رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والقضية الفلسطينية.. تاريخ من المسئولية (2)

لدى مصر التزام تاريخي في القضية الفلسطينية، سواء على الصعيدين الإنساني والسياسي، ويشمل هذا مواصلة جهودها الحثيثة لدعم حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.. وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي دعم صمود القدس، التي تشكل عمق القضية الفلسطينية وروحها، إذ تسعى مصر لتحقيق تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، الأمر الذي يُسهم في استقرار المنطقة والحد من التوترات في الشرق الأوسط، وتشدِّد مصر دائمًا على أن الفلسطينيين يخوضون معركة وجود للدفاع عن حقوقهم وأراضيهم، ومنازلهم التي وُلدوا فيها، خصوصًا في مواجهة اعتداءات الاحتلال المتكررة ضد حقوقهم، ومنها المسجد الأقصى.. وكانت مصر وتظل، المساند الأكبر لقضية العرب الأولى، بصفتها أكبر دولة عربية، وهي لم ولن تتخلي عن دورها كقوة إقليمية تقود وتتفاعل وتناصر القضية الفلسطينية.. لذا اتخذت تدابير وقرارات لمساندة القضية الفلسطينية منذ نشأتها، وتمثَّل ذلك في مواقف رؤسائها والمسئولين بها في المحافل والمؤتمرات الإقليمية والدولية، وكذلك في مواجهة العدوان الإسرائيلي علي الشعب الفلسطيني خلال السبعين عامًا الأخيرة.
لقد دعمت مصر القضية الفلسطينية، سواء بالدعم المباشر أو غير المباشر، ولا تزال تدعم فلسطين، قضيةً وشعبًا، إلى أن تحصل على استقلالها، سواء ماديًا أو غير ذلك من مجالات الدعم المختلفة، وعلى مدى سنوات طوال، منها، ما قاله وزير الخارجية- آنذاك- أحمد أبوالغيط عام 2007، من أن مصر قدمت على مدار الأعوام الستة الماضية ثمانية وأربعين مليون دولار، لدعم السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى أكثر من أربعين مليون دولار مساعدات إنسانية وبرامج تدريب.. غير نصف المليار دولار التي قدمتها مصر، بتوجيهات من الرئيس السيسي، لإعادة إعمار غزة قبل عامين من الآن.. كما أكدت في 22 يناير 2008، التزامها بمواصلة مساهمتها في مد قطاع غزة بالكهرباء دون تأثر بالإجراءات الإسرائيلية.. ومن جانبها قامت وزارة الكهرباء والطاقة بتركيب مكثفات للجهد، على الخطوط الكهربائية الممتدة من رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية، لزيادة قدرة التيار الكهربائي بمدن وقري قطاع غزة المعزولة عن الشبكة، لتلبية احتياجات الأشقاء الفلسطينيين، وتخفيف عبء الحصار المفروض عليهم من إسرائيل، خصوصًا في مجال الكهرباء والطاقة‏.‏. وقامت الحكومة المصرية بتقديم المعونات الغذائية، بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات الأهلية والمعنية الراغبة في تقديم المساعدة، والسماح للفلسطينيين بالدخول إلى الجانب المصري لشراء احتياجاتهم من المواد الغذائية، نظرًا لنقص الغذاء في قطاع غزة.. وفتحت مصر معبر رفح البري‏ لعبور المواطنين الفلسطينيين في الجانبين،‏‏ خصوصًا المرضى والمصابين، والحالات الإنسانية والطلاب المقيمين بمصر والدول العربية‏، وأعادت مصر تشغيل ميناء رفح البري لإدخال المعتمرين والمرضى من القطاع.
منذ نكبة 1948، تحملت مصر أعباء عسكرية كبيرة، بسبب حرصها، حكومة وشعبًا، على حماية الشعب الفسطيني من الهجوم الإسرائيلي خلال العقود السبع الماضية.. والثابت أن مصر لم تتقاعس عن ممارسة دورها تجاه القضية الفلسطينية، فقد قدمت أكثر من مائة ألف شهيد ومائتي ألف جريح، خلال حروبها مع إسرائيل من أجل فلسطين، نذكر منها، تدخل الجيش المصري في مايو 1948، بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل، واستمرت المعارك حتى تدخلت القوى الدولية وفرضت عليها الهدنة، وتحمل الجيش المصري العبء الأكبر في الحرب ضد القوات الإسرائيلية، وكانت خسائر مصر في هذه الحرب آلافًا من الشهداء والجرحى.. وبسبب وقوف مصر إلى جانب قضية فلسطين، كانت هدفًا لعدوان إسرائيل في الخامس من يونيو 1967، الذي غيَّر الأوضاع في الشرق الأوسط، وأصبحت إسرائيل تحتل أرض فلسطين بأكملها، بالإضافة إلى أجزاء من مصر وسوريا، حتى جاءت حرب السادس من أكتوبر 1973، حيث خاضت مصر المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وفرضت مشكلة النزاع العربي- الإسرائيلي على الساحة الدولية، إلى أن طالب الرئيس أنور السادات، في  16 أكتوبر 1973، بضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام، لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، مؤكدًا ضرورة مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية.. وفي ضوء المبادرة المصرية، أصدر مجلس الأمن الدولي، في 22 أكتوبر، القرار رقم 338، الذي دعا إلى وقف إطلاق النار، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242، وبدء المفاوضات بين الأطراف المعنية لإقامة السلام الشامل في المنطقة، وركزت الدبلوماسية المصرية اهتمامها على تعزيز الحق الفلسطيني، وتأمين قوة الدفع اللازمة لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
لقد أسهمت مصر، بدرجة كبيرة، من رفع المستوى العلمي والتكنولوجي في فلسطين.. فإلى جانب مساعداتها السياسية والعسكرية والمالية وغيرها، إلا أنها لم تغفل أهمية نقل التكنولوجيا للفلسطينيين، حتى يكونوا على اتصال بالعالم الخارجي.. أخذت مصر على عاتقها وتحملت المسئولية كاملة في تعليم الشباب الفلسطيني فى جامعات مصر، ولم تكتفِ مصر بذلك فقط، بل إنها لم تُميز بين الطلاب المصريين والفلسطينيين، أي أنها عاملت الفلسطينيين على أنهم مواطنون مصريون من الدرجة الأولى.. وقامت مصر بنقل التكنولوجيا إلى فلسطين، بأن أسهمت بشكل كبير في إنشاء البنية التحتية، وإنشاء الطرق وتجهيز الجامعات والهيئات بالوسائل التكنولوجية الحديثة، لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني.. وكذلك أعطت مصر الفلسطينيين حق التعبير عن رأيهم وعرض قضاياهم، بتخصيص قنوات فضائية على القمر الصناعي المصري، نايل سات، حتى يتمكنوا من عرض قضاياهم على العالمين، العربي والغربي.. وبجانب استقبال الطلبة الفلسطينيين، قامت مصر بإرسال وفود من أعضاء هيئة التدريس المصرية، لتعليم الطلاب الفلسطينيين غير القادرين على التعلم فى مصر، بالإضافة إلى استضافة الجامعات المصرية أعضاء هيئة التدريس الفلسطينية، للحصول على التدريبات والدورات اللازمة لرفع مستواهم التعليمي، والتعرف على الوسائل العلمية الحديثة لتطبيقها فى وطنهم.
ودائمًا ما حذرت مصر من مخطط اسرائيل لتغيير الديموجرافيا الفلسطينية وتهويد القدس.. ويمكننا الاستدلال على ذلك من بيان مصر أمام القمة الإسلامية الطارئة لدعم فلسطين والقدس الشريف، التي اعتمدت في مارس 2016، إعلان جاكرتا وقرار القمة الاستثنائية الخامسة لمنظمة التعاون الاسلامي لدعم فلسطين والقدس الشريف.. حيث كرر البيان التحذيرات المصرية المستمرة حول الهجمة الشرسة على مدينة القدس المحتلة، ومخططات تغيير هوية ومعالم المدينة المقدسة وطمس الثقافة الإسلامية، فضلًا عن التلاعب بالوضع الديموجرافي لسكانها.. كما أكد ضرورة إيلاء أهمية خاصة لدعم أبناء القدس، الذين يتعرضون لأسوأ أشكال التمييز، باعتبارهم خط الدفاع الأول في مواجهة عمليات التهويد المستمرة، فضلًا عن أهمية تخفيف حدة التدهور الذي يعانى منه قطاع غزة، مع استمرار الحصار الإسرائيلي.. ويمكننا الاستدلال أيضًا بعدد من المواقف السابقة لمصر في هذا الشان.
في نوفمبر 1948، عارضت مصر قرار تقسيم فلسطين، باعتبار أنه أنكر حق الشعب الفلسطيني في الممارسة الكاملة لتقرير المصير على مجمل أرضه.. وفي عام 1950، عارضت مصر المخططات التي استهدفت الضفة الغربية، مؤكدة أنها ملك الشعب الفلسطيني، وطالبت بضرورة الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على أرضه.. طلبت مصر في سبتمبر 1977، من الجمعية العامة للأمم المتحدة، دراسة الإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي المحتلة، والتي تستهدف تغيير الوضع القانوني والديموجرافي لهذه الأراضي، مخالفة بذلك مبادئ الميثاق الدولي وقرارات الأمم المتحدة.. كما عارضت في يوليو 1980، القرار الذي اتخذته إسرائيل في مايو من نفس العام بضم القدس، مؤكدة عدم اعترافها بأي تعديلات جغرافية أو سياسية في القدس، وأن السلام الدائم لن يتحقق في المنطقة، دون انسحاب إسرائيل الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة في 1967، بما فيها القدس الشرقية.. وأكدت مصر، أبريل 2005، حرصها الشديد على سلامة المسجد الأقصى المبارك، وقال سفير مصر لدى إسرائيل-وقتئذ- السفير محمد عاصم، أنه يتابع بدقة تحركات المتطرفين اليهود بشأن المسجد الأقصى، كما أدان مجلس الشعب والحكومة المصرية العدوان على المسجد.
وظل القدس الشريف، يحتل مكانة خاصة لدى مصر، تنافح عنه في المحافل الدولية، وتمنع عنه غائلة الاعتداءات المتكررة.. إذ أكد أحمد أبوالغيط، وزير خارجية مصر، في فبراير 2007، أن مصر تعرب عن بالغ قلقها واستيائها إزاء ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من عمليات حفر وهدم بالقرب من حائط البراق بجانب المسجد الأقصى، مطالبًا السلطات الإسرائيلية بالتوقف الفوري عن القيام بأي نشاط أو إنشاءات في هذه المنطقة، أو القيام بأي عمل من شأنه استفزاز مشاعر المسلمين وإثارة غضبهم.. ودعت مصر في بيانها أمام الأمم المتحدة، ديسمبر 2007، إلى التصويت على ضرورة الحفاظ علي الوضعية الخاصة لمدينة القدس، وعدم مشروعية جميع الإجراءات التي اتخذتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بهدف تغيير تلك الوضعية.
هذا موجز شديد الاختصار لما كان من مصر خلال السنوات الماضية، نهدف منه إلى إثبات أن الدعم المصري للقضية الفلسطينية مسيرة مستمرة، بالإضافة إلى فهمنا لما عليه الموقف المصري الآن، الذي يوضح بجلاء أن القضية قضيتنا، لا يشغلنا عنها حتى مشاكلنا الداخلية ولا تطورات الصراع في المنطقة من حولنا.. وهذا حديث المقال القادم.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.