رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إفراط لا تفريط

لقد أفرطت مصر في العطاء والمنح ولم تُفرّط..
أطنان المساعدات التي منحتها مصر- عن طيب خاطر- لأهلنا في غزة تفوق ما منحته دول غنية طبّعت مع العدو ولم تطبّع مصر ولم تتهاون في حقوق الشعب المكلوم.. انتصرت مصر في الحرب وفي السلام وفي المنح وفي التفاوض.. موقف مصر المشرف من القضية الفلسطينية أخرس كل الألسنة التي ستصمت الآن للأبد.. المفاوضات التي أجرتها مصر ومواقفها الثابتة التي لا تتزعزع والدبلوماسية المصرية وما فعلته منذ بدايات الأزمة سيشهده لها التاريخ، فتاريخ الأمة المصرية مع فلسطين حقًا تاريخ مشرف عبر مختلف العصور والأزمنة وتعاقب الأنظمة، وفي العهد الحالي، ورغم كل ما مررنا به ورغم الأزمات الطاحنة التي يعيشها العالم وتمر بها مصر أيضًا، لم تقبل مصر بالتفريط في حقوق الشعب الفلسطيني.. ولم تفرط الإدارة المصرية في شبر واحد من أراضيها، فالأمر محسوم ولا يوجد مجال للجدل أو التفاوض أو المساومة على الأرض.. 
أرض مصر وأرض فلسطين لا تفريط فيها 
وأمن مصر والإقليم خط لا يمكن تجاوزه..
وخطاب السفير المصري "عمرو عاصم" في مجلس الأمن، وكذلك خطاب وزير خارجيتنا "سامح شكري"، كان خطابا قويًا، وكل مواقف مصر وعلى كل الأصعدة مواقف قوية ومشرفة قولًا وفعلًا. 
لقد انتصرت مصر وفرضت إرادتها ومررت المساعدات الإنسانية لأهلنا في غزة وفاوضت على فتح المعبر وساومت ولم يساومها أحد، ولم تسمح بعبور الأجانب أو مزدوجي الجنسية إلا بعد السماح بمرور المساعدات لغزة وعبور جرحاهم ليعالجوا في المستشفيات المصرية، 
وعندما يتعنت العدو تقابله مصر برفضها عبور من أرادوا لهم العبور.. 
فالعبور صنيعتنا منذ ٥٠ عاما، والمفاوضات لعبتنا السياسية المحنكة التي نجحنا فيها منذ استردادنا أرض سيناء، والتحكيم الدولي الذي نجحنا فيه، والآن يساوم العدو مصر على أرضها مستغلا الطرف الاقتصادي الصعب.. ورفضت مصر ورفض الرئيس المصري 
كل تلك العروض المشبوهة لتمرير مشروعهم الاستعماري الدنيء ورغبتهم في تصفية القضية والتعدي على حدودنا وأراضينا.. 
فسيناء هي درة التاج التي ما زالت تزغلل عيون العدو، ويريد السطو والاستحواذ عليها، ولكن عجلة الزمن لا ترجع للوراء، وسيناء التي رويت بالدم المصري الطاهر لا تفريط فيها. 
لقد ساوم العدو الأمة المصرية وعرض عليها إسقاط ديونها مقابل توطين الفلسطينيين من أهل غزة في سيناء، ورفضت مصر. 
عُرضت كذلك المليارات على مصر وأن تقام على أرضها منطقة حرة وموانئ ومطار، وهو مخطط خبيث للتغلغل في أراضينا والتعدي عليها واستباحتها وشرائها! لكنها أشياء لا تُشترى ولا يمكن تمريرها.
لقد رفضت وتصدت مصر لكل تلك المخططات الشريرة، وتعرف مصر حيل العدو، بل وتعرف مصر مَن عدوها وتمارس تجاهه الترقب الحذر منذ أن انتصرنا عليه، وتتضامن وتساند شعب فلسطين وتهب له ما في وسعها، وفتحت المجال للتظاهر ضد العدو التاريخي ومقاطعته ومقاطعة مَن يسانده، ونجحت حملات المقاطعة الشعبية وكبدت العدو خسائر فادحة، فسلاح المقاطعة فتاك، فتح المجال لعودة الحياة والروح للمنتج المصري والصناعات المصرية وعادت المصانع في مصر للإنتاج بكفاءة ودأب، وكان ما حدث حافزًا كبيرًا لعودة الروح للمصانع وحركة التصنيع في مصر، وتشجيع المصريين للمنتج المصري، ووقوف الشعب المصري وراء قيادته وتوحيد الصف، ونبذ أي خلافات أو اختلافات في الرؤى، فعندما يكون الوطن في خطر، والإقليم في خطر، والأمن القومي المصري في مرمى النيران، يتكاتف الجميع من أجل الجميع، وفلسطين جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والحدودي، فالجار له علينا كل الحق، وله كل الحقوق، والحق أحق بأن يتبع.. ولقد انتهجت مصر ومنذ اللحظات الأولى طريق الحق ولم تحِد عنه، وساندت شعب فلسطين في نضاله ضد العدو الأزلي الذي يعادي الجميع بمشروعه الإمبريالي التوسعي.. 
ففلسطين هي البداية، ولن يشبع مصاصو الدماء ومجرمو الحرب من الدناء والقتل والتعدي، 
فبلاد الشام ومصر وسيناء وبلاد النهرين هي مخطط العدو، الذي لديه مخططات قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى، وكانت مصر وستظل هى حائط الصد ورمانة الميزان والعقبة، بل الصخرة والسد المنيع الذي تتكسر عليه كل أطماع العدو. 
فمصر كانت وستظل تقف بالمرصاد للعدو التاريخي للمنطقة، بل وللإنسانية جمعاء، خاصة أن وجه العدو القبيح ظهر جليا للعالم كله، وانتفضت الإنسانية لتناهض ما يقترفه من مجازر وإبادة وتطهير عرقي وتهجير قسري وتوطين لمواطنين في غير أراضيهم للسطو على الأراضي واستهداف أهلها ونسائها وأطفالها؛ ليقضوا على الغد وعلى الحق وعلى البراءة، وليقضوا على الإنسانية داخل قلوب البشر، ليميتوا الإنسان وإنسانيته.
وهكذا استعدى العدو الإنسانية جمعاء ضده، واستعدى العالم كله ضده، ليقف بمفرده أمام العالم موقف المعتدي الآثم قاتل الأطفال، صاحب شريعة الغاب الذي لا يؤمن بقانون أو إنسانية. 
أما مصر فقد كسبت نفسها وانتصرت لنفسها ولتاريخها ولمواقفها الثابتة الراسخة، فاكتسبت احترام وتقدير العالم كله، بل ونالت مباركة السماء لها ليحفظها الله من كل شر أو اعتداء، لتبقى مصر هي الحصن والملاذ والحِمى لكل من يلجأ لها أو يحتمي بها.