رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يُطفئ (حارس الازدهار) النار في البحر الأحمر؟

أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات، لحماية التجارة في البحر الأحمر في أعقاب هجمات الحوثيين على السفن التجارية، من وإلى إسرائيل.. وقال إن الدول المشاركة في القوة ستنفذ دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، لأن (التصعيد الأخير في هجمات الحوثيين المتهورة القادمة من اليمن، يهدد التدفق الحر للتجارة، ويعرض البحارة الأبرياء للخطر، وينتهك القانون الدولي، باعتبار البحر الأحمر ممرًا مائيًا بالغ الأهمية، ضروريًا لحرية الملاحة وممرًا تجاريًا رئيسيًا، يُسهِّل التجارة الدولية، ويجب على البلدان التي تسعى إلى دعم حرية الملاحة، أن تجتمع معًا لمواجهة التحدي الذي يشكله هذا الفاعل غير الحكومي، الذي يُطلق الصواريخ الباليستية والمُسيرات على السفن التجارية، من العديد من الدول التي تعبر المياه الدولية بشكل قانوني).. ووصف ما يحدث من الحوثي بأنه تحدٍ دولي، يتطلب عملًا جماعيًا.. ولذلك تم الإعلان عن إنشاء قوة (حارس الازدهار)، مبادرة أمنية جديدة ومهمة متعددة الجنسيات، تحت مظلة القوات البحرية المشتركة، وقيادة (فرقة العمل 153) التابعة لها، والتي تركز على الأمن في البحر الأحمر.. وتجمع العملية عدة دول، تشمل المملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، للتصدي بشكل مشترك للتحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، بهدف ضمان حرية الملاحة لجميع الدول وتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين.
إلا أن محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي اليمنية، قال في تصريحات صحفية، إنه بوسعهم مواجهة أي تحالف تشكله الولايات المتحدة في البحر الأحمر.، (الأمريكيون عرضوا عدم إعاقة جهود التوصل للسلام في اليمن، مقابل وقف عملياتنا العسكرية بالبحر الأحمر، ورفضنا ذلك بشكل قاطع، ورفضنا أي تهديدات)، مشيرًا إلى أن هناك اتصالات غير مباشرة مع دول، منها أمريكا، لوقف عملياتنا في البحر الأحمر، ولكنه قال في تدوينة سابقة، أنه (على أمريكا أن تسعى لوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة، بدلًا من إنشاء تحالف دولي لحماية مرتكبيها).. وهددت بأنهم لن يترددوا في استهداف أي سفينة تخالف ما ورد في بياناتهم السابقة.
وكنتيجة لهجمات الحوثي على السفن المارة عبر مضيق باب المندب، والمتجهة إلى إسرائيل، فإن خمسة وخمسين سفينة غيَّرت طريقها باتجاه رأس الرجاء الصالح، كما  قال الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، منذ التاسع عشر من نوفمبر وحتى اليوم، دون أن يذكر أن ثلاثة وثلاثين سفينة تجارية عبرت قناة السويس، بديلًا عن مرورها في قناة بنما التي جفَّ ماؤها، كتعويض نسبي لموارد مصر من القناة.. إلا أنه أفاد بأن حركة الملاحة بالقناة منتظمة، وأن الهيئة تتابع عن كثب التوترات الجارية في البحر الأحمر، وتدرس مدى تأثيرها على حركة الملاحة بالقناة، في ظل إعلان بعض الخطوط الملاحية عن تحويل رحلاتها بشكل مؤقت إلى طريق رأس الرجاءالصالح، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بعبور 2128 سفينة خلال الفترة التي أشرنا إليها سابقًا.. وشدد رئيس الهيئة على أن قناة السويس ستظل الطريق الأسرع والأقصر، حيث تصل معدلات الوفر للرحلات المتجهة عبر قناة السويس بين قارة آسيا وأوروبا من تسعة أيام إلى أسبوعين، وفقًا لمينائي القيام والوصول.
وقد كشف مسئول دفاعي أمريكي لموقع (بوليتكو)، أنه في الوقت الذي  وافقت  فيه دولًا عدة على المشاركة في القوة متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر في أعقاب هجمات الحوثيين، فإن عدة دول أخرى وافقت على المشاركة في العملية، لكنها فضلت عدم الكشف عن اسمها علنًا.. فهل تشارك مصر في ضرب الحوثيين سرًا؟.
تشارك مصر بالفعل في (القوة 153)، وهناك بعض دول أوروبية وأخرى من المنطقة مشاركة في نفس القوة، و(حارس الازدهار) هو تطوير لهذه القوة، إلا أن مصر والسعودية لم يعلنان انضمامهما إليها، لأن ثمة أهداف، تؤمن بها القاهرة، وهي ضرورة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنع الحصار الإسرائيلي عليه، وتسريع وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية إلى أهله المنكوبين.. والولايات المتحدة الأمريكية، التي تدعم إسرائيل، لا تهدف إلى توسيع نطاق المعركة، وبالتالي لم تستهدف الحوثيين إلى الآن، ولكنها تقوم بأعمال دفاعية، ضد الصواريخ التي يطلقها الحوثي، وإسقاط الطائرات المسيرة عن طريق الفرقاطات والمدمرات الأمريكية والبريطانية الموجودة في البحر.
حققت مصر رقمًا قياسيًا في إيراداتها من قناة السويس، بلغ 9.4 مليار دولار، من السفن التي عبرت، إما من أو إلى البحر الأحمر العام الماضي، وهو ما يمثل حوالي 2% من ناتجها المحلي الإجمالي، ويعمل كمصدر مهم للنقد الأجنبي. ويمر نحو 12% من التجارة العالمية عبر القناة بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وخصوصًا سفن الحاويات.. وكان رد الفعل الرسمي الوحيد من مصر، بيان صدر عن هيئة قناة السويس، قالت فيه إنها (تراقب الوضع).. ويقع ميناء جدة، الذي يتعامل مع الجزء الأكبر من حركة المرور التجارية في المملكة العربية السعودية، على البحر الأحمر، والساحل بأكمله هو محور رئيسي لجهود التنويع الاقتصادي التي يدفعها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان.. لكن علاقة المملكة العربية السعودية مع الحوثيين كانت معقدة، حتى قبل الحرب في غزة.. وبعد سنوات من خسارة الحرب فعليًا مع الميليشيا، يتوق السعوديون إلى محاولة إبرام اتفاق سلام وعدم الدخول في مواجهة جديدة.. وقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إلى نظيره السعودي، الأمير فيصل بن فرحان.. كان ملخص المكالمة من قبل كل جانب مختلفًا بشكل ملحوظ.. أشارت النسخة الأمريكية إلى أن بلينكن حث على التعاون في مجال الأمن البحري لمواجهة الحوثيين، وقالت النسخة السعودية إن النقطة الرئيسية للمكالمة هي التطورات في غزة.
حتى عمَّان، رفضت أن تتوسط بين المجتمع الدولي والحوثيين، بالضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم على سفن الشحن التجاري في باب المندب والبحرين الأحمر والعربي، مؤكدة إن وقف إطلاق النار في غزة يجب أن يأتي أولًا.. وكانت العديد من الدول قلقة، من أن حرب غزة قد تُشعل المنطقة. لكن هناك المزيد من الدول التي قد تدعم فريق العمل الذي يضم حتى الآن بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا، والبحرين، التي تستضيف قاعدة بحرية أمريكية، وأبرمت مؤخرًا اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة.
المُعضلة الكبرى، أن العديد من الدول العربية تعتمد بشكل كبير على التجارة التي تتدفق عبر البحر الأحمر، من قناة السويس في الشمال إلى مضيق باب المندب الذي يتاخمه اليمن في الجنوب.. ولكن مع تصريحات الولايات المتحدة المتكررة والصريحة عن دعمها للحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، التي تثير الغضب بين الرأي العام العربي، لا يبدو أن أي دولة في المنطقة تريد أن ترتبط بالولايات المتحدة في مغامرة عسكرية، (إنها لحظة غير مريحة ومحرجة لمعظم الدول العربية)، قالت الدكتورة سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في (تشاتام هاوس)، مركز أبحاث الشئون الدولية في لندن.. إنهم لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم يؤيدون تدمير إسرائيل لغزة وتكتيكاتها الوحشية بأي شكل من الأشكال.
كانت إيران ـ وهي الداعم الرئيسي للحوثيين ـ أكثر المنتقدين صراحة للخطوة الأمريكية في البحر الأحمر، بينما تحاول أيضًا السير على خيط رفيع.. انتقدت أي انضمام للائتلاف، باعتباره (مشاركة مباشرة في جرائم الكيان الصهيوني)، وفي الوقت نفسه، سعت إلى التقليل من شأن أي دور مباشر في الهجمات الصاروخية أو الطائرات بدون طيار، التي نُفذت ضد إسرائيل أو الشحن في البحر الأحمر، مُدعية أن الحوثيين كانوا يتصرفون من تلقاء أنفسهم.. والهدف هو تجنب إثارة غضب الولايات المتحدة المباشر.
في الأشهر الأخيرة، سعت إيران إلى استعراض عضلاتها، مشيرة إلى أن الحوثيين شكلوا نقطة واحدة مما يسمى (محور المقاومة)، وهو المصطلح الذي يجمع مختلف حلفاءها في العالم العربي، مثل حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والحشد الشعبي في العراق، وكذلك ميليشياتها في سوريا.. إذ في الأسبوع الماضي، وقبل الإعلان عن قوة (حارس الازدهار)، قال وزير الدفاع الإيراني، محمد رضا آشتياني، (البحر الأحمر هو منطقتنا، ونحن نسيطر عليه، ولا يمكن لأحد المناورة فيه).
الحقيقة الأكيدة في هذا كله، هي أن تعطيل طرق التجارة الغربية يتوافق مع الرغبة الإيرانية، وأي شيء يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط يزيد فقط من إيراداتها.. ومع ذلك، سعت إلى تجنب تصعيد الصراع في غزة إلى حرب إقليمية.. وحاول نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كاني، مؤخرًا، إبعاد طهران عن حلفائها الحوثيين، قائلًا في مؤتمر صحفي في طوكيو يوم الاثنين الماضي، إن الجماعة تتصرف بشكل مستقل عندما يتعلق الأمر بعملياتها ضد السفن، ووصف الحوثيين بأنهم (لاعب مستقل في المشهد الدولي).
■■ لكن..
في الوقت الذي يعلنون فيه أنهم يحاربون إسرائيل، ويدعمون المقاومة في غزة، فإنهم يحاربون مصر في أهم مورد للدخل الدولاري السنوي لميزانيتها، والذي يقارب عشرة مليارات دولار.. إنها الحرب غير المبائرة من أجل إضعاف اقتصادها، وخلخلة قواها، وتهديد أمنها القومي في باب المندب، لعل ما لم يتم تنفيذه بالقوة العسكرية يتحقق بغيرها.. ولكنا منتبهون، ومصر قادرة على مواجهة ذلك، في الوقت المناسب.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.