رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جودة عبدالخالق: ترسيخ «الاستغناء» لدى المصريين أهم من «منجم السكرى» و«حقل ظُهر».. و70% من الاستهلاك رفاهيات

جودة عبدالخالق
جودة عبدالخالق

- قال إن الادخار سيحل مشكلة العجز والديون والفجوة الاقتصادية الكبيرة الموجودة حاليًا 

- ربط الجنيه بالدولار فقط «خطأ فاحش» و«كأنك متشعبط فى العربية الغلط»

- الحديث عن «حتمية تعويم الجنيه» مستفز جدًا والاندفاع وراءه «خطأ كبير»

- استدعاء الدين فى القضية الفلسطينية خاطئ و«رقص على إيقاع الصهاينة»

- غزة خط الدفاع الأول عن مصر وإذا سقطت فلسطين سيكون الدور علينا

- على الدولة فى علاقتها بالخارج أن تنظر لنفسها كـ«فاعل» وليس «مفعولًا به»

- «الإخوان» رسخوا لدى البعض أن انتقادك لـ«المتأسلمين» هجوم على الإسلام

- «الانفتاح» رسخ لدى المصريين أن «الخير والرخاء يأتيان من الخارج لا من الداخل»

واصل الدكتور جودة عبدالخالق، المفكر الاقتصادى الكبير، تقديم رؤيته بشأن الأزمة الاقتصادية الحالية، وسُبل حلها بشكل واقعى، اعتمادًا على خبرته الطويلة فى هذا المجال، وتوليه واحدة من أهم وزارات الحكومة، وهى التموين والتجارة الداخلية، فى فترة مهمة من تاريخ مصر. وشدد «عبدالخالق»، فى الجزء الثانى من حواره لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، على أهمية ترسيخ قيمة «الاستغناء» لدى المصريين، فى ظل الفجوة الكبيرة بين الواردات والصادرات المصرية، وكون ٧٠٪ من استهلاك المصريين يدخل فى إطار «الرفاهية» و«الحالة المزاجية». وتطرق المفكر والاقتصادى الكبير فى إطار الحلول أيضًا إلى فكرة ربط الجنيه المصرى بعملات أخرى غير الدولار الأمريكى، مستعرضًا إمكانية تنفيذها، والمعوقات التى تقف حائلًا دون ذلك، إلى جانب رأيه فى الدعوات التى ترى «حتمية» تحرير سعر الصرف.

■ بداية.. لماذا سيطر «الإخوان» على جزء كبير من عقول المصريين؟ هل استغلوا النصوص الدينية لخدمة مصالحهم؟

- فى الحقيقة النص الدينى والكتب السماوية من الأمور التى تحتمل التأويل، وبالتالى الخطأ الذى ارتكبه فصيل اليسار، باعتباره القوة المضادة لتيار «الإخوان»، على مدار السنوات الماضية، هو وقوعه فريسة لسردية الجماعة الإرهابية، من خلال التركيز على الطقوس بشكل كبير، بالإضافة إلى استدعاء النصوص التى تؤكد معنى: «أنا ومن بعدى الطوفان»، الذى استند إليه الكثير من قادة التنظيم.

كما أن العلاقة بين الفئات الاجتماعية أو الطبقات منسية فى ظل وجود «الإخوان»، خاصة فى بدايتهم، حين كانت تندرج تحت ما يسمى «البر والإحسان»، وهذا أمر غير صحيح، فالكتب والنصوص الدينية أكدت أن الكل سواسية، وأنه «فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم».

تيار اليسار ركز على فكرة جماعة «الإخوان» فى نفى الوطن بكل مؤسساته ونظامه، واستبدالها بفكرة «الأمة الإسلامية الموحدة»، والتى كان من الأفضل التعامل بشكل أوسع معها، بشكل يصب فى مصلحة المجتمع ككل وليس تيارًا بعينه.

وأرى أن الدين الإسلامى، ونصوصه، يؤكدان فكرة العدالة الاجتماعية، وهذا ما وجدناه فى سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- والصحابة، والتى كانت وما زالت تُعلمنا الكثير من القيم الصحيحة، لكن «الإخوان» أخذوا منها ما يتماشى مع أفكارهم فى المجتمع ويخدم مصالحهم.

وعند التعامل مع الجماهير، التى يصعب عليها التمييز بين «المسلم» و«المتأسلم»، ستجد أنك عندما تنتقد «المتأسلمين»، سيتم اتهامك بمهاجمة الدين الإسلامى، بسبب السطحية الفكرية التى رسخها «الإخوان» فى عقول هؤلاء.

هذا أيضًا سطّح الأمور كثيرًا لدى كثيرين، وجعلهم يقولون إن الإخوان فى عهدى جمال عبدالناصر ومحمد حسنى مبارك كانوا يعانون الظلم، لذا تعاطف الناس مع هذا الفصيل، باعتباره «يعانى الظلم والاضطهاد على مدار سنوات»، وهو ما لعب عليه قادة الجماعة، فيما عُرف باسم «المظلومية».

■ هل سيطرت «المظهرية» على الشخصية المصرية؟ وهل للرئيس الراحل أنور السادات دور فى ذلك؟

- سأحكى لك قصة لطالب كنت أشرف على رسالة الدكتوراه الخاصة به، فى أحد الأيام طلبت منه أن نصلى العشاء سويًا، فوجدته مرتبكًا ومتوترًا، وعند الانتهاء من الصلاة قال لى: «كانت لدىّ فكرة مختلفة عنك.. كنت أعتقد أنك شخص لا تصلى»، بحكم أننى من اليسار.. هذا تعبير واضح عن فكرة المظهر، التى تحكم كثيرين، فى الحكم على العديد من الأمور والأشخاص.

أنا شخص لا أهتم بالمظاهر فى كل الأحوال، الأهم من ذلك عندى هو السلوك، وأرى أن اليسار مطالب بالنهوض للتصدى لمثل هذه الأفكار التى تخللت للمجتمع على يد «الإخوان» فى السنوات الماضية، وجعلت «المظهرية» تغلب على الشخصية المصرية. المجتمع المصرى دائمًا ما يميل إلى «المظهرية»، رغم أن الشخص هو الذى يضيف إلى المظهر، وليس العكس كما يعتقد البعض، وللأسف جوهر المجتمع ليس منشغلًا بالسلوك أكثر من انشغاله بالمظهر فى وقتنا الحالى.

وفى الحقيقة المجتمع يعيش حالة من التحدى الوجودى، والتحول الذى حدث فى الشخصية المصرية حصل فى أيام «الانفتاح» خلال فترة السبعينيات، التى تميزت بنزعة الاستهلاك لدى الناس وابتعادهم عن الإنتاج، وهو ما يمكن اعتباره جوهر المجتمع حاليًا، وأسهم بشكل كبير فى سيطرة المظهر على الشخصية المصرية، والتغاضى عن السلوك المنتج والفعال.

الرئيس أنور السادات بشّر بالرخاء، ورسخ فكرة خروج المصريين إلى كل مكان بحثًا عن الرزق والخير، لذا استقر فى أذهان المصريين أن الخير والرخاء سيأتيان من الخارج وليس من الداخل، وهذا السبب الذى دفع الكثير للسفر إلى الخليج، حيث الغنى والثراء.

أتذكر فى فترة السبعينيات هذه، عند ذهابى إلى صلاة الجمعة، لاحظت وجود كثيرين يرتدون «الغترة» و«الدشداشة»، وهذا التحول الثقافى كانت له رمزية عند البعض، وهى أن الرخاء والثراء فى الخليج ناتج عن تدينهم، وهذا أمر غير صحيح، وبالتالى الكثير منهم رأى أنه عند الاهتمام بالطقس الدينى أو التشبه بالمظهر، سيجلب ذلك له الثراء.

■ كيف نتخلص من فكرة «المظهرية» هذه عند الشخصية المصرية؟

- السعى لإحداث تغيير اجتماعى لا بد أن يخضع لما يعرف بـ«الهندسة الاجتماعية»، ففى الشق الاقتصادى مثلًا تعرضنا للخنق بسبب الاهتمام بـ«المظهرية» فى كل ما يخص حياتنا، خاصة فى هذا العصر الملىء بكل التكنولوجيا والرفاهية التى لا داعى لها.

وأرى أنه عند النهوض بالمجتمع لا بد من ترسيخ قيمة «الاستغناء»، وهذه القيمة إذا تُرجمت اقتصاديًا ستكون أفضل من منجم «السكرى» وحقل «ظُهر»، لأنها سترفع معدل الادخار دون مجهود كبير، وبالتالى ستختفى مشكلة العجز والديون والفجوة الاقتصادية الكبيرة الموجودة حاليًا.

لذا أتمنى أن تتبنى الدولة والإعلام والسياسة العامة، وكذلك السردية الدينية، ترسيخ قيمة «الاستغناء» عند الشعب المصرى، من أجل تغيير الشخصية المصرية، التى تعتمد على الاستهلاك والمظاهر بشكل كبير.

■ كيف تفسر العلاقة بين الأزمات الخارجية وتأثيرها على الاقتصاد المصرى خلال السنوات الأخيرة؟

- بالطبع هناك تأثير من الخارج على الاقتصاد المصرى بشكل كبير، بل يمكن أن نقول إن الفترة الحالية هى أكثر الفترات التى تأثر فيها الداخل بالخارج، لكن لكى نفهم العلاقة بين الأمرين يجب أن نفرق بين السبب والمُسبب. الأزمة أن من يديرون لديهم حالة ذهنية بأننا «مفعول به»، لكن يجب أن ننظر إلى أنفسنا على أننا «الفاعل»، ننظر إلى الأوراق التى لدينا، ونستدعى كل منها ونوظفه فى مكانه الصحيح، أن نخلق لأنفسنا مجالًا وهامشًا للفعل، لنبدل الصفر فى الوضع الحالى إلى أرقام، وبالتالى سنكون فى الواقع متفاعلين مع الخارج، بدلًا من أن نتلقى من الخارج ما يجب فعله.

■ ما الذى يعوق تنفيذ فكرة ربط الجنيه المصرى بعملات أخرى غير الدولار الأمريكى؟

- أنا طرحت فكرة ربط الجنيه المصرى بالعملات المختلفة غير الدولار الأمريكى منذ أكثر من ١٠ سنوات، وطرحتها أيضًا فى برنامج الإصلاح الاقتصادى عام ٢٠١٦، وأيضًا خلال المؤتمر الاقتصادى الذى عقد فى أكتوبر ٢٠٢٢.

أرى أن المسألة ليست صعبة ولا مستحيلة أو «لوغاريتمات»، وهناك دول كثيرة نفذتها بالفعل، ويمكننا لتنفيذها التعامل بنفس أسلوب صندوق النقد الدولى فى سياسات السحب، فالصندوق يحسب حساباته كلها ليست من خلال عملة محددة، ولكن بما يعادل مثلًا سلة من ٤ عملات هى: «الدولار الأمريكى والجنيه الإسترلينى واليورو واليوان الصينى».

لكن الأزمة أننا عندما نخفض قيمة الجنيه ترتفع الأسعار فى نفس الوقت، وبالتالى «إللى كسبناه فى الإيد اليمين نتيجة التخفيض، خسرناه فى الشمال نتيجة ارتفاع التكاليف»، لأن هذا الارتفاع يعنى أن تنافسيتك فى التجارة الدولية تقل.

■ وماذا عن التصريحات التى تتحدث عن ضرورة «تعويم الجنيه» لمجابهة التضخم؟

- هذه التصريحات «مستفزة جدًا»، فعلى أى أساس نقول إن «تعويم الجنيه» حتمى؟ أرى أن التصريحات المضادة لـ«التعويم» من أبواب الرحمة، وأتمنى حدوث حالة جدل عام حول هذه المسألة، وتبقى كلمة مَن يدير فى مقابل كلمة مَن لديه رؤية مختلفة، حتى يصل المجتمع ككل إلى المسار الصحيح للتعامل مع هذا الموضوع الخطير جدًا.

وبهذه المناسبة أقول إنه سيكون خطأ شديد الاندفاع وراء دعوات صندوق النقد الدولى وأقرانه، بالنسبة لموضوع الجنيه المصرى لا بد أن نتخذ مجموعة من الإجراءات التى تضمن لعملتنا الوطنية قدرًا من الاستقرار، ويحفظ لها هيبتها ومكانتها.

■ وما الإجراءات التى تضمن استقرار الجنيه وتحفظ له مكانته؟

- من أهم القرارات فكرة «الاستغناء» على مستوى الأفراد والمجتمع ككل، كما قلت قبل قليل، فعلى سبيل المثال، فاتورة الواردات المصرية وصلت إلى حدود ٧٠ مليار دولار، وفقًا لآخر الإحصائيات لعام ٢٠٢٣، مقارنة بنصف هذا الرقم صادرات، وبالتالى الميزان مُختل، ويحتاج منا إلى ترسيخ فكرة «الاستغناء».

هذا التضارب فى الأرقام ما بين صادر ووارد يؤكد أن علاقتنا بالخارج «مفعول به» بنسبة الثلثين، و«فاعل» بنسبة الثلث فقط، لذا لو كان الأمر بيدى وأنا المسئول عن أخذ القرار، سأستخدم حقوقى طبقًا لعضويتى فى منظمة التجارة العالمية، التى تكفل لى تخفيض قيمة الواردات من الخارج.

سيكون هذا بموجب الاتفاقية العالمية للتجارة، التى تنص على أنه إذا «ألمت باقتصاد الدولة العضو ظروف تخلق ضغوطات تشكل خطورة على الوضع العام، فمن حق هذه الدولة اتخاذ التدابير خارج سياق منظمة التجارة العالمية»، وبالتالى يمكننا أن نستخدم ذلك فى فرض حظر على الواردات أو الصادرات من بنود معينة لفترة محددة. 

■ اشرح لنا.. كيف يمكن تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع؟

- يمكن تنفيذ ذلك باللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، عن طريق تقديم الملف الخاص بالدولة العضو، ولأن مصر دولة عضو فى المنظمة، يمكن أن نقدم ملفًا عن حجم الضغوطات التى تعرضنا لها خلال الفترة الأخيرة، ومنها الضغوطات بسبب الحرب الأوكرانية- الروسية، والضغوطات بسبب السياسة النقدية فى الولايات المتحدة، نتيجة رفع الفيدرالى الفائدة أكثر من مرة خلال فترة قصيرة، إلى جانب الضغوطات بسبب الحرب فى غزة، وما يحدث فى مضيق «باب المندب»، وكلها أزمات وضغوطات تخنقنا، وتجعل الوضع الحالى يشكل خطورة على المجتمع ككل، وليس فى الجانب الاقتصادى فقط.

■ مَن الجهة المسئولة التى يمكنها مخاطبة منظمة التجارة العالمية وتقديم هذ الملف أو هذه الشكوى؟

- المسئول عن تقديم الملف هو وزير التجارة والصناعة، لأنه بحكم منصبه هو مُحافظ جمهورية مصر العربية فى مجلس منظمة التجارة العالمية، ودوره هو تقديم الملف وكل الطلبات الأخرى للمنظمة، وأن يتحاور مع الدول الأعضاء للوقوف على الحلول، ومناقشة المقترحات بشكل جدى.

وعلى فكرة، لو أخذنا هذه الأزمة على مقياس ١٠٠٪، سنجد أن ربما ٣٠٪ لديهم احتياج مادى للأكل والشرب والملبس، و٧٠٪ حالة مزاجية نفسية لرفاهيات، وبالتالى هنا يكون المدخل، والجميع يحتاج لعلاج نفسى لهذه الحالة بامتياز.

عندما كنت وزيرًا للتضامن والعدالة الاجتماعية، لمدة ١٠ أشهر، كان من الهيئات التابعة لنا المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، الذى تم إنشاؤه فى الخمسينيات من القرن العشرين، لإدراك «الهندسة الاجتماعية».

مثلًا عندما تُدخل الكهرباء فى الريف، يمكن أن تعود وتشتكى من أن القرية لم تعد منتجة، لأنك عندما تُدخل الكهرباء ومعها التليفزيون، الفلاح بدل ما يصلى العشاء وينام، سيسهر إلى الفجر، وفى النهاية الترجمة الاقتصادية المباشرة لذلك أنه بدل ما كان الفلاح يكد ويكدح فى الحقل حتى يستريح بعدها، ويستمر فى ذلك يومًا بعد يوم، فتحت عينه على نافذة عريضة وواسعة على اهتمامات أخرى، وهنا يأتى دور المركز فى دراسة الآثار الاجتماعية لأى قرار.

بالتالى نقول إنه تم الإضرار بـ«الهندسة الاجتماعية» فى مصر، ولم نأخذ فى الاعتبار من خلالها أن الإنسان لديه طاقة محدودة، عنده ٢٤ ساعة فى اليوم، و«الموازنة الوقتية» الخاصة به تتضمن ساعات للعمل وأخرى للراحة والاستجمام، فإذا أردت أن تكون مجتمعًا ناهضًا «فاعلًا» وليس «مفعولًا به»، لا بد أن توازن هذه المعادلة، والتى إذا اختلت سينتهى بك الأمر «مفعولًا به».

■ منذ بداية الأحداث فى غزة وأنت لا تخرج إلا بـ«الكوفية» الفلسطينية، وكأنها رسالة للجميع.. هذه الأحداث غير مسبوقة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.. كيف ترى المصريين فى تعاملهم معها؟

- واجهت ردود أفعال متباينة بين مؤيد ومعارض، المؤيد موقفه واضح فى التضامن مع المستضعفين فى المجمل، المستضعفين العرب والفلسطينيين، وأما من وجد غضاضة فى موقفى فانطلق من أن «غزة إحدى أذرع جماعة الإخوان التى انتصرت عليها مصر»، وكان ردى على هؤلاء أن ما يحدث فى فلسطين مقاومة ضد محتل، مقاومة تسعى إلى اقتلاع محتل من أرضها المحتلة، ونحن لدينا فى تراثنا المصرى عبارة «عواد باع أرضه»، فبيع الأرض لدينا بمثابة «اقتلاع».

استدعاء الدين فى هذه القضية خاطئ، ويعتبر رقصًا على إيقاع الصهاينة، الذين يطرحون قضية الدين ليعطيهم مشروعية فى الأساس ليخفوا كون الصهيونية مشروعًا سياسيًا استعماريًا، كما أن فلسطين لها بُعد استراتيجى بالنسبة لمصر.

فلسطين هى خط الدفاع الأول عن مصر، غزة تحديدًا، باعتبارها خط تماس مع مصر، أكثر من الضفة الغربية، ولو رجعت إلى التاريخ المصرى ستجده مليئًا بمواقف مشرفة تدخل فى إطار هذا البُعد، من أيام «العِظام» تحتمس الثانى ورمسيس اللذين خرجا لخوض معارك للدفاع عن مصر، فى هضبة الأناضول وفى شمال سوريا، وصولًا إلى السلطان قنصوه الغورى الذى خرج ليحارب العثمانيين. من المهم جدًا لمصر أن تبقى فلسطين صامدة فى مواجهة المخطط الاستيطانى الصهيونى الغربى، لأنه إذا سقطت فلسطين فإن الدور سيكون على مصر، كما أنه من أضعف الإيمان أن تنصر المهزوم، هذا واجب إنسانى.

■ لديك تجربة فى الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس السيسى.. كيف كنت ترى الحالة العامة قبل هذا الحوار؟ وهل تغيرت بعده؟

- إلى حد ما قد يختلف بالنسبة للبعض، فهذه مسألة تخضع للمناقشة والتقدير، وهذا طبيعى بالنظر إلى تعدد الأطراف الداخلة فى العملية. وبالنسبة لى كانت لدىّ توقعات أعلى للحوار الوطنى، فيما بدأ وانتهى وخرج عنه من توصيات، وهو لم ينته بعد، فهناك اتجاه لإعادة هيكلته واستكماله.

هذا الموضوع لا يخلو من تعقيدات، ولو أخذت «المحور الاقتصادى»، ستجد أن آخر قرار هو وثيقة «التوجيهات الاستراتيجية الاقتصادية»، التى أعدها ٤٠٠ خبير، ومثل هذه الوثائق ينبغى أن يتم التعامل معها بأقصى درجة من الحذر والحيطة، لأنك تريد أن تتأكد من الرسائل التى ستخرج عنها، لكى تكون هى الرسائل المناسبة فى الوقت المناسب للظرف المناسب.

مضمون هذه الوثيقة يتحدث عن مرونة أكثر فى سعر الصرف، وبالمناسبة فى سنة ٢٠٢٢ خفضنا سعر الصرف بالنسبة للجنيه ٤ مرات فى سنة واحدة، أليست هذه مرونة؟ خفضت ولم يتحسن وضعك الاقتصادى أمام الخارج، وما زلت مستوردًا بدرجة أكبر منك كمصدر، وأطلقت موجة غلاء كبيرة جدًا.

لم تعالج العيب الأساسى، فأنا أرى أن المشكلة ليست فى سعر الصرف وإنما فى نظام الصرف، وهناك فارق كبير، سعر الصرف هو نسبة مبادلة الجنيه بالدولار أو اليورو خارج مصر، أما الأهم فهو الطريقة التى يتحدد بها سعر الصرف، والتى يطلق عليها الاقتصاديون سياسة أو نظام الصرف، وهذا لم يُعالج، لأن ربط الجنيه بالدولار «خطأ فاحش»، كأنك «متشعبط فى العربية الغلط»، خاصة أن الولايات المتحدة ليست أهم شريك بالنسبة لمصر، لذا لا بد من اتساع «البرجل» وربط الجنيه بعدة عملات أخرى.

■ هل الارتباط العاطفى للمصريين بالقضية الفلسطينية أكثر من شعوب أخرى؟

- بالتأكيد، وهذا نتيجة الجوار الجغرافى، لأن رفح خط تماس بين فلسطين ومصر، وغزة فى وقت من الأوقات كانت تحت الإدارة المصرية، وهناك دم وأنساب اختلطت بين الجانبين، وبالتالى بين البلدين وشاج تخطى حدود الإنسانية، وصولًا إلى مرحلة الدم.

وعندما ترى التراث الثقافى فى شبه جزيرة سيناء ستجده ينتمى إلى فلسطين أكثر من انتمائه لوادى النيل، يمكنك أن ترى هذا بوضوح فى الزى القريب جدًا لما يرتديه الفلسطينيون، وعندما نرجع إلى حرب ١٩٤٨، سنجد أن لمصر شهداء سقطوا من أجل القضية الفلسطينية وللدفاع عنها، وأعتقد أن ما حدث فى ١٩٤٨ كان الشرارة التى فجّرت ما حدث فى ١٩٥٢ وما تلاها.