رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأم " بوتيلباى " وحمْلْها التاريخى

       ان الهند، ليست بلدا مثل البلاد الأخرى. هى أرض الحضارة، والفلسفة، وعبق التاريخ. والهند، حقا، أرض العجائب، والتناقضات، وتنوع الديانات، والثقافات. لا تحتاج
الهند، الا الى زيارة واحدة، حتى تسحرنا، وتحيرنا.
       مرة واحدة، الى الهند، كافية لأن تبقى الى الأبد، فى الذاكرة.
كان يُطلق على الهند، " جوهرة التاج البريطانى ".
والهند، فى حياتى، " جوهرة من جواهر ذكرياتى ". فقد كانت الهند، هى أول سفرياتى، أول مرة أركب طائرة. وكانت الخطوط الجوية الهندية، أول خطوط، تحملنى عبر الهواء.
   حضرت احتفالات الشعب الهندى، بيوم الاستقلال 15 أغسطس 1947. 
      رأيت كيف يحتفل الجميع النساء والرجال والشباب والشابات والأطفال، وحتى الطيور والورود والأزهار، كلهم على اختلاف عقائدهم، ولغاتهم، ودياناتهم، وطوائغهم، وأسمائهم، يعبرون
عن فرحة شعبية غامرة، ترسخ توحدهم، وتعمق من انتمائهم الى الهند، والى " غاندى " صانع استقلالها. 
        شاهدت كيف فى يوم الاستقلال، يطل الزعيم " غاندى "، لا مثيل ولا شبيه له، فى التاريخ
2 أكتوبر 1869 – 30 يناير 1948 - من قلوب الشعب الهندى، شامخا، وفى الوقت نفسه، متواضعا..
       هو الزعيم الذى أشعل الكفاح ضد الامبراطورية البريطانية، حتى الجلاء، والاستقلال.  
لم يكن " غاندى "، مجرد زعيم أعاد الحس القومى، وألغى الفروق المصطنعة،
وأشعل المقاومة الشعبية " السلمية "، وجدد كرامة الانتماء، الى الوطن.
     لكنه تحول، الى ما يشبه " التعويذة "، التى تتلوها، الهند، لكى تستلهم القوة على
الاستمرار، مرفوعة الرأس، فى الحاضر والمستقبل.
   أعتقد أننى، لا أستطيع الحديث، عن استقلال الهند، دون الحديث عن " غاندى ".
بالطبع، أنا منحازة، الى " غاندى "، انحيازا مطلقا رغم بعض التحفظات، التى لا تقلل من ندرته كواحد من الخالدين. 
      ب حكمته العميقة، وسمو روحه، ورحابة انسانيته، حررنى أنا الأخرى، من حماقات
العالم، واغراءات الحياة الفانية. وأنا منحازة أيضا بشكل مطلق، للهند، بطعامها الحار الذى أعشقه، و" تاج محل "  الذى يخطف العقول والقلوب، وموسيقاها الفريدة فى ايقاعاتها ومذاقها،
ورائحة جوز الهند، ورائحة البخور، ورائحة تاريخ المعاناة المرسومة على الوجوه، وشكل الزى التقليدى للمرأة " السارى ".
اذا حضرت الهند، حضر غاندى. واذا حضر غاندى، حضرت الهند. هكذا نجح
" غاندى "، فى أن يخلق الترادف، بينه وبين الهند وطنه، وقضية حياته وموته.
لكنه كان ترادفا، واعيا، واقعيا، متفتحا، انسانيا، غير متعصب.
فعندما سئل " غاندى "، أيهما يفضل، الهند، أم الحق. قال: الهند والحق، عندى
عندى مترادفان. لكننى اذا خُيرت بينهما، أختار الحق.
فى ذكرى ميلاده، ال 154، هذا العام  - عام 2023 -  دعونا نطل، على حياة هذا الزعيم
الفريد المتفرد... المهاتما غاندى، الذى بهر العالم، وأحبه الأعداء قبل الأصدقاء، وأنجز المهمة المستحيلة..... اخراج الانجليز من الهند.
   العالم كله، وأوله منْ هاجموه وحاربوه وسجنوه وعذبوه، يحتفل بميلاده المجيد. كان يوم ٢ أكتوبر ١٨٦٩ يوم ميلاده، نذير شؤم لكل آكلى لحوم البشر أحياء، ومغتصبى الأرض والكرامة. وكان بشارة خير ونور للمقهورين، الفقراء، والمعدمين. حملت به أمه " بوتيلباى " آلاف السنوات، وليس تسعة أشهر. لكنه اختار اليوم الثانى من الشهر العاشر سنة ١٨٦٩، لينهى تأملاته وأحلامه وأمنياته فى الرحم، ويبدأ تحقيقها فى الهند «الرحم الأكبر»، وطنه ورسالة حياته ومسقط الرأس وحضن الرفات المحترق.
تُرى، هل شعرت أم «غاندى» بأنها بهذا الحمل الفريد، قد جعلت التاريخ البشرى، ينحنى " احتراما "
و " امتنانا " لعطائها النادر؟. هل كانت أم «غاندى» تحس بقلب الأم الذى لا يخطئ،  بأنها تسير وفى أحشائها «نبوءة» و«ثورة»؟. ربما لهذا السبب جاءت ولادتها دون ألم، دون استشارة أطباء النساء والتوليد، ودون قطع الحبل السُرى، الذى يربطها إلى الأبد بالشعب الهندى، وحضارته العريقة وإمكانياته اللانهائية.
    أتأمل كيف نعيش ونموت، بأوامر من ماكينات سفك الدماء. قلة همجية متنمرة متوحشة مختلة العقل، تملك الفلوس والثروات والأسلحة والإعلام والثقافة والتعليم والأديان. تعيش على إثارة الفتن، وسرقة الضعفاء، وصناعة الأكاذيب، واغتصاب حرية وكرامة وأمان الشعوب. فأدرك أننا نحتاج إلى مئات من «غاندى». كان الأب الروحى، والمعلم، والملهم، والمناضل، رسول اللاعنف، نبى الحرب دون قطرة دماء.
    كم هى مفارقة مؤلمة، لكنها متكررة عبر التاريخ، «غاندى»، الذى عاش يدعو إلى اللاعنف والتسامح الدينى، قتلته رصاصة هندوسية متعصبة، فى ٣٠ يناير ١٩٤٨.
  مع " غاندى "، تتجدد دائما دهشتى. هذا الر جل البسيط، بساطة البديهيات، نحيل الجسم، نصف العارى، وتساعده عصا ه، فى المشى،لا يملك سلاحا، الا ايمانه، ب الهند، ونبذ العنف. هذا الرجل هادئ الحركات، رقيق الصوت، فى قلبه، التسامح، والمحبة، والسلام،
كان الخطر الأكبر، على امبراطورية، تملك كل الأشياء، المال، والنفوذ، والأسلحة،
و الجيوش، وخبرات الاحتلال، والحلفاء، والقمع، والتعذيب.
       وكأن الشعب الهندى، كان فى انتظار، الزعيم الذى يُلهمه، ويثق فى قدراته، ويُراهن على وطنية مسالمة، وثورة لا تريق الدماء، لا نتزاع كرامته، واستقلاله، وحقه الطبيعى، فى الحرية،
وتقرير المصير.
    جاء " غاندى "، من أسرة، عُرفت بتدينها الصارم الشديد. لكنه فى كفاحه يردد:
" اذا أراد الله أن يؤمن به الناس، فى الهند فليظهر كرغيف من الخبز ".
كانت الهند، بلدا مقسما، بين سبعة ديانات، متفرقا، بين واحد وعشرين ولاية، تعدادها
خمسمائة وخمسين مليون شخص، يتكلمون ما يقارب من، خمس عشرة لغة رسمية. ماذا تفعل «المهاتما» الروح العظيم؟.
أدرك " غاندى "، أن بداية تحرير الهند، هى تحرير الهنود أنفسهم،من التفرقة الدينية، والاجتماعية، والطائفية المتعصبة.
من المعروف أن الديانة الهندوكية، تقسم المجتمع الهندى إلى نظام صارم من الطوائف. على القمة طائفة «البراهما».. والبراهما هو إله الخلق والكون. لذلك فهى طبقة عليا، يمثلها القائمون على الدين والفكر. ثم نجد فى القاع طائفة التشودرا، حيث أصحاب المهن اليدوية المختلفة، وأصحاب الحرف العديدة. من هذه الطائفة فى القاع، نشأت فئة «المنبوذين»،التى تقوم ب أحط الأعمال،فى نظر المجتمع الهندى، مثل جمع القمامة، ولم جلود الحيوانات الميتة وذبحها. وقد انعزل «المنبوذون» فى مكان مخصص لهم. لا يشربون إلا من بئر خاص.. ولا يلمسون الآخرين، ويتم استغلالهم فى جميع الانتهاكات المستباحة.
طبقًا لنظام الطوائف، لا يتم التزاوج، بين طائفتين مختلفتين، ولا يحق لانسان
تغيير طائفته إلى أن يموت.
ثار «غاندى» على هذا الموروث الدينى الهندوكى. وقام ب تزويج، رجل، وامرأة، ينتمى كل منهما، الى طائفتين مختلفتين.
بل من أكثر الطوائف بعدًا، طائفة «البراهما» قمة المجتمع، وطائفة المنبوذين قاع المجتمع. وكانت هذه حادثة، لم تشهدها الديانة الهندوكية، على طوال تاريخها.
أطلق «غاندى» على «المنبوذين» اسم هاريجان، أى أطفال الله. تسائل «غاندى»: كيف نعترض على معاملة بريطانيا، لنا على أننا منبوذون، ونحن نعامل أهلنا المعاملة نفسها؟. فى عصر غاندى، كان " المنبوذون "، يشكلون 20 % من اجمالى الشعب الهندى.
إن الكتابة عن «غاندى» تشبه الغوص فى محيط عميق.. لا نعرف أين يبدأ ولا نهاية له. كتب «غاندى» «حياتى هى رسالتى» وقد توحدت حياته، ورسالته، فى قضية معاناة واحدة،
هى تحرير الهند، عاش من أجلها، وأُغُتيل ب سببها.
     لقد اُعُتقل «غاندى» عدة مرات. وأضرب عن الأكل، مرات كثيرة. لكن المرة الشهيرة،حين يئس الهنود من فلسفته،عن اللاعنف، قاموا بفتح النار على الجنود. أضرب عن الأكل،حتى كاد أن يموت.فقد آمن " غاندى "، أن اللاعنف سياسة القوى المتحضر، المؤمن بقضيته. أما سياسة العنف، فهى تعبر عن التوحش، والعجز، والسلبية.
     قال " غاندى ": سوف نخرج الإنجليز من الهند بكامل اختيارهم واقتناعهم.. ولن يحدث ذلك إلا بالتمسك باللاعنف، الذى هو قمة الثورة، وسوف يحب الإنجليز خروجهم من الهند ويعتبرونه قمة الحكمة. " وهناك مرة أخرى، كان إضرابه عن الطعام طويلًا لحدوث فتنة طائفية. وكان هذا أصعب ما يخشاه.ولم ينه إضرابه، حتى تصالح المتعصبون دينيًا،واستمعوا إلى حكمة غاندى:" هذا مايريده الإنجليز.. أن نقتل بعضنا البعض، حسب دياناتنا ".
  أكثر ما يبهرنى فى سيرة «غاندى»، ما سُمى ب مسيرة الملح فى 12 مارس 1930. فى ذلك اليوم، خرج «غاندى» من مدينته أحمد أباد، فى ولاية غوجارت،سائرًا على القدمين،إلى قرية داندى، فى مقاطعة سوارت. وقد قطع عهدًا، ألا يعود،إلا بعد تحرير الهند.
بدأ السير مع تسعة وسبعين من أتباعه. وحين وصل إلى محيط العرب فى سوارت، كان قد مشى يومًا كاملًا،قاطعًا خمسمائة كيلو متر.وعلى طول الطريق، تحول الجمع الصغير المؤمن باللاعنف، أو العصيان المدنى،إلى الآلاف من الهنود فى المدن وفى القرى،احتجاجًا على احتلال بريطانيا.
عند الشاطىء توقف «غاندى» وتوقف معه الزحف الهندى الضخم. توجه إلى تلال الملح القريبة. رفع بعض الملح، إلى أعلى ثم تركه يتساقط،مصاحبًا بالهتافات الرعدية. فقد فهم آلاف الهنود رسالة «غاندى» من هذه الحركة البسيطة. إنه احتجاج غاضب، ضد احتكار الإدارة الإنجليزية للملح، وفرضها ضرائب باهظة على تداوله.
     لكن لماذا الملح ؟.
أدرك «غاندى» أنه أفضل توحيد للخمسمائة وخمسين مليونا من الهنود. فأفقر الفقراء، الذى لا يتناول إلا قطعة من الخبز، يحتاج إلى بعض من الملح.وليس هناك جسم،يستطيع الاستغناء،عن الملح. ولهذا أُطلق هذا الزحف التاريخى: نمك ساتياجراها.. نمك يعنى ملح.. ساتياجراها تعنى، الإصرار على الحقيقة دون عنف.
وكان «غاندى» محقًا.. فالملح تاريخيًا كان سلعة ثمينة. وكان فى بعض البلاد، يُستبدل به الذهب. وفى الصين، اعتادوا على استخدام عملات، مصنوعة من الملح. وفى عدة دول كما حدث فى الهند، فُ،رضت عليه ضرائب باهظة وتم احتكاره لصالح الملوك، والأمراء. ولم يتم إلغاء احتكار الملح، الا ب ثورات الشعوب.أو ما أطٌلق عليها، " ثورات الملح "، أى ثورات الشعوب والبشر المستضفين. وهذا القول يذكرنا بقول السيد المسيح: " أنتم ملح الأرض.. لكن ان فسد الملح، فبماذا يُملح " ؟. 
   وقد نجح «غاندى» بسياسة اللاعنف، إحياء الصناعات القديمة، والحرف التقليدية الهندية، والعودة إلى النول اليدوى للغزل. أدرك أن الاستقلال السياسى للهند، لن يتحقق طالما أن الهند، تصدر إنتاجها الزراعى كمادة خام، ثم تشترى المنتجات الإنجليزية الجاهزة.ولهذا دعا الهنود إلى الامتناع عن استخدام الأقمشة الإنجليزية.
    وهكذا أصبح «النول» اليدوى رمزًا للتحرر، وأداة ثورية، لها مغزاها السياسى،
والاقتصادى، والثقافى. وأصبح أيضا كما اقترح " غاندى "، ووافق رفقاؤه وأبرزهم " نهرو "، أن 
يُرسم " النول " اليدوى، على علم " الهند "، لتخليد دوره فى الحرية والاستقلال. وهذا ما حدث. 
     أصبحت بريطانيا، مؤرقة، ب مصيرها فى الهند. وكان جنودها، يندهشون كل يوم، وهم
يرون ملايين الهنود يسلمون أنفسهم، دون مقاومة، دون عنف، لكنهم لا يشترون
الأقمشة، والبضائع، الانجليزية.
   يوم 30 يناير 1948 اُغتيل " غاندى " المناضل، أو الفيلسوف، الذى ضلَ طريقه إلى السياسة.
فى ذلك اليوم، كان " غاندى "، فى نيودلهى، فى حديقة، " بيت بيرلا "، يصلى مع آلاف المصلين 
أصابته رصاصة من أحد الهندوس المتعصبين دينيا.
دعونى أذكر، بعضا من مقولات " غاندى "، حتى نزداد، حكمة، وتواضعا، وسموا: 
- اذا أراد الله أن يؤمن به الناس فى الهند، فعليه أن يظهر كرغيف من الخبز.
- لا تستطيع أن تساعد الناس حقًا إلا إذا عشت مثلهم.. ساعد الناس على أن يفعلوا الأشياء بأنفسهم وأن يكتشفوا إمكانياتهم.. لا تحل محلهم.
- السعادة هى أن يتناغم ما نقول مع ما نفعل مع ما نحلم به.
- لو لم أمتلك القدرة على المرح وعلى السخرية لهزمتنى أول معركة.
- أيها الهنود.. أنا إنسان مثلكم.. لا تعاملونى كإله، أو إنسان لديه قدرات خارقة.. ولا تحولونى إلى تعويذة تجلب لكم الحظ السعيد.. حظكم هو فعلكم.
- لا أومن بأى فكرة دينية تناقض عقلى وتفكيرى،المنحاز للعدل والحكمة والحرية.
- كم يسعدنى الاعتقال،حتى يتأكد الهنود إننى إنسان عادى مثلهم.
- لست أطلق على بريطانيا، كلمة «العدو» لكننى أعتبرها صديقة ضلًت طريق الحكمة.
- الجسد ليس وعاء للطعام والشراب والمتع الحسية.. لكنه أداة ثورية.. ورمز للاحتجاج ووسيلة لإعلان الغضب.. لذلك فأنا بحياتى عشرات الإضرابات التى جعلت الموت صديقى.
- الذى يعفو أرقى من الذى ينتقم. السلام أرقى من الحرب.
- نحن موجودون على الأرض بسبب النساء.. فلا تسيئوا معاملتهن أيها الرجال.
- الحقد يستنزف طاقتنا.. ويجعلنا عبيدًا لغريزة شريرة.. همجية.. لا حق لنا فى ممارستها.
- اللاعنف سياستى.. والتواضع فلسفتى..والهند الحرة غايتى..
- لا تيأس من الحياة رغم مآسيها.. ففى النهاية لا يتسخ البحر لمجرد قطرات ملوثة من الماء.
عُرف عن " غاندى "، الكثير من الدعابات الساخرة، التى تفضح الكذب، والظلم، والقبح. دعابة شهيرة،حين دعُى لحفل استقبال فى قصر الإمبراطورية البريطانية. وذهب كما هو، يرتدى ً الثوب الأبيض، الذى يكشف جسمه النحيل،أكثر مما يستره.سأله أحد المدعوين الإنجليز باستنكار: أهذه ملابس تناسب لقاء الملك؟.
بابتسامة هادئة ودودة رد «غاندى»: اطمئن يا صديقى فالملك يرتدى من الملابس ما يكفينى ويكفيك ويكفى كل المدعوين.
     أعطى " غاندى "، النموذج لصدق الزعامة. فكانت حياته أبسط من البساطة.. متقشفة أكثر من حياة،أفقر الفقراء فى الهند. فلم يملك من هذه الدنيا الفانية، إلا كوخًا صغيرًا بسيطًا هو الذى صنعه بنفسه على نهر «السابارماتى» يتغذى على لبن المعزة التى تنطلق بجانب الكوخ ويكمل الوجبة بقليل من الأرز والليمون، والتمر لا يشرب الكحوليات، أو الشاى، أو القهوة.. لا يقتنى إلا ثوبًا أبيض من القطن الهندى ونظارته الشهيرة.. صندلًا.. مكتبًا بسيطًا.. دواية حبر.. ريشة.. إناءين من الفخار.. طبقًا من المعدن.. ثلاث ملاعق بأحجام مختلفة.. سكينًا.. نولًا يدويًا.. العصا التى تساعده على المشى والحركة.. وردة حمراء فى كوب ماء.
سألتهم فى الهند، خلال رحلتى، لماذا كل هذا التقشف؟. أجابت امرأة أسمت ابنها:
" غاندى "، كان متقشفًا مع النساء فلم يتزوج غير زوجته. وكان متقشفًا مع متع الدنيا ".
ما أعتبره درسا، للزعماء، والحكام، فى كل مكان.. قال " غاندى " …
"الفقر موجود لأننا نأخذ أكثر من حاجتنا.لا أستطيع أن أكافح الفقر فى وطن،غالبيته لا يجد قوت يومه. ولا أجرؤ على إلقاء خطبة، عن القيم النبيلة وعن العدالة، وعدم التفرقة والمساواة، بينما أعيش حياة الأثرياء، فى بلد ملايين من الفقراء ".
تم اختيار ٢ أكتوبر، مولد «غاندى»، ليكون اليوم العالمى لنبذ العنف تكريمًا له، وتدعيمًا لسياسة اللاعنف والعصيان المدنى والمقاومة السلبية.
    فى ١٤ مارس ٢٠١٥، فى لندن، فى ميدان البرلمان، أزيح الستار عن تمثال «غاندى»، وهذا التاريخ يوافق مائة عام، حينما عاد «غاندى» إلى الهند من جنوب إفريقيا، حيث كان يعمل بالمحاماة لكى يتفرغ للنضال لتحرير بلاده، وكان يبلغ من العمر ٤٦ عامًا.
   يا للمفارقة، تمثال «غاندى» يرتفع شامخًا، وقورًا، منتصرًا، وفخورًا، فى قلب لندن، فى عقر دار الإمبراطورية العتيدة، المسماة الإمبراطورية التى لم تكن تغيب عنها الشمس، والتى طاردت «غاندى» واعتقلته سنوات أكثر من مرة.
يا للمفارقة، ذهب الجميع، " وراء الشمس "، أصحاب الامتيازات، والمراكز المرموقة، وترسانة الأسلحة، والتحالفات الاستعمارية الدولية، الذين كانوا يركبون الخيل، ويضربون الشعب الهندى بالرصاص والعصا والكرابيج، ولم يبق إلا «غاندى» والشعب الهندى.
-------------------------------------------------------------------------
              
من بستان قصائدى 
--------------------      

               لا أستطيع الهروب من نفسى
                ولا يمكننى أن أغير حياتى
               لن أقدم على الغرق مثل فرجينيا
              ولن أبلع حبوبا مخدرة مثل داليدا 
              حياتى التى أدمرها وتدمرنى 
             هى ملامحى ومصيرى وقدرى
              أحبها لأنها أصيلة وفريدة
               رغم كيمياء مخى
              المسكونة بألف عفريت 
              رغم خيالات مجنونة
             ومذاق السأم المقيت
             هى حياتى 
             نصف ورثته 
             ونصف آخر صنعته 
            بأعصابى ودمى وتأملاتى
            وأحلامى العنيدة
            أنا كما أنا
         وهذه هى حياتى 
         ابنتى الوحيدة 
         أحيانا ألعنها
       أحيانا أتنصل منها
     وأنكر  عليها أمومتى 
     لكن قلب الأمهات
     يرق يغفر يسامح 
    وفى النهاية
  هى التى ستبقى معى
  فى وحدتى وشيخوختى