رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحزم والندية.. عنوان السياسة الخارجية المصرية

قال القيادي في حماس، أسامة حمدان، إن سيناء ستكون قاعدة مقاومة أكثر رسوخًا تجاه الاحتلال، إذا ما ظن هذا الاحتلال أن تهجير الفلسطينيين إليها حل، وأن أي محاولة لدفع الفلسطينيين خارج الحدود، لا تعني أن القضية ستنتهي.

ولكنهم سيثبتون حيث هم ويستمرون في المقاومة.. الحل ليس بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ولكن فى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لأن ما يحدث اليوم فى غزة يدلل على أن الخطر على المنطقة واستقرارها هو الكيان الصهيوني.. وهذا ليس بجديد، فقد حذر الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى أكتوبر الماضى، خلال مؤتمره الصحفى مع المستشار الألماني، أولاف شولتس، من استمرار العمليات العسكرية فى قطاع غزة، وبأنها ستكون لها تداعيات أمنية وعسكرية يمكن أن تخرج عن السيطرة.

مؤكدًا أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء يعني نقل القتال إليها وستكون قاعدة لضرب إسرائيل، لتتحول المواجهة حينها إلى مواجهة مباشرة مع مصر.
أيضًا، أدانت وزارة الخارجية استئناف القتال، مؤكدة في بيان، أن (مصر حذرت من مغبة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة، ودعاوى المسئولين الإسرائيليين المُشجِّعة لتهجير الفلسطينيين خارج حدود غزة، في انتهاك صارخ لالتزامات إسرائيل بصفتها القوّة القائمة بالاحتلال، ولكل أحكام القانون الدولي الإنساني، خاصّة أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949).. وجدد بيان الخارجية وقتها، أنه بالنسبة إلى مصر، فإن موقفها الرافض للتهجير القسري للفلسطينيين (خط أحمر لن يتم السماح بتجاوزه).

أكثر من ذلك، حذرت مصر الولايات المتحدة وإسرائيل، من أنه إذا فر اللاجئون الفلسطينيون إلى سيناء، نتيجة للعملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب غزة، فقد يؤدي ذلك إلى (قطيعة) في العلاقات بين مصر وإسرائيل، وترى مصر أن الحرب في غزة تشكل تهديدًا لأمنها القومي وتريد منع اللاجئين الفلسطينيين من عبور الحدود إلى أراضيها.
هذا يقودنا إلى التغيرات الضخمة التي حدثت في السياسة الخارجية المصرية، منذ أن تولى الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر.. منذ ذلك الحين، تعاظم الدور المصري في الأزمات الإقليمية، حتى صارت القاهرة عاصمة الوفاق بين المتحاربين أو المتخاصمين في المنطقة.. وعالميًا، أصبحت مزارًا لكل القادة والمسئولين، يسعون إليها لوضع المشكلات المتفاقمة على طاولة النقاش، في انتظار الرؤية المصرية نحو الحل.. وهو دور لم يكن بهذه الضخامة والتأثير والفاعلية التي أصبح عليها، من قِبل عشرات السنين الماضية.

إذن هي قوة الحكمة وحكمة القوة التي يمتلكها الرئيس السيسي، ونزاهته عن كل غرض، وشفافيته وموضوعيته في حل الأزمات، بوعي وبصيرة، وحرصًا على الحقوق.

راحت السياسة الخارجية المصرية ترتكز على تنويع التحركات، انطلاقًا من مبادئ الاحترام المتبادل والندية، ورفض التدخل فى الشئون الداخلية للدول واحترام سيادتها واستقلالها، مع التشديد على تماسك المؤسسات الوطنية للدول، للحيلولة دون تهاويها ونشر الفوضى بها، لا سيما فى المحيط الإقليمى..  هذه السياسة أدت إلى استدامة المصالح المشتركة، والحفاظ على الدولة الوطنية واحترام سيادتها، بوصفها حجر الأساس في بناء النظام الدولي، والشراكة والقرار الوطني المستقل، وهي المحددات التي رسمها الرئيس السيسي منذ خطاب التنصيب في يونيو 2014، والذي أكد فيه، أن مصر بما لديها من مقومات، يجب أن تكون منفتحة فى علاقاتها الدولية وأن سياسة مصر الخارجية ستتحدد طبقًا لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون، وتحقيق هذه السياسة لمصالح الشعب المصرى، وأنها ستعتمد الندية والالتزام والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للغير، مبادئ أساسية لسياساتها الخارجية فى المرحلة المقبلة، انطلاقًا من مبادئنا القائمة على دعم السلام والاستقرار في المحيط الإقليمي والدولي، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول، والتمسك بمبادئ القانون الدولي، واحترام العهود والمواثيق، ودعم دور المنظمات الدولية وتعزيز التضامن بين الدول، وكذلك الاهتمام بالبعد الاقتصادي للعلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للغير.

وتحرص مصر على المشاركة في الجهود الدولية لإنهاء الأزمات، من خلال حضور الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التي تعقد من أجل تسوية هذه الأزمات، وتتخذ موقفًا رسميًا داعمًا لجهود الأمم المتحدة المتعلقة بالمصالحة والحوار والتسوية.. وتتبع مصر سياسة استراتيجية، تقوم على مساعدة الدول العربية لتخطي أزماتها، بما يحقق الأمن والاستقرار فى المنطقة وانعكاس ذلك على الأمن القومي المصري، مع التأكيد على مبدأ تسوية المنازعات بالطرق السلمية.

وينطبق هذا المبدأ على قضايا رئيسية، كالقضية الفلسطينية التي قامت الدبلوماسية المصرية فيها بجهد ناجح لوضع المصالحة الوطنية الفلسطينية موضع التطبيق، ووقف القتال لأكثر من مرة بين إسرائيل والفصائل المسلحة في الأراضي المحتلة، وغيرها من القضايا العربية، في ليبيا والسودان والعراق، وهي التي عُرِف عنها أنها تلعب دورًا فاعلًا في المساهمة في إنهاء الأزمات في المنطقة العربية وإعادة الاستقرار، بما لها من قوة ومكانة، وما يضيفه لها موقعها الجغرافي ودورها التاريخي.

وتستند السياسة الخارجية المصرية، في عهد الرئيس السيسي، تجاه الأزمات فى المنطقة العربية إلى عدة مرتكزات، تتلخص فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى وما تمثله تلك الملفات من تهديد لأمن واستقرار مصر، بالإضافة إلى الالتزام التاريخى لمصر تجاه الدول العربية.. حرص مصر على تعميق علاقاتها الخارجية على كافة المستويات الإقليمية والدولية، فعلى مستوى العالم العربى، لم تألُ القاهرة جهدًا لوضع نهاية للأزمة الليبية، حيث تؤكد مصر على ضرورة التوصل الى تسوية شاملة ومستدامة للأزمة الليبية تحافظ على وحدة وسلامة الأراضى الليبية، واستعادة دور مؤسسات الدولة الوطنية.

كما يؤكد الرئيس السيسي في مختلف اللقاءات والمحافل دعم مصر الكامل لكل ما من شأنه تحقيق المصلحة لليبيا، ويُفَعِّل الإرادة الحرة لشعبها ويحافظ على وحدة وسيادة أراضيها.. وفيما يخص القضية الفلسطينية، تؤكد مصر على موقفها الثابت من القضية ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتحقيق التسوية الشاملة والعادلة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وفقًا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وبما يضمن إرساء السلام والاستقرار في المنطقة.

من ناحية أخرى، تحرص مصر على تقديم أوجه الدعم للشعب السوداني الشقيق وتنسيق المواقف المختلفة، في ظل الروابط العميقة التي تربط بين البلدين، وتوحيد الرؤى خصوصًا فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، والصراع الدائر الآن بين الجيش الوطني السوداني وميليشيات الدعم السريع.. وسيظل الموقف المصري دائمًا يدافع عن وحدة وسلامة السودان، وعن مقدرات الشعب السوداني، وضرورة عدم تدخل أي طرف خارجي بأي شكل..  فالدولة المصرية ساندة وداعمة لتطلعات الشعب السوداني، باعتبار أن السودان يمثل العمق الاستراتيجي الطبيعي لمصر، سعيًا لتحقيق التكامل المنشود بين البلدين في مختلف المجالات الحيوية، استنادًا لواقع تاريخي وجغرافي، أثبت أن مصلحة مصر لا تفترق عن مصلحة السودان، وأن مصلحة السودان تكمن في مصلحة مصر، وأن مصير أبناء وادي النيل هو مصير مشترك نابع من ماضٍ متشابك.

إن إدراك مصر لمكانتها ودورها على المستويين الإقليمي والدولي، يمثل أحد المداخل المهمة لتفسير التوجهات الخارجية للسياسة الخارجية المصرية، ولا يُلغي ذلك بطبيعة الحال تأثير البيئة والسياقين الإقليمي والدولي، كما أن شخصية رئيس الدولة تلعب بدورها عامل ترجيح واضحًا في صياغة الرؤية والفلسفة الحاكمة لعملية صنع واتخاذ القرارات وتحديد توجهات السلوك وتفاعلات الأدوات.. بهذا المعنى، نحن نتحدث عن منظورين لفهم العلاقة بين ثوابت السياسة الخارجية المصرية، ومتغيرات النظرة للمصالح في ضوء اضطراب المنطقة العربية واتساع النظرة الدولية للمنطقة من منظورين جيوسياسي وجيو ـ اقتصادي.

وفي النهاية.. فإن مصر، بشعبها العظيم وجيشها القوي وقيادتها الحكيمة، كانت ولا تزال تعمل من أجل السلام وتدعو لتسوية كافة الأزمات، من خلال المسارات السياسية التي تلبي طموحات الشعوب وتحترم قواعد الشرعية الدولية.. سياسة خارجية حكيمة ورؤية ثاقبة للقيادة السياسية فى التحرك الخارجى شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا تؤكد من خلاله مصر، وهى على أعتاب الجمهورية الجديدة، أنها كانت ولا تزال صانعة الاستقرار فى محيطها الإقليمى، بل وفى العالم بأسره، عبر سياسة متوازنة، تدعو وتسعى لإخماد بؤر التوتر ونزع فتيل الأزمات وترسيخ ركائز السلام والتنمية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.