رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحب ليس سلعة

4 نوفمبر، هو عيد الحب فى مصر. 
تحت أى ظروف صعبة، وفى وقت الشدائد والأزمات، لا يجب أن نتوقف عن الاحتفال بالحب، قولًا، وسلوكًا. 
على العكس، فإن الحب يشغل طاقاته السحرية أكثر عندما يشتد الظلام، وتيأس النفوس عن إدراك لحظة النور. 
ونتأمل أحوال العالم، نتأكد أنه عالم ضد الحب، رغم الشعارات التى يرفعها عن أهمية الحب وضرورته. 
أصبحنا فى زمن تحول العالم فيه إلى قرية صغيرة، تتبنى قيم العولمة. وبدراسة العولمة اقتصاديا وسياسيا يتضح أنها نظام لا يسمح بالحب السوى الصحى. 
كيف يمكن أن تؤثر العولمة بطريقة سلبية على عاطفة الحب بين الرجل والمرأة؟. والتساؤل عن أثر العولمة على الحب بين الرجال والنساء لا يقل أهمية عن التساؤل عن أثرها في مجال الاقتصاد، أو السياسة، أو الثقافة. ترجع هذه الأهمية ليس فقط لأن التحقق العاطفي يعكس نفسه فى مجال الإنجاز الاقتصادي أو السياسي، أو الثقافي، ولكن أيضا لأن الحب بين الرجل والمرأة هو قضية اقتصادية وسياسية وثقافية من الدرجة الأولى. فالحب لا يولد في فراغ، وإنمـا فـي منـاخ سیاسی واقتصادي وثقافي محدد، له أولوياته، وأحكامه، وقيمه، وبالتالى فإن الحب يأخذ معناه، وتتشكل أبعاده، وآفاقه، وفقا للمناخ السياسي، والاقتصادي، والثقافي السائد. 
كيف يكتسـب الحـب معناه، وتتشكل أبعاده، وآفاقه في عصرنا الحالي.. عصر العولمة؟.
تشير العولمة إلى تحـول العـالم بسبب ثورة الاتصالات والتكنولوجيا والمعلومات إلى قرية واحدة. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتفكك الكتلة الاشتراكية، وأخذ هذه البلاد لنمط الحريـة الاقتصادية، واقتصاد السوق، أصبح يهيمن على هذه القرية العالمية الصغيرة التوجه الرأسمالي، ليس فقط كتوجه للنمو الاقتصادي، ولكن أيضا كنمط للحياة ومنهج للتفكير. وبما إن انهيار الكتلة الاشتراكية قد أعطى الولايات المتحدة الأمريكية قوة أكثر، ومصداقية أكبر، في فرض نمطها الرأسمالي وتغلغله لبقية دول العالم، فإن الحديث عن العولمة يرادف إلى حد كبير الحديث عن «الأمركة»، أي أن أمريكا قد أصبحت رئيسة مجلس إدارة العالم، والمتحدثة الرسمية باسمه اقتصاديا، وسياسيا، وفكريا. وهذا ما دفع شعوب العالم للإحساس بالتهديد والخطر على هويتـها الفكرية، وخصوصيتها الثقافية، أمام الطوفان الأمريكي للعالم.

والسؤال الذي يهمنا عن أثر العولمة على الحب هو تساؤل: هل البناء الاجتماعي الحديث لحضارة السوق (أساس العولمة) يمكنه أن يخلق الشخصية القادرة على الحب، سواء للرجل، أو للمرأة؟.
تعنى حضارة السوق أن الحرية المكفولة من خلال مناخ المنافسة المفتوحة، للطلب والعرض، هي التي تحدد قيمة الشيء، أو السلعة. فالسلعة مهما كانت ذات منفعة تظل عديمة القيمة، ما لم يترجم الاحتياج إليها في شكل قوة شرائية فـي الســوق، أي فـي شـكل«استهلاك».
ويمتـد هـذا المبـدأ الاقتصـادي الاستهلاكي إلى سائر العلاقات الاجتماعية، بل إلى قيمة الإنسان نفسه.
فالإنسان يصبح مثل السلعة مهما تتوافـر لـه مـن منفعة، وطاقات، وإمكانات، كلها عديمة القيمة ما لم يكن هناك «طلب» على هذا الإنسان يمكن أن تتم مقايضته واستهلاكه في سوق الشخصية. وإذا تكلمنا عن الحب، أو العاطفة بين الرجل والمرأة، فإنها تصبح في هذا المناخ الاستهلاكي «سلعة للاستهلاك» هـي الأخـرى، أو تصبح المرادف للحصول على «صفقة تجارية» عادلة. فالمؤهلات الإنسانية، والمكونات الشخصية لكـل مـن الرجل والمرأة لها «مواصفات»، و«شهادات جودة»، تماما كما للسلع من مقاييس ومواصفات فنية، وبذلك يخـدم «الحب» بين الرجل والمرأة الروح العامة السائدة من تحـول كل شيء إلى سلعة لها ثمن، وتشبع مجموعة من الاحتياجات المتبادلة.

تغذى حضارة السوق في الرجل كيف يكون «جذابا» للمرأة، وتغذى في المرأة كيف تكون «جذابة» للرجل. بدون هذه «الجاذبية» تستحيل عملية «الاستهلاك» سواء للسلع أو العواطف. تتدخل حضارة السوق في تحديد صفات الجاذبية للرجال والنساء وفقا لاحتياجاتها، ولتطورها التاريخي، وبهذا التدخل هي تحول الرجال والنساء إلى قطيع كبير ينطبق عليه ما ينطبق على السلع، وقابلين لتلقى الأوامر دون عنف، أو دون إحساس بأنهم ليسوا أحرارا. أي أنها تحولهم إلى آلات متوائمة مع الآلة الأكبر، آلة السوق والمقايضة، والاستهلاك.
وبما أن الإنسان يصبح في عصر العولمة وحضارة السوق «آلة»، والآلة لا يمكنها أن تحب، فإن الحب في عصر العولمة غير ممكن. فالحب يفترض إنسانا حرا رجلا كان أو امرأة، والعولمة هي في جوهرها سلب لإنسانية الإنسان وحريته، اللهم إلا حرية الاستهلاك، وحرية الأداء الكفء، مثل كفاءة الآلات.
حين نقاوم عصر العولمة، وزمن «أمركة» الحياة، في الاقتصاد والفكر والسلوك، لا نقاوم فقط هيمنة وغزو نمط واحد للحياة على كل البشر، ولكننا أيضا نقاوم حضارة «ميكنة» الإنسان، و«تسويق» عواطفه وعلاقاته الإنسانية، تلك الحضارة التي تسلب من الإنسان أعـز مـا يـكـون، قدرته على الحب الناضج السوى.

من بستان قصائدى 
                 أحبك
               فى سكون الصمت 
              وفى غناء
              عذوبة الصوت
             فى الفرح النادر... 
            وعنفوان شقائى الغادر... 
            عندما يشربنى الظمأ .. أحبك
           عندما يلتهمنى السأم.. أحبك 
            فى غربتى أحبك 
           وفى يأسى
           فى وحدتى أحبك
          وارتواء كأسى.