رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مين اللى قتل الحلو؟


قبل يوم محمد الحلو مع الأسد سلطان بـ يوم، يوسف إدريس الكاتب الكبير كان حاضر في السيرك، يعني، ليلة رمضانية، وخروجة مع أصدقاء (أو صديقات أو على الأدق صديقة) فـ نروح نشوف عروض لطيفة (أو هكذا يفترض) إدريس زي ما إحنا عارفين طبيب مش بس أديب عملاق وكاتب قصة قصيرة، فـ هو كتب تجربته مع عرض الأسود في كتاب بديع اسمه "أنا سلطان قانون الوجود"، سلطان دا اسم الأسد، ومش هـ أقدر آخد كل اللي ذكره إدريس، إنما هـ أركز بس على توصيف لـ عالم السيرك كـ كل، وإزاي إنه كان فقد بريقه، والجمهور كان فاتر في استقباله لـ النّمَر المختلفة، لـ درجة إنه إدريس قال لـ الست اللي معاه إنه حاسس بـ كارثة جاية بـ الذات على محمد الحلو مدرب الأسود.
إدريس ما توقعش الكارثة بس نتيجة أجواء السيرك، لكنه كان فاهم شوية العلاقة النفسية بين الأسد ومدربه في العموم، وإنها قايمة بـ الكامل على الخوف، مين بـ يخاف من مين، والمفروض إنه الأسد ما يشمش ولو من بعيد لـ بعيد إنه مدربه عنده ذرة خوف واحدة، أدنى قدر من التردد في الموضوع دا يعني خطر كبير.
يوم العرض اللي شافه إدريس، لمح إنه علاقة الحلو بـ أسد جديد اسمه جبار (ضمن ست أسود) فيها شيء ليس على ما يرام، ولو لـ لحظات، لحظات ممكن محدش يلاحظها، أو مش كتير ياخدوا بالهم منها، إنما الشيء دا طالما اتوجد، فـ إحنا رايحين في حتة مش كويسة، ودا اللي حصل تاني يوم.
تفسير دا ممكن نلاقيه عند صالح مرسي، فـ خلينا نرجع له، صالح بـ يحكي إنه نتيجة ارتباط السيرك بـ الدولة، ونتيجة حرص الدولة على إنه السيرك المصري يبقى له صيت بره، ويتفقوا على عروض، ودا خلى زيارات "الخبراء الأجانب" تكتر، علشان يختاروا عروض، ويوقعوا اتفاقيات وخلافه، ودا كان من الحاجات اللي بـ تخلي اهتمام العارضين ينصب على إنهم يعجبوا الخبراء الزائرين دول، ودا كان على حساب السيستم والأعراف وخلى فيه سربعة في تقديم العروض أثناء فترات زيارة الخبرا اللي كانت بـ طبيعة الحال بـ تبقى سريعة وقصيرة.
في اليوم المشئوم بتاع 10 أكتوبر 1972، بعد ما الأسد عض الحلو ووقعه، ومحمد الحلو  الابن تدخل لـ إنقاذ أبوه، محمد الأب كان واعي تماما لـ كل اللي بـ يحصل، ووقف، وقال لـ الجمهور: "اطمنوا، أنا سليم وماشي على رجلي". وخرج من السيرك واخدينه على مستشفى الأنجلو.
ليه الأنجلو تحديدا؟
علشان دي المستشفى اللي شركة الشرق لـ التأمين متعاقدة معاها.
وإيه دخل شركة الشرق لـ التأمين؟
ما هي اللي متفقة مع السيرك القومي على تأمين حياة اللاعبين والعارضين، وكان الاتفاق إنه العلاج يبقى في حدود 100 جنيه لـ جميع الحالات اللي بـ تتعرض على المستشفى.
عبد الفتاح شفشق مدير السيرك القومي، راح مع الحلو، وطلب الدكتور حليم جريس علشان يباشر علاج الحلو، ويجري له جراحة إذا لزم الأمر، الدكتور جريس جه، لكن كان مزمق ورافض يتدخل لـ إنقاذ الحالة، علشان شركة التأمين ما بـ تدفعش اللي عليها! ولما بـ يضغطوا بوتضطر تدفع بـ تقص منه، وتساوم المستشفى على دا، الكلام دا حسب كلام الدكتور جريس وقتها.
فـ يعني كلمة من هنا على كلمة من هناك، الدكتور جريس تدخل مبدئيا بـ ما يلزم حالا، لكن بلغهم إنهم لو ما جابوش الـ 100 جنيه دلوقتي، هـ يضطر يخرجه وما يكملش العلاج، فـ جابوا له تاني يوم فلوس كانت مخصصة لـ عارضين من السيرك السوفيتي والبلغاري لـ حين تسوية الأمر مع شركة التأمين، بس هو يقبل إنه يكمل مباشرة الحالة.
محمد الحلو لما فاق من البنج بعد كام ساعة، أول حاجة سأل عنها مدير السيرك هي: سلطان عامل إيه دلوقتي؟ شفشق قال له: إنه حزين ومضرب عن الطعام، الحلو رد: ولو! دا مش هـ يمنعني إنه أدي له علقة لما أخف، وضحك، لكن ما خفش، وبعدها بـ ساعات توفاه الله!
قانونا، سلطان بعدها ما عادش ينفع يتعامل مع بشر تاني بـ شكل مباشر، ولو حتى صاحبه أو مدربه أو حد كان متعود عليه، طالما فيه سابقة واحدة لـ أي أسد من أي نوع كان، خلاص، هو بقى بره الخدمة، وبـ التالي شحنوه على حديقة الحيوان، واتحط في قفص منفرد، والغريب إنه كلام شفشق كان صحيح، الأسد فعلا كان حزين ومضرب على الطعام، وفضل كدا لـ حد ما مات سريعا.
بعد عشر أيام من وفاة الحلو، السيرك ما وقفش، ولا عروض الأسود تأثرت، واللي كان واقف في القفص هو محمد الحلو الابن اللي كان وقتها عنده خمسة وعشرين سنة، وقال إنه الأسود ما شافتش اللي حصل من سلطان، ولا تعرف فين محمد الحلو الأب، وكانت بـ تدور عليه، واستقبلت محمد الابن زي العادة، ومفيش حاجة اتغيرت في علاقة العيلة مع الأسود، ولا فيه حاجة هـ تتغير، لـ إنه دي علاقة أبدية.
بعد شهور من اليوم الأليم، كاميليا مرات محمد الحلو الأب، اللي بقت أرملته، وضعت حملها، أيوه، ما أنا نسيت أقول لك إنه كانت حامل وقت الحادث، وفي أول مايو 1973 جابت توأم، علشان يبقى عدد أولاد محمد الحلو 12 ولد وبنت.