رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تمتحنوا صبر مصر.. فجيشها قادر

فى كلمته خلال تفقده الوحدات العسكرية المصرية فى السويس، قال الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، إن القاهرة تلعب دورًا إيجابيُا للغاية فى تهدئة أزمة غزة، مصر، وأن الهدف الاستراتيجى لمصر هو إيقاف الحرب فى القطاع، والحفاظ على حيوية القضية الفلسطينية.. فهل يُقدم رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، على حرق المركب من أجل الحفاظ على مكاسبه السياسية، حتى لو أدى ذلك إلى الدخول فى صدام مع مصر، انسياقًا وراء كلام وزير ماليته، بتسلئيل سموتريتش، من أن مصر وراء أحداث السابع من أكتوبر، وأنها تمد حماس بالأسلحة؟.. وهل تقدر تل أبيب على الدخول فى صدام مع القاهرة، وهى تدرك التفوق العسكرى لمصر، وكذلك الإرادة الشعبية التى تقف وراء جيش قوى العتاد والعدة، ويضم مقاتلين أكثر عددًا مما تملكه؟
الإجابة نتلمسها من كلام اللواء المتقاعد يتسحاق بريك، لصحيف (معاريف) العبرية، فى إطار حديثه عن القتال فى قطاع غزة وإمكانية إضعاف حماس، من أنه يرى (أن قدرة الجيش الإسرائيلى على ملاحقة حماس تتضاءل، وكذلك مستوى الأخطاء العملياتية.. لا تزال حماس تشعر بأنها قوية جدًا.. إنها على استعداد للتضحية بكل شىء، لكنها تشعر بأنه من غير المحتمل أن نسقطها.. لذلك، فإن نتنياهو يستخدم لغة ساخرة، ولا يريد التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن.. يقول إن لديه الوقت لإضعاف قدراتهم، لكن يبدو أننا لا نقترب منه.. حماس ستستمر فى الوجود).. وفيما يتعلق بالقتال فى ممر فيلادلفيا وفى رفح، قال بريك (ممر فيلادلفيا، نعلم جميعًا أننا تركنا هذا الممر من قبل، والجيش الإسرائيلى لا يرغب فى الجلوس على طول هذا الممر خلال السنوات القليلة المقبلة، لأنه لم تكن لديه القدرة على القيام بذلك من قبل، ولأنه سيكون هناك العديد من الضحايا، لذلك كان يأمل أن يفعل المصريون ذلك.. لكن اليوم، هناك مشكلة كبيرة جدًا مع مصر.. إنهم ليسوا مستعدين للقيام بذلك بدلًا منا.. كما أنهم لا يوافقون على أن نفعل ذلك من هذا الجانب من الممر، ويهددون بأننا إذا بدأنا فى القيام بأشياء مختلفة من شأنها أن تتسبب فى عبور الفلسطينيين إلى سيناء، فسوف يوقفون العمل باتفاقية السلام.. على الرغم من أنها دولة تعانى اقتصاديًا، إلا أنها أقوى جيش فى الشرق الأوسط، تملك الآن دبابات حديثة، ومئات من الطائرات الأكثر تقدمًا، وبحرية من أفضل ما هو موجود).. انتهى.
يحاول نتنياهو الهروب إلى الإمام، حتى لو ساق إسرائيل إلى الجحيم، مُعرضًا اتفاقية كامب ديفيد مع مصر للانهيار، حفاظًا على مستقبله السياسى فحسب، وهو الذى يعلم أن أهدافه من تدمير غزة وقتل ما يقترب من الثلاثين ألف شهيد، لم ولن تتحقق.. يعلم هو ذلك، ويعلم خطورته العالم، ما دفع دومينيك واجهورن، محرر الشئون الخارجية فى موقع Sky News International، إلى القول إن أسوأ كارثة أمنية فى إسرائيل على الإطلاق، وقعت فى عهد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فى السابع من أكتوبر. وقد يكون السبب الآن فى واحدة من أخطر النكسات الدبلوماسية فى تاريخ إسرائيل، بعد تهديد مصر بتعليق اتفاق السلام مع تل أبيب بسبب هجوم الجيش الإسرائيلى على رفح، الذى يجب أن يؤخذ على محمل الجد من قِبل إسرائيل.. ببساطة، قد تتحول مصر إلى عدو، لا يمكن لإسرائيل إيقافه.
نجا اتفاق السلام المصرى- الإسرائيلى، الذى أبرم بين العدوين اللدودين، بعد عقود من الحرب والانتفاضات والثورة، لكن مصر تهدد الآن بتعليقه بسبب الهجوم الإسرائيلى على غزة.. هذا الاتفاق، الذى أبرم فى كامب ديفيد بولاية ماريلاند فى سبتمبر 1978، أذهل العالم، إذ نجح الزعيم المصرى الراحل، أنور السادات، الذى غزا جيشه إسرائيل قبل خمس سنوات فقط من هذا الاتفاق، صنع السلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلى المتشدد مناحيم بيجن.. وكان الاتفاق دعامة للاستقرار فى منطقة مضطربة ومتقلبة، ومجرد احتمال تقويضه بسبب القتال فى غزة يُنذر بالسوء.
وفى حين رأى البعض أن المصريين هددوا فقط بتعليق معاهدة السلام، إذا احتلت إسرائيل ممر فيلادلفيا، وهو الشريط الضيق من الأرض الذى يمتد على طول حدود غزة مع مصر، وإذا اخترق الفلسطينيون الحدود وتدفقوا إلى مصر، إلا أن تقارير أخرى تؤكد أن مصر ستنفذ تهديدها، إذا شنت القوات الإسرائيلية هجومها على رفح، المنطقة المجاورة للحدود.. يتزايد القلق الدولى بشأن هجوم رفح.. ومنذ السابع من أكتوبر الماضى، دفعت إسرائيل الفلسطينيين فى غزة إلى التحرك جنوبًا لإخلاء ميدان المعركة فى الشمال.. ومع توغل القوات الإسرائيلية فى عمق قطاع غزة، نزح المدنيون مرارًا وتكرارًا، حتى صارت رفح الملاذ الأخير، لكنها الآن فى مرمى نيران إسرائيل.
وبموجب قوانين الحرب، على القوات العسكرية المحتلة، توفير الدعم الإنسانى للمدنيين الأبرياء الذين تحتل أراضيهم، ولو مؤقتًا، ولكن إسرائيل عرقلت وصول الدعم الإنسانى المحدود الذى يأتى من مصر، وشاركت فيه وكالات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة، واتبعت سياسة التجويع للشعب الفلسطينى الأعزل.. وقد ذكرت تلك الوكالات، منذ بعض الوقت، أنها على وشك الانهيار.. وفى حين قال مسئولون فى البيت الأبيض الأمريكى، إن عملية رفح التى تعتزم إسرائيل القيام بها ستهدد (بكارثة)، ولا يمكن أن تمضى قدمًا كما هو مخطط لها حاليًا، إلا أنه لا يبدو أن ذلك يردع رئيس الوزراء نتنياهو، الذى يقال إنه مصمم على المضى قدمًا، حتى فى ظل معارضة بعض قادته، وفى ظل المزيد من الأضرار الدبلوماسية الجانبية من دولة عربية رئيسية أخرى، حيث أصدرت المملكة العربية السعودية تحذيرًا صارمًا لإسرائيل بعدم تمديد الهجوم، بعد أن اقتربت وإسرائيل ببطء من تطبيع العلاقات بينهما.
سوف يشكك المتشككون فى صدق التهديد المصرى، الذى تستفيد من اتفاق السلام، الذى يضمن الاستقرار على جانبها الشمالى الشرقى، لكن مشهد المعاناة الجماعية غير المسبوقة فى غزة يمكن أن يُنذر بحدوث غليان فى مصر، كما هو الحال فى الدول العربية الأخرى.. هناك حد لما يمكن أن تتسامح معه الحكومة فى القاهرة، لأن انفجار حرب غزة على حدودها، ودفع آلاف الفلسطينيين إلى سيناء، خطر مهم بالنسبة للمصريين الذين يتعاطفون مع إخوانهم وأخواتهم الفلسطينيين، لكنهم يعرفون أن وجود اللاجئين من غزة فى سيناء يمكن أن يهدد استقرار البلاد.. ويشتبهون فى أن البعض فى الحكومة الإسرائيلية يتخيلون هجرة جماعية لسكان غزة إلى مصر.. يجب أن تأخذ إسرائيل وواشنطن تهديد مصر على محمل الجد.. لقد سئمت المنطقة والكثير من بقية العالم هذه الحرب.
■■ يبقى أن نقول..
إن مصر ترفض تصريحات وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، التى لمح فيها إلى (مسئولية القاهرة) عن هجوم حماس فى السابع من أكتوبر الماضى.. وأكدت وزارة الخارجية المصرية أنه (من المؤسف والمشين أن يستمر وزير المالية الإسرائيلى سموتريتش، فى إطلاق تصريحات غير مسئولة وتحريضية، ولا تكشف إلا عن نهم للقتل والتدمير، وتخريب لأى محاولة لاحتواء الأزمة فى قطاع غزة.. فمثل تلك التصريحات غير مقبولة جملة وتفصيلًا، حيث تسيطر مصر بشكل كامل على أراضيها، ولا تسمح لأى طرف بأن يُقحم اسمها فى أى محاولة فاشلة لتبرير قصور أدائه).. على الجميع ألا يمتحن صبر مصر، ومن أراد أن يُجرب، فليقترب.. لقد فعلها جيشها مرة، ويمكنه أن يُعيدها ثانية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.