رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتصار المصريين فى حرب العبور فى فيلم إسرائيلى

من لم يعايش انتصار المصريين في حرب العبور المجيدة في ٦ أكتوبر ١٩٧٣ يمكنه أن يشاهدها الآن في فيلم إسرائيلي يُعرض حاليًا على منصة نتفليكس، وهو فيلم "جولدا". 

إن هذا الفيلم الذي أحدث ضجة لدى عرضه في العالم هو فيلم تاريخي يتناول السيرة الذاتية لرئيسة وزراء إسرائيل خلال حرب أكتوبر "جولدا مائير"، وسبب إنتاجه أنه يقدم للشباب الذين لم يعاصروها أحد أهم رموز تأسيس إسرائيل باعتبارها أحد أهم مؤسسي إسرائيل، وهي المرآة الوحيدة التي تولت منصب رئيسة وزراء إسرائيل وحتى يومنا هذا، وكانت معروفة بقوتها وعدائها الشديد للعرب والمصريين.
وأما المدهش في أمر هذا الفيلم فهو موعد عرضه على مستوى عالمي من خلال منصة نتفليكس، حيث يتواكب مع توقيت احتفالات مصر بالانتصار في حرب العبور والتي بدأت ظهر يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ونجاح القوات المسلحة المصرية في عبور قناة السويس والوصول إلى الضفة الشرقية لها بعد نجاحها في اقتحام خط بارليف المنيع الذي كانت إسرائيل تقول للعالم إنه خط منيع من المستحيل اقتحامه، وإنهاء عبارة كانت ترددها إسرائيل بأن جيش إسرائيل لا يقهر، وكأن الإسرائيليين لونان يكون هذا هدفهم يشاركون في فرحتنا بانتصارنا عليهم بعبور قناة السويس وباستعادة أرض سيناء الغالية وكأنه اعتراف معلن منهم ببطولات رجال القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر ونجاح خطة مصر العبقرية في تمويه وإخفاء موعد الحرب.
وعلق كثير من المصريين بأن فيلم "جولدا" يظهر فشل قاده إسرائيل في التجسس ومعرفة توقيت الحرب، وأنهم يساهمون دون أن يقصدوا ذلك في احتفالاتنا بانتصارات حرب أكتوبر المجيدة كما يظهر ذلك في أحداث الفيلم.
إن فيلم "جولدا" سيظل شاهدًا على قدرة الجيش المصري وبسالة رجال القوات المسلحة في تحطيم كل المستحيلات، والانتصار على إسرائيل بعبور قناة السويس، وهذا الفيلم هو أيضًا شهادة اعتراف بشجاعة الجندي المصري وشجاعة وحكمة الرئيس الراحل محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام، والذي أصدر قرار الحرب ونجح مع قادة الجيش المصري وجنود وضباط مصر في الانتصار واسترداد جزء من سيناء الغالية، حيث كان مقدمة وسببًا مباشرًا في استعادة الأرض المصرية بالكامل من خلال مبادرة السلام الشجاعة أيضًا التي أعلن فيها الرئيس السادات في البرلمان المصري عن أنه على استعداد للذهاب إلى إسرائيل لحقن الدماء والمضي في طريق السلام واستكمال المفاوضات معها، مما أحدث مفاجأة مدوية لدى قادة إسرائيل وفي العالم أجمع للمرة الثانية. وكانت المرة الأولى هي نجاح مصر في الانتصار على إسرائيل بعبور القناة رغم كامل الدعم لها من أمريكا وإمدادها بأحدث الأسلحة، وقام السادات بزيارة تاريخية لإسرائيل في سنة ١٩٧٧ بدعوة من مناحم بيجين رئيس وزراء إسرائيل حينذاك، تم بثها مباشرة على شاشات تليفزيونات العالم.
وطالب في الكنيست الإسرائيلي بانسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي التي احتلتها في يونيو ١٩٦٧، وعلق على زيارة السادات لإسرائيل حينذاك الرئيس الأمريكي جيمي كارتر قائلًا إنها أشبه بنزول أول إنسان على سطح القمر، وبدأت المفاوضات بوساطة أمريكية وتم استرداد كامل الأرض المصرية، ورفع الرئيس الراحل محمد حسني مبارك العلم المصري علي مدينة طابا لتعود كل الأرض المصرية التي كانت محتلة من إسرائيل منذ يونيو ١٩٦٧، ولتنتهي صفحة الحرب مع إسرائيل، وتم توقيع اتفاقية كامب ديفيد في ١٩٧٨.
وفي فيلم "جولدا" نرى صدمة ورعب جولدا مائير لدى سماعها نجاح القوات المصرية في لحظات عبور القناة، وصدمة ورعب موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي، ودافيد اليعازر ورئيس المخابرات العسكرية وقادة إسرائيل الذين فشلوا في معرفة موعد الحرب وفشلوا في التجسس على القوات المصرية لمعرفة ما يحدث يوم ٥ أكتوبر سنة ١٩٧٣، كما نسمع صوت الجنود المصريين وهم يقتحمون المخابئ التي بنتها إسرائيل والمدججة بأحدث الأسلحة الأمريكية.
إن من يشاهد فيلم "جولدا" يدرك هول الصدمة والرعب اللذين اجتاحا إسرائيل كلها في يوم ٦ أكتوبر١٩٧٣ في الساعة الثانية ظهرًا وفي العاشر من شهر رمضان سنة ١٣٩٣ هجريًا.

إن مشهد رفع العلم المصري على أرض سيناء الغالية ما زال حاضرًا في ذاكرتي لا يغيب رغم أنني كنت صغيرة السن حينذاك، وإنني أتذكر كل اللحظات والأيام التي حدثت فيها الحرب، كما لا تغيب مشاعر الفخر والاعتزاز ببطولات رجال الجيش المصري وبالرئيس السادات الذي وضع هذه الخطة الاستراتيجية العبقرية وقرار العبور الشجاع الذي اتخذه وقادة الجيش الذين كانوا وراء هذا الانتصار المدوي في العالم.
ويتضمن الفيلم أيضًا مشاهد حقيقية كما يتضمن تفاصيل القرارات التي اتخذتها جولدا وتفاصيل ١٩ يومًا من حرب العبور كما نطلق عليها في مصر أو حرب كيبور أو حرب الغفران كما يطلقون عليها في إسرائيل، كما يتضمن بعض تفاصيل من حياة جولدا في بيتها ومن المشاهد التي توقفت عندها وما زالت في ذاكرتي مشهد حقيقي عن عملية تبادل الأسرى، حيث نرى الجنود الإسرائيليين يرتدون بيجامات من قماش الكاستور المصري بناءً على توجيهات الرئيس السادات.
ويبدأ الفيلم بمشاهد التحقيق مع جولدا في سبب تأخرها في الدفع بجنود الاحتياط في ٥ أكتوبر ١٩٧٣ وهي تحقيقات لجنة أجرانات التي أجريت لها بعد توقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل، كما تظهر في الفيلم شخصية هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا ودوره في دعم إسرائيل وهو يهودي منحاز تمامًا لدعم جولدا وإسرائيل، كما ظهر أيضًا مشهد حقيقي للرئيس السادات في  لقطة من زيارته إسرائيل في مبادرة السلام وهو يتحدث مع جولدا مائير التي كان يطلق عليها السيدة العجوز كما ظهر ذلك في اللقطة الحقيقية في داخل الفيلم.
وهذا الفيلم الذي يلقى مشاهدة عالية حاليًا عُرض لأول مرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي، ويبدأ بلقطة من التحقيق مع جولدا، التي أدت دورها باقتدار شديد وتقمص تام الممثلة الإنجليزية القديرة هيلين ميرين التي تبلغ من العمر ٧٨ عامًا، والتي حصلت قبل ذلك على الأوسكار عن تقمصها أو تمثيلها لدور الملكة إليزابيث ملكة إنجلترا، وتلقت هجومًا ونقدًا لاذعًا من اليهود في داخل وخارج إسرائيل لقيامها بهذا الدور لكونها ليست يهودية وانصب الهجوم على اختيار ممثلة غير يهودية لتأدية دور شخصية مهمة في إسرائيل وهي جولدا مائير، وتم بث ذلك في قناة سي إن إن الأمريكية وغيرها وفي بعض الصحف والقنوات البريطانية.
إلا أن هيلين ميرين ردت بعبارتين واضحتين حيث قالت بهدوئها المعروف عنها حول موجة الهجوم عليها: "نحن جميعًا مزيج رائع من الثقافات والديانات، وأنا لا أستطيع التفريق بين من هو يهودي وغيره، وليس لدي مشكلة في أن يلعب ممثلون غير يهود أدوارًا يهودية، مثلما ليس لدي أي مشكلة مع ممثل يهودي يلعب دور غير يهودي مثلما حصل مع كيرك دوجلاس الممثل الأمريكي الذي تصادف أنه يهودي إلا أنه قام بدور فايكنج، وقام بإخراج هذا الفيلم المخرج الإسرائيلي جاي ناتيف ويعرض حاليًا على عدة منصات عالمية.
وكتبه نيكولاس مارتين ويشارك في بطولته كاميل كويتن وليف شريبر الذي أدى دور وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، إنني أتوقف هنا عند نقطة مهمة وهي ما استطاع أن يحققه هذا الفيلم من حيث انتصارات المصريين في حرب العبور فهو اعتراف علني من جانب الإسرائيليين وقادة إسرائيل بمهارة وقوه الجيش المصري وبخطه العبور العبقرية التي تمت بعقول وأيادٍ مصرية، وهذا يعتبر في تقديري إعادة إحياء لأيام مجيدة عشناها في مصر حينما كنا صغارًا حول تفاصيل نجاح القوات المصرية في عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف المنيع بمهارة وجسارة وشجاعة فائقة.
وهي لحظات فارقة في تاريخنا الحديث تستحق أن نفخر بها وأن تعرفها وتشعر بها الأجيال الشابة التي لم تعرف حلاوة الانتصار والفخر والكرامة والمجد، ويصبح من دورنا نحن أن نعرفها لهم ونحكيها لهم، ومن الضروري أن يدرك أهمية هذا الانتصار العظيم أبناء مصر من الأجيال الشابة لتبث فيهم روح الولاء ويعرفوا قدر التضحيات التي قدمها أبطالنا من القوات المسلحة والذين ما زالوا يحمون الأرض والعرض ويقدمون تضحيات كبيره في سبيل الوطن كل يوم وبطولات تستحق أن تروى من أجل أن تحيا مصر معززة مكرمة دائمًا، وكل عام ومصر في أمان واستقرار وسلام وتنوير وتقدم بمناسبة مرور خمسين عامًا على انتصارات مصر في حرب أكتوبر المجيدة.