رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحذيرات مصرية قبل اشتعال المنطقة

قبل 7 أكتوبر الماضي كان الحوار الإعلامي الناقل عن الكواليس السياسية العربية يتكلم بحرارة عن اقتراب المملكة العربية السعودية وإسرائيل من اتفاق يتم بعده التطبيع بين البلدين، وكان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، صادقا في حواره مع وسائل الإعلام العالمية بأنه لا مانع من التعاون مع إسرائيل وفق شروط محددة واتفاقيات شفافة تحفظ حقوق العرب، وفي مقدمتها الحق الفلسطيني.
في ذلك الحين انطلق الخيال السياسي للمحللين عن شكل المنطقة في مرحلة ما بعد اتفاق الرياض/ تل أبيب، في الغالب الأعم كان هناك ارتياح في مختلف الأوساط تم بناؤه على حالة الاستقرار والتنمية والابتعاد عن سباق التسلح.

بعد 7 أكتوبر انقلبت الطاولة السياسية رأسا على عقب، ومخطئ من يضع تصرف حماس في ذلك اليوم كسبب لهذا الانقلاب الحاد، حماس في نهاية الأمر مجرد تنظيم لا يمتلك مقومات الدولة مثل إسرائيل، منهج تفكير الدولة لا بد وأن يكون مختلفا عن منهج تفكير تنظيم، ولكن ما شهدناه منذ 7 أكتوبر حتى هذه اللحظة يكشف ويؤكد تفكير العصابات الذي انتهجته إسرائيل، حيث قامت بتحويل غزة إلى كومة من الرماد، مما انعكس على أهل غزة الذين عاشوا وما زالوا أصعب هولوكوست يمكن لشعب أن يعيشه.
رد الفعل الإسرائيلي وتصعيده العنيف، وانعدام الإنسانية لديه وهو يطحن المدنيين كعقاب لهم لأن حماس خرجت من بينهم، يجعل المنطقة العربية كلها على حافة الهاوية، أول المصائب هي لعبة التهجير والإزاحة وإخلاء غزة من شعبها وإلقاء كرة النار على دول الجوار مثل مصر والأردن. 

هذا الوضع الشاذ الذي تتعامل به إسرائيل في ردها على ما حدث يوم 7 أكتوبر يلغي كل آمال التطبيع لديها، تلك الآمال التي انتعشت بعد اتفاقها مع الإمارات والبحرين، وكانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه مع السعودية.
هذه الخسارة الإسرائيلية سيكون ثمنها عشرات السنوات القادمة من التوتر والقلق والعنف، ليس هذا فقط إنما من المتوقع أن تتحول الحرب إلى حرب إقليمية متعددة الأطراف، وهذا بالضبط ما جاء في كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي أمام القمة العربية والإسلامية، التي انعقدت مؤخرا في الرياض، حيث قال: "لقد حذرت مصر، مرارا وتكرارا، من مغبة السياسات الأحادية، كما تحذر الآن من أن التخاذل عن وقف الحرب فى غزة ينذر بتوسع المواجهات العسكرية فى المنطقة.. وأنه مهما كانت محاولات ضبط النفس، فإن طول أمد الاعتداءات، وقسوتها غير المسبوقة، كفيلان بتغيير المعادلة وحساباتها، بين ليلة وضحاها".

من الواضح أن إسرائيل تعرف جيدا أن تكلفة السلام أعلى بكثير من تكلفة الحرب لأن الحقوق الضائعة إذا عادت إلى أصحابها سوف تخسر إسرائيل طموحها الذي عاشت عمرها عليه، هذا الطموح التوسعي الفاسد منتهى الصلاحية منذ 6 أكتوبر 1973، ولكن تل أبيب لم تتعلم الدرس بعد، إن دعوة السلام العربية المستندة إلى القوة العسكرية لا بد وأن تؤتي ثمارها، وهنا نشير إلى شجاعة الموقف المصري الذي تعلنه في كل مناسبة دون تردد، وفي ظني أن الأمة العربية لا تتناقض مع الموقف المصري الذي توجه إلى الضمير العالمي قائلا في كلمة واضحة: "إن مصر والعرب سعوا فى مسار السلام لعقود وسنوات.. وقدموا المبادرات الشجاعة للسلام.. والآن تأتي مسئوليتكم الكبرى فى الضغط الفعّال لوقف نزيف الدماء الفلسطينية فورا.. ثم معالجة جذور الصراع.. وإعطاء الحق لأصحابه.. كسبيل وحيد لتحقيق الأمن لجميع شعوب المنطقة".

العقل السياسي العربي لا يستبعد إسرائيل من معادلة الوجود الآمن، وعندما ينطق العقل قال جميع شعوب المنطقة ولم يقل شعبا دون الآخر، وتبقى الصرخة مدوية حتى تصل إلى أسماع العالم، صرخة يمكن اعتبارها شعار ودستور وقانون وملخص كلمة مصر في الأزمة الكبرى التي تفجرت صباح 7 أكتوبر، تقول مصر على لسان رئيسها: "فليتحد العالم كله، حكومات وشعوبا، لإنفاذ الحل العادل للقضية الفلسطينية.. وإنهاء الاحتلال.. بما يليق بإنسانيتنا.. ويتسق مع ما ننادي به من قيم العدل والحرية واحترام الحقوق.. جميع الحقوق وليس بعضها".

هذه وقفة قبل المنحدر حتى يرى العميان أن الحرب ليست نزهة، وأن عودة الحقوق إلى أصحابها هي العدالة المنشودة التي سعت إليها كل الأديان وكل المواثيق الدولية.