رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تبرير الحماقات هو أكبر حماقة

الجشع، الغرور، الخوف، ثلاث حماقات أزلية تحاصر النفس البشرية، في كل زمان ومكان.. تتملكها، تستنزف قواها، تحول بينها وبين تحقيق السعادة، والرقي المعنوي، والنبل الإنساني.
من هذه الحماقات الثلاث تتولد كل أنواع وأشكال الانحطاط الأخلاقى، الكذب، الغش، التضليل، التدليس، التزوير، الغدر، النفاق، الجحود، الخيانة، الحقد، الانتهازية، التعصب، الخواء الداخلى، وبذاءات القول، والفعل، الصيد فى الماء العكر، السمنة المفرطة فى طاعة أصحاب الفلوس والجبروت، الاسترزاق من بيع المبادئ، وبيع الأوطان، وبيع الكرامة، 
التسابق لإلحاق الأذى المعنوى والجسدى بالآخرين، نساء ورجالا، الذين يدركون حكمة الحياة، ولا يعرفون هذه الرذائل الثلاث الأزلية، الجشع، الغرور، الخوف.

"الجشع" هو عدم قناعة الإنسان بما تقدمه الحياة من خيرات، وفرص للنمو، والتحقق، ربما تفوق بكثير جدا مؤهلاته المحدودة.

"الجشع" أن يطلب الإنسان المزيد من كل الأشياء، في كل الأوقات، وإن تحققت على "جثث" الآخرين. الإنسان "الجشع"، يعجز عن تحقيق راحة البال، والسكينة، والاستمتاع بما لديه، حيث يؤرقه دائما امتلاك ما يملكه الآخرون. 
يأكل الإنسان "الجشع" وعيناه على طبق الغير.. ويتمنى أن تزول نعم الآخري، لينعم بها هو، وتزيد من أرصدته. 

أما "الغرور" فالحديث عنه حقا يثير الشجون. فالأمر لا يحتاج للكثير من الفطنة، والذكاء، لكي يدرك الإنسان أنه "ريشة" في مهب الريح، ولادته، وحياته، وموته، محاصرة بـ"العبث"، وأنه مجرد "عابر سبيل"، أو "ضيف" مؤقت، على خريطة الوجود. تبقى الحياة وهو يفنى. تستمر الحياة، وهو ينتهى. تتجدد الحياة، وهو إلى العدم، مسافر بلا عودة.  أحزانه، أفراحه، أحلامه، إنجازاته، آلامه، كلها، لا تحرك ساكنا في الكون، وتنظر لها الحياة  نظرة لا مبالية، ساخرة. وعمر الإنسان مهما طال لا يمثل إلا ثواني معدودات، قياسا إلى عمر الأرض، والكون، والحياة. أو حتى قياسا إلى عمر الحذاء المتهالك الذى يدوس به على التراب. التراب الذى يعتقد الإنسان بالغرور، والحماقة الموروثة، أنه أنظف منه. مع أن الأيام تثبت كل يوم أن التراب أنظف، وأرقى، وأكثر تحضرا وكرما.
هذه الحقائق، التي يستيقظ عليها الإنسان كل يوم، كان لا بد أن تشعره بالتواضع الشديد، وإدراك موقعه الحقيقي أمام حقيقة الكون. 

ثم نجئ إلى "الخوف".. يخاف الإنسان أن يكون نفسه، ويخاف كلام الناس، ويخاف قول الحق، ويخاف الاعتراف بأخطائه، ويخاف الوحدة، ويخاف المجهول، ويخاف الموت، ويخاف المرض.   
يطلق البشر على "الخوف" أسماءً كثيرة، متنوعة، تبرر، وتقنن، وتشرع لهم هذا الموقف، مثل "تعقل"،  أو "حكمة التأني"، أو "مراعاة الظروف"، أو "بُعد نظر" أو "فن تجنب الأعداء". 
لو استأصلنا هذه الحماقات من حياتنا سوف يتغير وجه الحياة، وسوف نحقق السعادة والسكينة والتصالح مع أنفسنا، ومع العالم. وهذه من أساسيات الصحة النفسية.
 

من بستان قصائدى 
--------------------
الخوف والحب 
مشروبان لا يمتزجان 
إما أن تموت ارتواء 
أو تموت من الظمأ 
فى الحب 
لا تستطيع أن تمسك العصا من المنتصف 
ستخسر دائما المعرك والحب هو المنتصر
لن تكون كالسكين الملساء 
تلمع فى يديك ولا تذبح 
أنت رجل محب وعاشق 
إذن فأنت خنجر نافذ 
يذبحك من الوريد إلى الوريد 
وبزهو وفرح يشرب الدماء 
العاشق لا يقف على الشاطئ 
يكتب الأشعار عن سحر الأشياء 
لكنه البحر الهائج وغضب الأمواج 
الهارب أبدا من عواطف الأزواج 
لا يعترف بالحدود والخطوط الحمراء 
جامح.. متطرف.. هوائى حاد المزاج 
الحب لم يكن أرضا ممهدة 
تغرد فوقها الطيور  
ومفروشة بالورود 
كان السير فوق أرض ملغمة 
تفصلها الأسلاك الشائكة 
والخرابات والسدود 
الخوف والحب 
كالزيت والماء 
متنافران متخاصمان 
كألد الأعداء 
هناك منْ يختار العداء السهل 
الذى يسبب الخراب والجدب والدمار 
وهناك منْ يختار العداء الخطر
لكنه المانع ضد 
الانتحار.