشير إلى التسامح فى الدين والتعامل مع الأولياء بمثابة الآلهة المحليين عند المصريين القدماء، وهذا أصل الديانة المصرية.

عندنا ولى من الأولياء مشهور جدًا، اسمه سيدى إسماعيل الإمبابى، ويقام مولده يوم ١٠ بؤونة، وهذا شهر قبطى، ويوافق يوم المولد «ليلة النقطة»، وهى ليلة ذرفت فيها إيزيس دمعتها حزنًا على أوزوريس ففاض النيل.

المصرى يربط تاريخه العميق وجذوره الحضارية فى أمثاله وعاداته وتقاليده ومنظومة قيمه، وإذا نظرنا لمثل «كانى ومانى ولا دكان الزلبانى»، لماذا لم يقل «كانى ومانى ولا دكان الفسخانى» وتمشى علشان القافية؟

«الكانى والمانى» هما السمن والعسل عند المصرى القديم، وهذا ربط للزلابية بالجذر والمفردات المصرية القديمة، فالمصرى ليس مقطوع الصلة بجذوره، يمكن أن تختفى كلمة، أو يقولها الناس دون وعى بمعناها، لكن الجذر حاضر بقوة كبيرة جدًا، وهذا ما حاولت قدر الإمكان إظهاره فى نصوصى.

جدى كان واحدًا من كبار المريدين للأولياء، ولديه خيمة كبيرة جدًا فى أماكن الأولياء يستضيف فيها أولاد بلده، ورأيت هذا بعينى.. رأيت الطرق المتصوفة والإيمان بالظواهر التى تبدو خارقة للطبيعة.. رأيت ذلك فى الموالد ورأيت زفة الحرف، وما زالت موجودة فى شبين القناطر حتى الآن.

■ هل ترى أن المصريين يتحدثون مع الله ويعرفونه بطريقتهم؟

- المصريون يتعاملون مع الله بمنطق مختلف عن منطق الرهبة والخوف؛ فهم يطلبون منه بمحبة، وفى كل الأديان التى مرت على المصريين كانوا يتعاملون بنفس الطريقة مع الله.

هناك جماعات أرادت احتكار الدين، وحاولت أن تكون الوسيط بين المصريين والله عز وجل من أجل «لقمة العيش».

لكن أتصور أن المصريين لم يكونوا بحاجة لهذا الوسيط، حتى إنهم فى دينهم وقراءتهم القرآن وإنشادهم ومعرفتهم بربنا كانت معرفة مختلفة، بعيدة عن المعرفة اللاهوتية التى رأيناها وصُدرت إلينا من خلال رجال الدين.

المصرى القديم كان يشير دائمًا إلى التسامح فى الدين، والدين كان مصدرًا للسعادة عندهم.

■ أترى أن هناك أفكارًا سلفية أبعدت المصريين عن طبيعتهم فى التعامل مع الدين؟

- نعم.. بالتأكيد؛ السلفيون تسببوا فى إحداث نوع من الردة والمواجهات العنيفة فى بعض القرى المصرية بعد ثورة ٢٥ يناير، بهدم الأضرحة وتحريم الموالد.

الموالد هى أفراح الفقراء، والفقر هنا ليس ماديًا، لكن كلما افتقرت الروح إلى رغبة فى الاستزادة والتوجه إلى الله بمحبة أعلى بعيدًا عن التعبد المفروض، يلجأ الفقير بشكل عام إلى الموالد.

الموالد تسهم فى حل العديد من المشكلات، وتتضمن عقد جلسات عرفية، كما أن معظم الفنانين المصريين الكبار خرجوا من الموالد، سواء الفنان التشكيلى الذى استلهم شكل المولد، والمغنى الذى عرف عُرب المنشدين والمداحين.

لدينا غنى فى الموالد، وللأسف الشديد لم نستطع حصره حتى الآن، سواء فى آلات النفخ والآلات الإيقاعية والوترية.

تعبد المصرى كان جماليًا فنيًا، مرتبطًا بفكرة المعبد القديم، المثلث الذى ورثناه وما زال موجودًا حتى الآن فى حلقات الإنشاد والذكر، ونستمع إلى أصداء معبدية قديمة حتى الآن.

■ ما العلاقة بين المصريين والأولياء نفسيًا؟ 

- علاقة المصريين بالأولياء مبنية على وسيط حضارى قديم، فالمصرى لا يعبد الولى ولكن يتعامل معه على أنه يحكى له بعض آلامه وجروحه وشكواه منذ أيام الفلاح الفصيح، فعندما تضيق به الأمور وتظلم الدنيا فى عينيه، يلجأ إلى بث شكواه، والولى مجرد وسيط ليشكو من خلاله لتصل رسالته إلى الله.

هذا موجود فى كتاب رسائل الإمام الشافعى، للدكتور سيد عويس، وستجد الأمر نفسه فى الكنائس.

أنا دائم الزيارات لأضرحة الأولياء وأيضًا الكنائس والقديسين، ووجدت تلك الظاهرة؛ وذات مرة فتحت رسالة من الرسائل الموجودة فى الكنائس، واتضح أن من كتبها صبى يتوسل للمسيح والسيدة مريم، ويقول لها: «يا ستنا مريم.. ارزقى أبويا برزق كبير علشان يشترى لى عجلة»، وطبعًا الحكاية أثرت فىّ بشكل كبير.

هذه دعوات اجتماعية تتعلق بفكرة التوسل، عبر إرسال رسائل، عندما تضيق الدنيا، إلى هذا الضريح، والمصرى القديم تعامل مع كل شىء على أن به روحًا، وهذا موجود فى حضارات كثيرة. المصرى لا يعبد الأولياء، لكنه يرى أن التواصل معهم به جانب ترويحى، فضلًا عن الأهمية الاقتصادية للموالد، التى يحضرها ما يقرب من ٣٥ مليون مصرى، ولها عائد اقتصادى كبير.. هناك من يخرج من مولد ويذهب للآخر.. وهذا لا فرق فيه بين المسلم والمسيحى.

■ يختلف أداء المنشد الصعيدى عن زميله فى الوجه البحرى.. كيف يشارك المنشد فى تكوين جزء من الوجدان المصرى بالثقافة المصرية الخاصة؟

- مصر تمتلك عظماء فى الإنشاد، وللحديث عن المنشدين سأستدعى مقولة لشاعر إفريقى عظيم، يقول: «عندما يموت معمر إفريقى فكأنما احترقت مكتبة بها ألف كتاب».

فى اعتقادى، عندما يموت لدينا منشد أو راوٍ شعبى تحترق آلاف الكتب وليس ألفًا فقط، لأننا للأسف لم نحفظ تراث العظماء فى الإنشاد، ومات عدد كبير منهم دون أن نعطيهم العناية الواجبة بحفظ تراثهم وتسجيله.

من المفترض أن يحتل هؤلاء الشاشات، وأن يعاملوا كرموز للهوية المصرية؛ لأنهم لا يغنون لمجرد الغناء، بل يؤثرون فى الناس، والجماعة الشعبية هى من تصدق على نصوص المنشد وتجعله مبدعًا شعبيًا.

المنشد المبدع لا يقدم أى كلام، ففى البداية لا بد من أن يأخذ الصك، وهو تقديم ما يعبر عن منظومة القيم، من عادات وتقاليد، وتصوراتها للعالم والوجود.

يبدأ المنشد المسلم بالصلاة على النبى، وفى تقاليد الإنشاد عند المسيحيين البداية تكون بتقاليد مارى جرجس.. هى كلها تقاليد قديمة وموروثة للأجيال، فيقول: «بصلى وسلم على النبى الزين»، إلى آخر النص، ثم الانتقال للقصة.

المنشدون يدعمون منظومة القيم، مثل الفلاسفة الذين ينقلون القيم العليا، لكننى أرى أن المنشدين أهم من الفلاسفة، ستجد قيم الحق والعدل والحرية والجمال فى قصص النصوص الشعبية، والحديث عن «الندل والخسيس والعدل والظلم»، وكل القيم ونماذج الإنسانية للجماعة الشعبية، مثلما يقول: «ولا حد خالى من الهم حتى قلوع المراكب.. اوعى تقول للندل يا عم وإن كان على السرج راكب»، المنشد يصدر النموذج للرجل الحق.

■ كيف يتعامل المصريون مع الحزن والموت؟ وماذا قصدت بعنوان ديوانك «الموت سبوبة للعايشين»؟

- الحقيقة أن العنوان قديم، وكتبته أول مرة فى منتصف الثمانينيات، وكتبته مرة أخرى عند رحيل عبدالدايم الشاذلى، الشاعر الجميل، والناس جميعًا تميل لمدح الناس بعد موتهم، وكأنهم يكسبون فى الموت أكثر من الحياة.

هناك حكمة عربية قديمة تقول: «إذا أردت أن تُعظم فمُت»، وللأسف الشديد نحن أمة تمتدح الموتى أكثر مما تحتفى بالأحياء.. «بعد ما يموت خلاص تخرج كل مزايا الميت والحكايات عنه»، ولكن حينما يكون معنا لا نذكره إلا قليلًا وبكل شر، ومثلما يقول المصريون «اقطع فروته».

الحقيقة أن ذلك تقديس للموت، وهى قداسة قديمة عند المصريين، يرون أن هذا الشخص سيظل حيًا رغم رحيل جسده، وسيعبر من حياة لأخرى، ويظل الميت بيننا، ونخاطبه حينما نزوره فى المقابر، أو فى الذهاب للمقابر يوم الخميس للقراءة على الميت، ويحملون معهم «قرص» ومعجنات وفواكه، وكأنه احتفال.

الموت لدينا به قدر من الاحتقالية، ورأيت فى جنازة من الجنازات ذبائح تحت النعش، ورُفعت الأعلام ودقت الطبول، وهذا نوع من الاحتفال بالموتى الذين يريدون تعظيم شأنهم أمام جماعتهم.

وهناك فكاهات كثيرة تتعلق بالموت: «يقولك إحنا دفنينه سوا»، وأصلها قصة أشخاص «قرروا يعملوا مقام، وأحضروا حمارًا ودفنوه فى مكان ما وبنوا فوقه المقام، وبعد ذلك عملوا مولد، وفى إحدى المرات وهم يقتسمون النذور، اختلفوا، فرد أحدهم إحنا دفنينه سوا».

وفكرة الارتزاق من الموت موجودة، وأحيانًا ينظر للمثل الشعبى بشكل سلبى، فمن الممكن أن يعكس فكرة النصب: «إننا على علم بكل شىء فلا داعى للمكر والخداع».

والمصريون يتعاملون مع الموت بمنطق أنه حياة أخرى، وأن الحكايات ستطول وستمتد، وهناك ملاحظات شديدة الغرابة وجدتها وأنا أعد الدكتوراه، وهى عن شىء أقرب للزار، وهو فن متعلق بالأفارقة من السودان للمغرب، وهى ظاهرة عربية موسيقية جميلة، ودخلت فى التراث المادى لليونسكو.

ولاحظت أن الشعوب العربية تحتفى بكل المعلمين الذين يموتون من نفس القبيلة أو المنطقة، وهذا أيضًا موجود فى مصر، ولكن بشكل مختلف، مثل شخص تعلم من راوٍ كبير مثل عمنا جابر أبوحسين.. بعضهم لا بد من أن تقرأ له الفاتحة، والمكان الذى يجلس عليه المعلم يسمى «المنبر»، وكأنه سيقول قولًا حكيمًا لا يقل عما سيقوله الخطيب على المنبر.

الخلاصة أن هناك ارتباطًا شديدًا وكبيرًا بين مجموعة عناصر فلكلورية، ليست متعلقة بالموت فقط، مثل إيقاع الشجن الحزين الموجود فى أغانى الصباحية والحنة وفى مناسك الحج، وقد يبدو الأمر مفارقة، لكن الأمر ليس كذلك، فلدى المصريون القدماء «طقس العبور»، أى أن الإنسان يعبر من زمن لزمن، ومن مكان لمكان، ويتغير من شخصية لشخصية أخرى.

فالحنة مثلًا، آخر مرحلة للعزوبية والدخول فى الحياة الزوجية، هو حزين لأنه يودع حياة وسيذهب لحياة أخرى، وكذلك الحج، ففيه الانتقال من مرحلة ما قبل الحج لمرحلة ما بعده، ويسمونها الحنين للحياة الأخرى والعودة مرة أخرى.. فالحاج يتمتع بنوع من الوقار المختلف، وبمصداقية مختلفة لدى جماعته، ويتم اللجوء إليه بوصفه حاجًا.

فكرة العبور موجودة طوال الوقت، وكأن الإنسان يعمد لحياة جديدة، وهناك العديد من الأغانى لها تقسيمات جديدة، وهناك كتب عن المراثى الشعبية فى فترة مبكرة جدًا، وبعدها أكمل مجموعة من الباحثين مثل كرم الأبنودى وفارس خضر وأحمد توفيق وعادل صابر.

■ هل طبيعة الحزن تختلف من مكان لآخر فى مصر؟ 

- يختلف الأمر من منطقة لأخرى فى مصر، لكن التجلى الأعظم فى صعيد مصر، ففكرة الموت فى الصعيد لها جلال كبير جدًا، على عكس ما يقول صلاح جاهين، الحزن عندهم شديد، وهناك صعوبة فى جمع كل النصوص، وأحسد كل الباحثين الذين جمعوا النصوص التى وصلت إلينا.

النائحة فى الصعيد تقوم بالكثير من الأدوار، وتتم الاستعانة بها عند الموت، كما أنها تحصل على أجر ما تقوم به من نواح وما شابه ذلك.

وبعض الباحثين قالوا إن التراث الشعبى تراث ذكورى، ولكن فى حقيقة الأمر هذا الحديث فاسد ولا صحة له، ويمكن القول إن جميع أدلة هؤلاء الباحثين ليست صحيحة، إذ توجد بعض الأمثلة الأخرى التى تمدح فى الأنثى عند ولادتها، مثلما يتم مدح الذكر فى الأمثال الشعبية، وهذه النصوص حوارية تقيمها الأم عند الحديث مع طفلها، سواء كان ذكرًا أو أنثى، لذا كثرة الأمثال الشعبية المتعلقة بالذكر لا تعنى تمجيد التراث الشعبى للذكر أكثر من الأنثى.

المواويل الشعبية منتشرة فى جميع أنحاء مصر وليس فى الصعيد فقط، ولكن كانت ألفاظ الصعيد مشفرة ومجهولة.

شعر الواو والمربع مختلفان بصورة كبيرة، رغم تشابه النصين فى البناء والوزن، ولكن شعر الواو يجب أن يكون قائمًا على التشفير، وهذا عكس كتابة المربع، وكان شعر الواو منتشرًا فى الصعيد، وذلك الرجل الصعيدى يحب فك الشفرات والرموز بصورة كبيرة، لذا أشعار وأمثال ومواويل الصعيد جميعها قائمة على نظام التشفير.

■ توثيق وجمع التراث الشعبى يحتاج إلى البحث والتحليل، هل نحن متأخرون فى هذا؟

- نعم، بالفعل توثيق وجمع التراث الشعبى الصعيدى يحتاج إلى البحث والتحليل، ولا بد من أن تكون هناك نصوص صوتية للتراث الشعبى الصعيدى، وذلك لأن جمال هذه النصوص بسماعها وليس بقراءتها وكتابتها، لذا تسجيل هذا التراث مفيد بصورة كبيرة، خاصة أن الشخص الذى يقول هذه الأبيات والمواويل يقولها بطريقة مثيرة وجذابة تظل راسخة فى الذاكرة، وتتداولها الأجيال عبر التاريخ.

مع الأسف الشديد، تم فقد جزء كبير من التراث الشعبى المصرى لعدم التعاون والاعتناء مع من يقومون بغناء وطرح هذا اللون الشعبى الجذاب، وذلك على الرغم من أن هذا التراث يمثل الشخصية المصرية بكل جوانبها وأشكالها، لذا كان على الجامعات المصرية وكليات الآداب أن تحفظ هذا التراث وتدرسه للطلاب، خاصة أنه يمثل شخصية المواطن عبر التاريخ، لذا يجب الاعتناء والاهتمام بتوثيق التراث المصرى سريعًا للحفاظ على ما تبقى لنا منه، كما أن تسجيله يجب أن يعتمد على الصوت والصورة معًا، وذلك لأن إلقاء هذا التراث على الجمهور من أساسيات هذا التوثيق.

■ هل هناك تقصير فى توصيل الموروث الشعبى للمداحين والمنشدين؟

- نعم، والتقصير يحدث بحق كل تراثنا ومأثورنا الشعبى وليس للمداحين فقط، لكن لدينا نموذج فى بعض القنوات المتخصصة حول هذا اللون من التراث الشعبى، على عكس ما كان موجودًا فى الريف سابقًا للمداحين فى بحرى، وحاليًا أجد قنوات لديها تسجيلات لكل الموالد فى بحرى، وتعرضها حاليًا، وتعيد القصص الخاصة بالمداحين والمنشدين فى بحرى والصعيد. فى الحقيقة، بدأت مصر، خلال الفترة الأخيرة، بالاهتمام بتوثيق عناصر التراث الشعبى، وأصبحت لدينا مجموعة من العناصر التى جرى توثيقها على قائمة اليونسكو، مثل السيرة الهلالية والأراجوز ورحلة العائلة المقدسة والنقش على المعبد والنخلة؛ كتراث مشترك مع مجموعة من الدول العربية، وكل هذه عناصر أصبحت موجودة، واللجان تعمل بشكل جميل بعد الانتباه لأهمية تسجيل عناصر التراث المصرى الشعبى، بعد سرقة بعض عناصر التراث المصرى الشعبى.