رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اختناق


أفتح النوافذ.. أختنق. 
أفتح دفاتر الذكرى.. أختنق. 
أفتح المذياع.. أختنق. 
أفتح صندوق البريد، يعاتبني خطاب أخطأ العنوان..
أفتح الجرائد أتقلب بين سطورها..
أفتح أحدث الكتب الحاصلة على جوائز، أختنق.
أفتح صنبور الماء، أغتسل من الأوهام وزيف العناق..
أفتح فمي قدر نصف ابتسامة حتى لا أتهم.. 
أفتح للشك دروبًا لليقين.. أختنق. 
أفتح درجًا يحفظ الصور القديمة.. 
أفتح حوارًا مع الرجال، 
أفتح حوارًا مع النساء.. أختنق.
أفتح مسام جلدي لاستضافة تطفل الشمس.. 
أفتح يدي أمسك بورقة شجر، سئمت الشجر.. 
أفتح حقيبتي باحثة عن مهرب.. أختنق. 
أفتح معطف أحزاني التي سببها أوج الفرح.. 
أفتح في الأفق جدولًا لنزواتي، 
أفتح زجاجة نبيذ بلون دمي المحاصر بضيق الأوردة، 
أفتح ثقبًا في الهواء بحجم رعبي من الأمان.. أختنق. 
أقتح بيتي للغرباء.. 
أفتح بيتي للأقرباء.. أختنق. 
أفتح للخيال سردابًا معتمًا، إلى حيث مدينتي الولعة بالجنون والضياء.. 
أفتح قارورة عطر صنع للأنوثة.. أختنق. 
أفتح ممرًا مهجورًا للدهشة، على جدرانه لوحات لم يوقعها أحد، 
أفتح الأبواب لكائنات خرافية الحكمة والألوان، 
أفتح لحب الفضول مجرى للحياء.. أختنق. 
أفتح لمزاجي- الذي يرجم بالاستنكار- سبيلا للبحر.. أختنق. 
أفتح الفنجان، فأبصر خيوط الغيب ملتفة حول عنقي، تساومني الصيت والغنى مقابل اغتيال الأسئلة.. أرفض الصفقة. 
أفتح النيران على تقاليد من ورق، كتبها موتى بأحبار تحجب بلاغة  الشغف..أختنق. 
أفتح صفحة جديدة من زمان الوصل بعينيه التائهين في مداري، 
أفتح بوابة الأماني، تخرج جيات مسحورة، وطيور فقدت ذاكرة التحليق.. اختنق. 
أفتح المزاد على عشاق أرادوني بكعب عال له صوت رنان، 
أفتح عنفوان القلم الأسود، على الصفحة البيضاء المتراخية.. أختنق. 
أفتح لجرح غير شرعي النزيف، مسكنًا على ملامحي.. 
أفتح الورق استكشف لون رغيف اليوم، ومذاق الطالع غدًا، أختنق. 
أفتح أزرار الوقت الثمين، يدخل ندم لا يحس بالندم، وتعب متعب من تراكم الراحة، 
أفتح للمستحيل قلبي الحالم بالممكن.. أختنق. 
أفتح خزانة ملابسي، أرتدي بعضًا من الأدب، بعضًا من العربدة. وأنزل مسرعة. 
عندي الليلة موعد، مع منْ سيسألني أن أحكي كل هذه التفاصيل الصباحية والمسائية. 
ترى، هل أستيطع استعادتها، ولو أغرتني عيناه- الغريبتان عن دنياي- بالثقة، وسحر الحوار؟. 
*********** 
من بستان قصائدى 

ارجع من الموت
قبل أن يولد العام الجديد 
فالقطيعة المسافرة بينك وبيني 
توقف حركة الأزمنة 
وتجمد دمي على امتداد الوريد 
ارجع من الموت 
قبل أن يولد العام الجديد 
لست أحتمل فراقنا 
ورائحة " ديسمبر" تملأ الأجواء 
لا أملك شيئًا من أمري
ولست أحتمل غيابك في الشتاء 
كل شىء يسألني عنك 
والمطر يرفض أن يغسل وجه المدينة 
وأنت عني بعيد 
شىء ما في هذا الشهر الأخير 
يحتج على الرحيل 
يصرخ من برودة المصير 
يحرض الذكريات على القيامة 
ويستبقيك على قلبي الأمير 
ارجع من الموت 
قبل أن يولد العام الجديد 
بعدك ليست تهمني البدايات 
بعدك لا تحركني النهايات 
أية بداية لا تقترن بك، تقتلني 
أية نهاية لا تؤدي إليك، تفزعني 
الشتاء يحجب أشجانه الجميلة 
حتى تعود قصتنا المستحيلة 
ارجع من الموت 
قبل أن يولد العام الجديد 
فالزمان ليس إلا كتاب العشق 
على صفحاته 
نشدو نشتاق ننزف ونموت