رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شغف

أخلاق عالمية جديدة

لماذا لا تكترث بلادنا بالمشكلات والأزمات التى أفسدت البيئة، وتنوعها وتوازنها البيولوجى، كما تكترث بالمشكلات الأخرى؟. 
فى الإعلام المصرى والعربى قلما نجد البرامج والمقالات، أو الأفلام الوثائقية التى تسجل التخريب الذى حدث للبيئة الطبيعية المحيطة بنا، فى بلادنا، أو على مستوى العالم.
هل نفكر أن تخريب البيئة أمر تافه، غير ضرورى، ليس كارثيا؟.
لقد اتفق علماء البيئة على أن الدول الصناعية الكبرى نتيجة لتقدمها الصناعي والتكنولوجي هي التي شاركت، وما زالت تشارك، بنصيب أكبر فى تلويث البيئة العالمية. 
ويقتضى المنطق العادل تبعا لذلك أن تتحمل هذه الدول الثمن الأكبر في حل مشكلات البيئة، وانتهاك التوازن الطبيعي للحياة. هذه الدول الصناعية الكبرى مدعوة للتخلي عن قيم السيطرة والتعصب والاستغلال وهوس الاستهلاك. إنها القيم التي تعكس نفسها في المزيد من «قهر» الطبيعة، و«تدمير» الموارد البيئية، و«إهدار» حق الأجيال القادمة في بيئة نظيفة خضراء متوازنة آمنة.

لقد أجمعت أحدث الدراسات البيئية على أن ما سببّه البشر من انتهاكات للتوازن الطبيعي للبيئة هو مسار مؤكد نحو تدهور الحياة، بل انهيارها على كوكب الأرض. 
وإذا لم يغير البشر من عقلية التعامل مع الطبيعة، والموارد البيئية، فإن الحياة ستصبح مستحيلة للجميع في المستقبل القريب. الأمر الذي لا يترك للدول، سواء المتقدمة صناعيا أو النامية، رفاهية الاختيار. إن تغيير العقلية السائدة تجاه الحياة غير ممكن في ظل المقاييس غير المتكافئة التي تحكم العلاقة بين الدول الصناعية الكبرى والدول النامية الصغرى. وهو أيضا غير ممكن في ظل عدم توافر العدالة الاجتماعية على مستوى البلد الواحد. وهو ما يعبر عنه في أدبيات البيئة بأن ما هو «عالمي» يوجد في «المحلى».
ومع ضرورة تغيير النظم الاقتصادية والاجتماعية التي تحكم العالم، وحتمية تغيير العقلية تجاه الطبيعة والبيئة، هناك أهمية كبرى لتغيير العادات الشخصية السلوكية للأفراد. لا بد أن تصبح رعاية البيئة والحفاظ عليها جزءا متأصلا في الوجدان يظهر تلقائيا في أبسط سلوكيات الإنسان، وليس مجرد إيمان نظرى يفتقد المصداقية في الواقع. وتبدأ هذه السلوكيات من البيت، وتمتد إلى الشارع وأماكن العمل والتجمعـات المختلفة. فالتغير هو في النهاية مجموع الأفعال الفردية المستمرة والموجهة نحو هدف محدد. وهذا ما نقصده حين نقول بسد الفجوة بين ما هو «عام» وما هو «خاص»، أو بين ما هو «سیاسی» و«شخصی». 

هناك احتياج لأن تتسم القوى الاقتصادية الكبرى متشابكة المصالح بالرشادة والتواضع، وأن تؤمن بأن موارد البيئة حق لكل الشعوب وكل الأجيال.
حقًا لقد وصل عالمنا المعاصر إلى مستويات غير مسبوقة من التقدم العلمي والتكنولوجي، لكن البشرية في أيامها الأولى كانت أكثر سعادة، وأكثر إحساسا بالتناغم والتصالح مع الطبيعة والبيئة. 
صحیح أننا الآن نعرف أكثر، نستهلك أكثر، نملك أكثر. لكن يبقى المحك الحقيقي هو نوعية الحياة، وأي إطار من القيم تتم فيه هذه المعرفة والاستهلاك والملكية. لقد أصبح الاستهلاك في حد ذاته غاية نلهث وراءها لحل مشكلات نفسية عديدة، أولاها وأهمها الإحساس بالعجز وعدم التحقق والخواء الداخلي.
أصبح العلم واكتشافاته في انعزال عن أخلاقيات العلم.. والنتيجة هى سيادة حضارة ضد التحضر الحقيقي وضد سعادة الإنسان، وضد حقه في الشعور بالتناغم مع البيئة المحيطة. 
تزداد الضرورة كل يوم لخلق وعى بيئى جديد يتجاوز الحواجز الجغرافية والسياسية، من أجل التوصل إلى أخلاق عالمية جديدة، أخلاق تستطيع نقل العالم من تسلط النسق «الهرمی» في التفكير، إلى ديمقراطية النسق «الدائري». 
والوعي البيئي في جوهره هو خلق وتشكيل العقلية ذات الحساسية تجاه قضايا ومشكلات البيئة، وإدراك العلاقة العضوية الجدلية بين الإنسان والبيئة المحيطة من ناحية، وبين البناء السياسي والاقتصادي والثقافي وانعكاساته على التعامل مع البيئة من ناحية أخرى. 
 

من بستان قصائدى 
يكفينى فخرًا
أنى ما بعت كرامتى 
فى المزادات 
ما انحنيت يومًا 
لتعلو القصائد والكلمات 
لا يستهوينى المديح والشُهرة 
لا تغرينى المناصب والشهوات 
يكفينى فخرًا 
أنى أنام كل مساء 
وباب شقتى غير موصد بالأقفال 
ما هرولت وراء رجل 
وحدتى دوائى 
وروحى خفيفة 
لا تحمل الأثقال