رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإنذار الأخير قبل اندلاع الجحيم

جرس إنذار، يحاول يوسى كوهين، ‏الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلى، أن يدقه فى آذان قادة إسرائيل والإسرائيليين عمومًا، قبل فوات الأوان.. يقول، فى مقال نشرته ‏صحيفة «هآرتس» العبرية، إن «التهور المسعور لنتنياهو، رئيس الوزراء، وبينى جانتس، الوزير فى الحكومة الإسرائيلية، «قد حولنا، فى نظر العالم، من ضحية إلى مجرمى حرب، ومن أصحاب حق إلى قتلة الأطفال، وهو، فى تقديرى، تمامًا ما كانت تحلم به حماس، ومحور الشر من خلفها.. ‏اليوم، وبعد ثمانين يومًا من الأخطاء والتقديرات غير المدروسة، تجد دولة إسرائيل لأول مرة منذ عام 1948ـ فى صراع الوجود واللا وجود.. ‏نعم يا بنى وطني.. اللاوجود.. ‏أنا سأكون أول من يعلق الجرس، وليسمعنى اليوم جميع بنى وطني: إذا استمر هذا الفريق فى قيادتنا، فنحن عائدون إلى بولندا وروسيا وبريطانيا وأمريكا، ذلك إذا سمحوا لنا بالعودة.. ‏إن عملية الاغتيال الأخيرة فى عاصمة حزب الله، يقصد اغتيال القيادى الحمساوى صالح العارورى كانت آخر مغامرة يائسة لبيبى، ولن تكون الأخيرة.. ‏إنه يغرق ويأخذنا معه إلى الهلاك.. ‏لا يزال بيبى يراهن على جر أمريكا إلى هذه المعركة، وهذا رهانه الأخير.. ‏الأمريكيون لن يأتوا.. اسمعونى جيدًا: الأمريكيون لن يأتوا.. وإذا، أو بالأحرى حين نصحوا قريبًا على خبر أن قوات الرضوان قوات حزب الله قد أصبحت على أبواب عكا، أعرفوا جيدًا أننا جميعًا عائدون إلى دول الشتات، من حيث أتينا». 
إذا كان هذا رأى من الداخل الإسرائيلى، فإن تقييما استخباراتيا أمريكيا وجد أنه سيكون من الصعب على إسرائيل النجاح فى حرب ضد حزب الله، وسط القتال المستمر فى غزة.. وفقا لما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست».. التى قالت إن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، أرسل كبار مساعديه إلى الشرق الأوسط «بهدف حاسم: منع اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية، بعدما أوضحت إسرائيل أنها ترى، أنه لا يمكن الدفاع عن تبادل إطلاق النار المنتظم بين قواتها وحزب الله على طول الحدود، وأنها قد تشن قريبًا عملية عسكرية كبيرة فى لبنان، وهو ما أكده وزير الدفاع الإسرائيلى، يوآف جالانت، بقوله «نحن نفضل طريق تسوية دبلوماسية متفق عليها، لكننا نقترب من النقطة التى ستنقلب فيها الساعة الرملية».
المسئولون الأمريكيون قلقون من أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، قد يرى فى القتال الموسع فى لبنان، مفتاحًا لبقائه السياسى، وسط انتقادات داخلية لفشل حكومته فى منع هجوم حماس فى السابع من أكتوبر الماضى.. وفى فى محادثات خاصة، حذرت الإدارة الأمريكية إسرائيل من تصعيد كبير فى لبنان، لأن تقييمًا سريًا من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية «DIA» وجد أنه سيكون من الصعب على الجيش الإسرائيلى، إذا فعلت ذلك، أن ينجح، لأن أصوله وموارده العسكرية ستكون منتشرة بشكل ضئيل للغاية على الحدود مع لبنان، نظرًا للصراع فى غزة.. فى نفس الوقت، يريد حزب الله، الذى لديه مقاتلون مدربون تدريبًا جيدًا، وعشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف، تجنب تصعيد كبير، لأن زعيم الجماعة، السيد حسن نصر الله، يسعى إلى الابتعاد عن حرب أوسع، وقد تعهد فى خطاب ألقاه يوم الجمعة الماضى، بالرد على العدوان الإسرائيلى، بينما ألمح إلى أنه قد يكون منفتحًا على المفاوضات بشأن ترسيم الحدود مع إسرائيل.
«ليس من مصلحة أحد لا إسرائيل، لا المنطقة، ولا العالم أن ينتشر هذا الصراع خارج غزة»، قال مات ميلر، المتحدث باسم وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن.. لكن هذا الرأى لا يتم تبنيه بشكل موحد داخل الحكومة الإسرائيلية.. ومنذ هجوم حماس فى أكتوبر، ناقش مسئولون إسرائيليون شن هجوم وقائى على حزب الله.. وقد واجه هذا الاحتمال معارضة أمريكية مستمرة، بسبب احتمال أن ذلك يجر إيران، التى تدعم كلتا المجموعتين، والقوات الأخرى بالوكالة إلى الصراع، وهو احتمال قد يُجبر الولايات المتحدة على الرد عسكريًا نيابة عن إسرائيل.. ويخشى المسئولون الأمريكيون من أن يتجاوز الصراع الشامل بين إسرائيل ولبنان، إراقة الدماء فى الحرب الإسرائيلية اللبنانية عام 2006، بسبب ترسانة حزب الله الأكبر بكثير من الأسلحة بعيدة المدى والدقيقة، ومن المحتمل أن يصل عدد الضحايا فى لبنان إلى ما بين ثلاثمائة ألف ووخمسمائة ألف، وينطوى على إخلاء جماعى لكل شمال إسرائيل، كما قال بلال صعب، الخبير فى الشئون اللبنانية فى معهد الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث فى واشنطن.. وقد يضرب حزب الله إسرائيل بشكل أعمق من ذى قبل، ويضرب أهدافًا حساسة، مثل مصانع البتروكيماويات والمفاعلات النووية، وقد تقوم إيران بتنشيط الميليشيات فى جميع أنحاء المنطقة، «لا أعتقد أن الأمر سيقتصر على هذين الخصمين».
ويستمر خطر نشوب صراع أوسع نطاقًا فى النمو، حيث أطلق حزب الله حوالى اثنن وستين صاروخًا على إسرائيل، ردًا على اغتيال صالح العارورى وستة آخرين، فى غارة جوية فى ضواحى بيروت.. وفى الأسابيع الأخيرة، أصبحت عمليات إطلاق النار المنتظمة بين إسرائيل وحزب الله على طول الحدود أكثر عدوانية، مما أثار توبيخًا خاصًا من واشنطن، حسبما قال مسئولون أمريكيون، إذ كان المسئولون الإسرائيليون مقتنعين فى البداية، بأن حزب الله كان وراء توغل حماس، وتلقوا معلومات استخباراتية مغلوطة، بأن هجومًا لحزب الله كان وشيكًا فى الأيام التى تلت السابع من أكتوبر.. كانت هناك مخاوف عميقة فى إسرائيل، من أن الحكومة ستفوت علامات هجوم عنيف آخر.. وكان بايدن على الهاتف ثلاث مرات فى اليوم مع نتنياهو، يعمل فى جزء منها على ثنى إسرائيل عن مهاجمة حزب الله، وهى خطوة كانت ستؤدى إلى «انفجار كل الجحيم»، وقد أثرت مخاوف الإسرائيليين العميقة بشأن التهديدات المتوقعة من حزب الله، على قرار بايدن بالسفر إلى تل أبيب، بعد أقل من أسبوعين من هجوم حماس.
إن خطر قيام إسرائيل بشن هجوم طموح على حزب الله لم يتغير أبدًا، ولكن كان هناك قلق أوسع بشأن التصعيد فى الأسابيع الأخيرة، خصوصًا أن إسرائيل أعلنت الانسحاب المؤقت لعدة آلاف من القوات من غزة أول يناير، وهو قرار يمكن أن يتيح الإمكانيات لعملية عسكرية فى الشمال، كما أوضحت «واشنطن بوست».. القوات التى سحبتها إسرائيل من غزة يمكن نشرها فى الشمال، بعد وقتٍ كافٍ للراحة والاستعداد لموجة أخرى من القتال.. لكن سلاح الجو الإسرائيلى يعمل فوق طاقته أيضًا، حيث شن ضربات مستمرة منذ بدء الحرب فى أكتوبر، وكما أوضح تقييم وكالة استخبارات الدفاع، فإن التصعيد فى لبنان من شأنه أن يضعف القوات الإسرائيلية.. الطيارون متعبون، ويجب صيانة الطائرات وتجديدها.. وسيواجه الجنود مهام أكثر خطورة فى لبنان مقارنة بغزة، حيث لا تملك حماس سوى القليل من الدفاعات المضادة للطائرات لإسقاط الطائرات المهاجمة من المروحيات فقط.
يوم الخميس الماضى، أرسل بايدن المبعوث الخاص، عاموس هوكستين، إلى إسرائيل، للاتفاق على الحد من التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.. والهدف على المدى القريب، هو وضع عملية لبدء التفاوض على اتفاق لترسيم الحدود البرية، يمكن أن يحدد أين وكيف ينشر الجانبان القوات على طول الحدود بينهما، فى محاولة لتحقيق استقرار الوضع.. ويجرى مسئولون أمريكيون وفرنسيون مناقشات مع الحكومة اللبنانية، حول اقتراح من شأنه أن يجعل الحكومة اللبنانية تسيطر على جزء من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بدلًا من حزب الله، للمساعدة فى تهدئة مخاوف تل أبيب.. «نواصل استكشاف واستنفاد جميع الخيارات الدبلوماسية مع شركائنا الإسرائيليين واللبنانيين»، قال مسئول فى مجلس الأمن القومى الأمريكي، الذى أضاف أن «إعادة المواطنين الإسرائيليين واللبنانيين إلى منازلهم والعيش فى سلام وأمن، له أهمية قصوى للولايات المتحدة».. ويقر مسئولون أمريكيون بأنه من غير المرجح أن يوافق حزب الله على اتفاق حدودي، بينما يقتل أو يصاب عشرات الفلسطينيين فى غزة، نتيجة للحملة العسكرية الإسرائيلية هناك.
داخل الإدارة الأمريكية، هناك تصورات مختلفة حول مصلحة نتنياهو فى التوصل إلى حل تفاوضى للصراع مع حزب الله، فإذا انتهت حرب غزة غدًا، فإن مسيرة نتنياهو السياسية ستنتهى معها، مما يحفزه على توسيع الصراع.. «المنطق السياسى لنتنياهو هو الانتعاش بعد الفشل التاريخى فى السابع من أكتوبر، وتحقيق نوع من النجاح لإظهاره للجمهور الإسرائيلى»، ولسنا متأكدين من أن ملاحقة حزب الله، هى الطريقة الصحيحة للقيام بذلك، لأن تلك الحملة ستكون أكثر تحديًا بكثير من تلك الموجودة فى غزة.
وهنا نعود إلى جرس إنذار يوسى كوهين، من أنه «لا أحد فى قيادة الجيش، ولا فى قيادة الأجهزة الأمنية، لديه البأس الكافى ليطلعكم على مدى هشاشة موقفنا على الجبهات. الوقت لم يمض على تدارك الموقف، فلا يزال أصدقاؤنا معنا، ولكن على القيادة السياسية أن تضع مصلحة الشعب اليهودى قبل مصالحها، وأن تأخذ فورًا قرارات صعبة ومريرة، تبدأ بالوقف الفورى للحرب، وإعادة أبنائنا الأسرى إلى عائلاتهم، وحتى على حساب إفراغ السجون، والدعوة إلى انتخابات سريعة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تستطيع العمل على أخذ العبر والدروس مما حصل، وإعادة بناء جيش جديد.. بفكر جديد، وإعادة اللُحمة الداخلية.. ‏على القيادة السياسية أن تتحمل الثمن اليوم، وإلا سوف يتحمل جميع بنى إسرائيل الثمن، ولن يبقى من حلم الدولة اليهودية إلا أحاديث الذكريات.. ونحن نحتسى القهوة على قارعة الطريق فى أوروبا».
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.