رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فطرة الكرامة


شاهدت بالأمس برنامجًا على قناة "يوتيوب"، يعرض لجريمة من إحدى الدول العربية، رجل يطلق الرصاص على زوجته وقبل شرح الجريمة قال المذيع إن من الطبيعى أن تتفرغ الزوجة للبيت وتلبية رغبات زوجها وخدمة أطفالها. وقال إن المرأة عدما تعمل خارج البيت، وتحصل على راتب، فإن قلبها يقوى على عدم طاعة زوجها، خاصة إذا كان راتبها يفوق راتبه. وعدم طاعة الزوج، أمر مرفوض، لا يرضى الرجال، وهو سبب المشاكل الزوجية، التى تنتهى بجرائم بشعة مثل جريمة اليوم. وقد نصح الزوجات بعدم إغضاب الزوج، وطاعة كل أوامره بابتسامة. فالرجل يتزوج ليجد الزوجة المطيعة المريحة، والتى تقول: "حاضر". وهذا دور الزوجة الذى يدور فى كيفية البحث عن سعادة الزوج الذى يحب أن يكون "ملكا" فى بيته، لا ترد له كلمة.
وفى الحقيقة هذا المحتوى الإعلامى يتكرر كل يوم، فى برامج مختلفة. 
لا أشاهد أى محتوى اعلامى، يشجع المرأة على تكملة التعليم، والنظر إلى نفسها كعاملة مجتهدة فى أى مجال، تنفع نفسها، وتضيف إلى المجتمع طاقة إنتاجية، هو فى أمس الحاجة إليها. 
وبكل أسف، تتبنى نساء إعلاميات هذه الصورة النمطية أيضًا، وليس فقط الإعلاميون الذكور.
فهن يزرعن فى رأس المرأة أن التعليم والعمل والاستقلال الاقتصادى لن
يسعدها إذا فات القطار ولم تتزوج وتنجب. ويشجعن المرأة على طاعة الزوج ، حتى لا تصبح ناشزًا، ويطلقها الزوج.                        
   لست متفائلة إذًا من تحرير النساء . فالأسمنت المسلح الذى يعوق التغيير الجذرى
لتحرير المرأة من استعباد الذكورية، لا يُمس، وأقصد به "الطاعة" الخرسانية، 
الموصوفة بالفضيلة الأسمى للنساء.
     "طاعة" مفروضة على النساء، منذ الميلاد حتى بيت الزوجية حتى القبر، 
فى أساس الأحوال الشخصية، المؤسسة  للأسر والبيوت.  إن "الطاعة" للذكور، 
مقابل "الانفاق" الذى يطعم المرأة، هو "لب" القضية. حتى لو أنفقت المرأة، على البيت، مع الزوج، تظل "طاعتها" له، "مقدسة"، لا تناقش، لا تمس، لا تنقص. والاعتراض على "الطاعة"، يجعل المرأة فورا "ناشز"  "ناقصة الدين" "ضد الشرع"، أو "مجنونة"، وضد الأنوثة والفطرة والأسرة والمجتمع، تعمل لصالح الشيطان. المرأة غير "المطيعة"، هى فى حكم "المرتدة"، أو "الكافرة".  
 بل إن الهدف من خلق المرأة هو "طاعة الرجل"، وعدم إغضابه، والتفنن فى إرضائه نفسيا، وجسديًا. 
لم أسمع امرأة تدافع عن حقوق المرأة ، تقول إن "الطاعة" من ميراث
العبودية، ومن قاموس العبودية، عصور الأسياد التى تأمر والجوارى والعبيد الذين
يطيعون الأوامر وأن العبودية رذيلة وليست فضيلة، انتهت من سنوات طويلة، ولا بد أن يكون هناك قاموس جديد إنسانيًا، ينظم العلاقات بين النساء والرجال. 
    رفض "الطاعة" يخيف الجميع، لأن طاعة الرجل من طاعة الرب، والناس لا تريد
البهدلة فى المحاكم، فى قضايا ازدراء الأديان، أو انكار المعلوم من الدين بالضرورة، 
أو إهانة الذات العليا للذكور، أو حتى مجرد الوضع فى خانة مغضوب عليها. 
إن شهوة التحرر من "الطاعة"، لا تحتاج إلي وعي معقد، أومنطق متفلسف عميق، أو شهادات جامعية مرموقة، أو عضوية فى جمعية نسائية.
     تحتاج فقط إلى "فطرة الكرامة"، التى خربها التعليم والثقافة والدراما، الموروثة، وعلاقات الحب والزواج المريضة، والاستعداد لدفع ثمن هذه الكرامة، مهما كان قاسيًا، والقدرة على الاستغناء عن مزايا الطاعة المزيفة. 
      منذ طفولتى، وأنا أسمع من أمى، كيف أن والدها، الذى لم يكن ذكوريا، 
وكان يحترم زوجته "جدتى"، مرة واحدة فقط ، رفع صوته على جدتى، أم أمى، انسحبت جدتى فى هدوء، وذهبت لإعداد حقيبة السفر. سألها جدى: "رايحة فين يا زينب؟". قالت له: "أروح أشتغل غسًالة فى البيوت، ولا إنك ترفع صوتك عليا". ومنذ ذلك اليوم، لم يرفع جدى، صوته فى البيت مرة أخرى. ليس نوعًا من الخوف. ولكن لأنه رجل ذو إنسانية عادلة، يثق فى نفسه، وفى حبه واحترامه لزوجته، التى أدرك أنه أخطأ فى حقها، بمجرد الصوت المرتفع. 
من بستان قصائدى 
-------------------     
أنا الآمرة 
لا المأمورة 
أنا الساحرة 
لست المسحورة  
أفضح 
الخفايا المستورة   
أصنع المستحيل
لست قارورة   
ليس على رأسى بطحة 
ولا عينى مكسورة 
 وديعة أنا
متوحشة عند الضرورة 
فيلسوفة صارمة وقورة 
وأحيانا أتدلل كالسنيورة
أنتظر حضارة المطر 
أرقص على إيقاعات الألم 
وأغنى منطلقة كما الشحرورة