رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متى تبدأ الهدنات؟!

الهدنات، بتسكين الدال أو ضمها، هى جمع هدنة، التى يجوز جمعها أيضًا بـ«هدن». ولغويًا، أو اصطلاحًا، لا توجد هدنات مؤقتة أو تكتيكية، دائمة أو طويلة، لأن معنى الهدنة، أساسًا، هو توقف الحرب بشكل مؤقت وقصير المدى، من منطلق ضعف أو غباوة سياسية. وعليه، كان قرار مجلس الأمن، رقم ٢٧١٢، الصادر مساء الأربعاء الماضى، دقيقًا حين دعا إلى هدنات إنسانية لفترات أطول، ولعدد كاف من الأيام، عوضًا عن تلك التى سمّاها رئيس الوزراء الإسرائيلى بـ«الهدنات التكتيكية» أو المؤقتة!

بعد جولات من النقاشات والمشاورات، وست مسودات، تحولت فيها المطالبات إلى دعوات، تقدمت مالطا بمشروع القرار، الذى لم يكن اعتماده ممكنًا لولا امتناع الولايات المتحدة عن التصويت. كما لا يمكن تنفيذه دون وجود رغبة أو ضغوط أمريكية حقيقية. وكنا قد انتهينا، أمس، إلى أن القرارات، التى تصدر تحت الفصل السادس، الخاص بـ«تسوية النزاعات بالطرق السلمية»، تفتقر إلى آليات التنفيذ، وبالتالى يستطيع العضو المارق، الذى لا يفى بعهوده أو تعهداته، أن يرفضها أو يرميها فى سلة المهملات!

اعتماد القرار وحده لن ينقذ الأرواح، بإقرار ليندا توماس جرينفيلد، المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، بأنه لن ينقذ الأرواح، التى أكدت أن «الإجراءات على أرض الواقع هى التى ستفعل ذلك»، وقالت إن «العالم راقب بإحباط وقلق عجز مجلس الأمن بشأن هذه المسألة الملحة المتعلقة بالسلام والأمن الدوليين»، وبررت امتناعها عن التصويت بأن القرار لا يدين ما وصفته بـ«ذبح حماس للمدنيين الأبرياء»، ولا يؤكد «على حق إسرائيل، بل ومسئوليتها عن حماية شعبها من الإرهاب»!

باعتباره «خطوة أولى ومهمة» نحو تحقيق هدف التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، رحبت مصر، بقرار مجلس الأمن، وأكدت، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، أمس الأول الخميس، ضرورة تنفيذ ما تضمنه القرار بشأن الهدنات والممرات الإنسانية، وضرورة التوقف عن سياسة حرمان السكان من الخدمات الأساسية، واحترام قواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى و... و... وشدّدت مصر، أيضًا، على ضرورة اضطلاع مجلس الأمن بمسئوليته فى ضمان التنفيذ الفورى والدقيق لهذا القرار، حفاظًا على مصداقية المجلس وأعضائه، واحترامًا لميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولى.

مساء اليوم نفسه، تلقى سامح شكرى، وزير الخارجية، مكالمة تليفونية من نظيره الأمريكى أنتونى بلينكن. ولدى تبادلهما وجهات النظر بشأن الأوضاع المتدهورة فى قطاع غزة، أكد شكرى ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن، موضحًا أن الهدف الأساسى ينبغى أن يتركز على الوقف الشامل لإطلاق النار، كما تطرق وزير الخارجية إلى الانتهاكات الإسرائيلية، مشيرًا إلى دور الولايات المتحدة والأطراف الدولية المؤثرة فى التدخل لوقف هذه الانتهاكات وتوفير الحماية للمدنيين، وضمان نفاذ المساعدات بالشكل الكافى، وشدد، مجددًا، على رفض مصر القاطع سياسات التهجير القسرى للفلسطينيين داخل أو خارج قطاع غزة.

اللافت، أن بيان الخارجية الأمريكية بشأن هذه المكالمة لم يشر، من قريب أو بعيد، إلى قرار مجلس الأمن، أو إلى الهدنات، واكتفى بالإشارة إلى أن الوزيرين تحدثا حول الوضع فى غزة والجهود المشتركة لزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، الذين هم فى أمس الحاجة إليها. وقال إن بلينكن «شكر مصر وقيادتها على تسهيل الخروج الآمن للمواطنين الأمريكيين والأجانب الآخرين من غزة عبر مصر إلى وجهاتهم النهائية، وتعزيز الجهود الرامية إلى تحرير الرهائن». وأضاف البيان أن وزير الخارجية الأمريكى أكد مجددًا رفض الولايات المتحدة التهجير القسرى للفلسطينيين، وشدد على التزامها بالعمل، بالتنسيق مع مصر والشركاء الإقليميين، من أجل إقامة دولة فلسطينية مزدهرة وقابلة للحياة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة كانت قد تعهدت بأن تواصل بلادها الضغط من أجل اتخاذ التدابير التى من شأنها إنقاذ الأرواح، على المدييْن القريب والطويل. وبسؤالها عن جدوى أو فاعلية قرار مجلس الأمن بعد أن رفضته إسرائيل، أجابت بأن القرار كان «بمثابة بيان مهم من المجلس يركز على الوضع الإنسانى»، وأعربت عن تطلعها إلى أن يكون له تأثير على الأرض!