رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رجل أمريكا الأخطر

تغير مرتقب فى الموقف، أو الخطاب الأمريكى بشأن العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وجرائم جيش الاحتلال الوحشية، التى طالت الضفة الغربية والجنوب اللبنانى، وقد نشهد اختلافًا فى السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، إجمالًا، بعد الجولة، التى يقوم بها، حاليًا، وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الذى يوصف بأنه مبعوث الرئيس جو بايدن للمهمات المستحيلة، أو لحل المشكلات المعقدة، والذى صار، فى يوليو الماضى، العضو رقم ٢٦ فى مجلس وزرائه الرئاسى.

قادمًا من تل أبيب، زار «بيرنز»، القاهرة، أمس الثلاثاء، واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى، بحضور اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة. وجرى خلال اللقاء تأكيد قوة الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، ودورها المحورى فى الحفاظ على أمن واستقرار الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تأكيد الحرص المتبادل على تدعيم وتعزيز التعاون الراسخ بين البلدين فى مختلف المجالات، خاصةً على الصعيد المخابراتى، بهدف دعم جهود استعادة الاستقرار فى المنطقة. ولدى تباحث الجانبين بشأن التصعيد العسكرى الإسرائيلى فى قطاع غزة، أكد الرئيس محددات الموقف المصرى، خاصة ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار، وتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية وعدم إعاقة تدفقها، فى حين أكد مدير المخابرات الأمريكية حرصه على مواصلة التنسيق المكثف مع الجانب المصرى بهدف حل الأزمة الحالية.

إلى جانب لغته الأم، يتقن رجل أمريكا الأخضر، أو الأخطر، اللغتين العربية والروسية، وعمل مع كولن باول، فى مجلس الأمن القومى، ومع ديك ميرفى، فى مكتب الشرق الأدنى، كما عمل سفيرًا لدى روسيا، وفاوض الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى، للوصول إلى تسوية فى قضية لوكيربى. وإلى جانب رحلته الطويلة فى مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية، لعب دورًا كبيرًا فى التمهيد لغزو العراق، ودورًا أكبر فيما يوصف بالربيع العربى، وقاد المفاوضات الأمريكية الإيرانية، التى انتهت باتفاق ٢٠١٥، وفى مذكراته، التى صدرت فى مارس ٢٠١٩ تحت عنوان «القناة الخلفية»، أقر بأنه كان يعرف أن الإطاحة بصدام حسين ستزعزع استقرار العراق، وأن الإطاحة بحسنى مبارك ستخلق حالة من الفوضى فى مصر. وفى مقال عنوانه «نهاية التفكير السحرى بالشرق الأوسط»، نشره موقع مؤسسة «كارنيجى»، منتصف ديسمبر ٢٠١٩، أقر بأن الولايات المتحدة فشلت فى فهم وقراءة المنطقة، وأن طموحاتها تجاوزت قدراتها.

جولة «بيرنز»، التى تأتى فور فشل الجولة الثانية لوزير الخارجية الأمريكى، قد تكون لها علاقة بحالة فقدان الثقة المتزايدة بين الدبلوماسيين الأمريكيين، فى نهج إدارة بايدن للأزمة الراهنة، التى أظهرتها مذكرة مسرّبة، نشرها موقع «بوليتيكو»، أمس الأول، الإثنين، تضمنت طلبين رئيسيين؛ أولهما أن تدعم الولايات المتحدة وقف إطلاق النار، والثانى هو أن توازن بين رسائلها الخاصة والعامة تجاه إسرائيل، تلك الفجوة، التى قالت المذكرة إنها «تسهم فى تكوين التصور العام الإقليمى بأن الولايات المتحدة جهة فاعلة متحيزة وغير نزيهة، وتقف عائقًا أمام تعزيز المصالح الأمريكية فى جميع أنحاء العالم».

المذكرة، التى تم تصنيفها على أنها «حساسة لكنها غير سرية»، طالبت إدارة بايدن، أيضًا، بأن تتنقد علنًا «انتهاكات إسرائيل للمعايير الدولية مثل الفشل فى حصر العمليات الهجومية على الأهداف العسكرية». وأوضحت: «عندما تدعم إسرائيل عنف المستوطنين والاستيلاء غير القانونى على الأراضى، أو تستخدم القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، فيجب علينا أن نقول علنًا إن هذا يتعارض مع قيمنا الأمريكية».

.. وتبقى الإشارة إلى أن وليام بيرنز، الذى غادر القاهرة إلى الدوحة، حيث يقيم عدد من قيادات حركة حماس، كان قد زار العاصمة الأفغانية كابول، فى أغسطس ٢٠٢١، والتقى قادة «طالبان»، قبيل قيام الولايات المتحدة بسحب قواتها من البلاد. ووقتها، رجحت صحف عديدة، من بينها «واشنطن بوست» أن تكون محادثاته، التى كانت الأولى من نوعها بين مسئول أمريكى رفيع المستوى وقادة الحركة، هى التى حدّدت الموعد النهائى لإجلاء القوات الأمريكية، الذى جرى أواخر ذلك الشهر.