رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشباب.. والوعى السياسى

الشباب.. والوعى السياسى

محسن الفحام

تمر البلاد حاليًا بمرحلة أحسبها من أهم مراحلها السياسية بعد أحداث 2011، حيث نترقب جميعًا نتائج الحوار الوطنى ومخرجاته وما سوف يترتب عليه من تعديلات تشريعية أو إجراءات تنفيذية فى جميع المحاور السياسية والاقتصادية والمجتمعية تؤثر بشكل إيجابى على مسيرة الدولة المصرية نحو تحقيق التنمية المستدامة على كل المجالات، وكما رأينا كيف جاءت تلك الاستجابة السريعة من جانب الرئيس لدراسة تلك المخرجات لتؤكد على حرص سيادته لإنجاح الحوار الوطنى الذى لم يترك قضية جوهرية أو فرعية إلا وتعرض لها، بما فيها قضايا تعديلات عدد أعضاء غرفتى النواب والشيوخ والنظام الانتخابى للمجلسين، ناهيك عن قضايا الأسرة والمجتمع المدنى وحقوق الإنسان وتنمية الصناعات الصغيرة لإيجاد فرص عمل للشباب.
وأتوقف هنا عند القضايا التى تهم الشباب، بحسبان أن كل ما يدور على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية سوف يصب فى النهاية لحساب الشباب سواء كان ذلك إيجابيًا أو حتى سلبيًا.
فى البداية يجب أن أشير إلى فكرة إنشاء كيان سياسى شبابى باسم تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وكيف أن هذا الكيان أصبح أحد العناصر المؤثرة بشكل أو بآخر على صنع القرار أو على مناقشة القضايا والأوضاع التى تهم المجتمع المصرى بمختلف فئاته واتجاهاته وأصبح هذا الكيان يمثل مزيجًا متجانسًا من الأفكار التى يحملها كل حزب من الأحزاب التى يمثلونها ويعبرون عن توجهات تلك الأحزاب من خلال مقاربات وتناغم يعكس رؤى متناسقة تهدف فى النهاية إلى تحقيق المصلحة العامة والعليا للدولة المصرية.
من المعروف أن جميع العناصر الشبابية التى تشرفت بالانتماء إلى تنسيقية شباب الأحزاب قد حصلت على دورات تدريبية وتثقيفية وسياسية على أعلى مستوى وتتحرك من خلال منظومة محددة وواضحة لتحقيق الإطار المثالى المنشود لهم شكلًا وموضوعًا.
ولكن يثور السؤال هنا.. وماذا عن الشباب الذين لا ينتمون لأى أحزاب سياسية أو كيانات أخرى من منظومة المجتمع المدنى بصفة عامة؟.. هل هم مؤهلون لممارسة أو للمشاركة فى أى عمل سياسى؟.. هل لديهم ذلك الاهتمام بما يدور حولهم من أحداث سياسية أو متغيرات مجتمعية أو اقتصادية تؤثر على مجتمعاتهم وحياتهم المستقبلية؟ هل هؤلاء الشباب لديهم الوعى السياسى الكافى للاعتماد عليهم أو لمشاركة أقرانهم من شباب الأحزاب أو المحليات خلال المرحلة القادمة؟
فى هذا الإطار فقد اطلعت مؤخرًا على نتائج دراسة ميدانية قامت بها كلية الآداب- جامعة بنى سويف بمعرفة الدكتور قبانى عاشور للوقوف على درجات الوعى السياسى لدى الشباب المصريين من خلال شرائح اجتماعية متباينة تهدف إلى رصد مستوى الوعى السياسى لدى الشباب والكشف عن أى مدى يختلف مستوى ذلك الوعى لديهم باختلاف الشريحة الاجتماعية التى ينتمون إليها.. وقد قامت تلك الدراسة على خلفية تصاعد الدعوات إلى تحقيق بعض الإصلاحات السياسية وإلى المزيد من الحريات والديمقراطية- وهى أحد مخرجات الحوار الوطنى فى المحور السياسى- وبالتالى فإنه يستلزم لتحقيق ذلك ضرورة وجود أفراد لديهم وعى سياسى يدفعهم إلى التفاعل المؤثر فى العملية السياسية فى المجتمع، خاصة من الشباب الذين يمثلون النسبة الكبرى من الشعب المصرى ما بين 16 و40 عامًا، وهم الذين سوف يكونون قادة المجتمع فى المستقبل القريب من خلال تقلد معظم مناصب الحياة العامة.
كان أساس المقياس الذى قامت عليه تلك الدراسة يقوم على ثلاثة أقسام رئيسية، وهى الانتباه السياسى: ويقصد به الاهتمام المعرفى بالموضوعات والأحداث السياسية من خلال البيئات الاجتماعية المختلفة التى ينتمون إليها.. أو من خلال وسائل الإعلام والاهتمام بتحديث معلوماتهم السابقة.. والثانى: الفهم السياسى، ويقصد به قدره الفرد على التفكير بعمق فى الحقائق والموضوعات السياسية واستخلاص الاستنتاجات بشأنها والقسم الثالث: المعرفة السياسية، وهى سعى الفرد للتعرف على الحقائق الأساسية المحيطة بالسياسة، مثل التعرف على أصحاب المناصب أو الأنظمة السياسية والقضايا الداخلية والخارجية التى تهم الدولة المصرية.. ومن خلال تلك الأقسام الثلاثة يتكون الوعى السياسى لدى الأفراد.
وقد خلصت تلك الدراسة المهمة إلى النتائج التالية:
- درجة مستوى الوعى السياسى لدى الشباب متوسطة فى أقسامه الثلاثة التى أستند عليها قياس ذلك.
- عدم وجود فوارق جوهرية بين مجموعتى البحث من الذكور والإناث من الشباب، سواء من طلبه الجامعة أم الفئات الأخرى التى تضمنها عملية القياس.
- هناك علاقة طردية بين كل من الحالة التعليمية والوعى السياسى، فكلما ازداد مستوى التعليم ازداد مستوى الوعى السياسى لدى الشباب، كذلك الحال بأنه كلما زاد عمر الشاب كلما زاد مستوى وعيه السياسى.
- فى ذات الوقت فإن هناك فوارق فى الوعى السياسى، تبرز كلما اختلف مستوى دخل الفرد ومكانته الاجتماعية ومنطقة سكنه، حيث يزداد الوعى بارتفاع تلك المستويات وتنخفض بانخفاضها.
* وعلى الرغم من أن تلك الدراسة لا يمكن تعميمها على المجتمع ككل فإنها، ودون شك، تعطى العديد من المؤشرات التى يجب أن ننتبه لها ونتعامل معها بإيجابية واهتمام، خاصة أنها تتعلق، كما سبق أن أشرنا، إلى الشريحة الأهم فى الدولة المصرية حاليًا وهى شريحة الشباب.. ومن هنا فإن هناك العديد من التوصيات التى نرى ضرورة الأخذ بها ونحن على مشارف عام دراسى جديد سوف يتخلله العديد من الأحداث السياسية المهمة، لعل من أبرزها الانتخابات الرئاسية الجديدة وبداية فصل تشريعى جديد، علاوة على احتمالية مناقشة العديد من القوانين والتشريعات التى دعا الحوار الوطنى إلى النظر إليها.. ولعل من أبرز تلك التوصيات:
- ضرورة قيام الجامعات بتفعيل الأنشطة الطلابية التى تهدف إلى تعزيز مستوى الوعى السياسى لدى الشباب فيما يتعلق بالقضايا الوطنية والقومية.
- الاهتمام بربط الشباب بالمؤسسات السياسية فى الدولة مثل المجالس النيابية والمحلية والأحزاب وجمعيات المجتمع المدنى لتوعية الشباب بأهم القضايا السياسية فى الدولة وأساليب مواجهة المشكلات المختلفة.
- النظر فى إدخال مقرر أكاديمى فى الجامعات المصرية لتدريس مسار النظام السياسى فى مصر، لتزويد الطلبة بالمعرفة حول ذلك النظام وفلسفته وأهدافه وغيرها من الموضوعات التى تسهم فى التوعية السياسية لهم، حتى يتسنى انخراطهم فى عملية التنمية السياسية التى تعتبر حاليًا أحد أهم أولويات العمل السياسى فى مصر.
- العمل على تدريب الشباب على الفعاليات السياسية والانضمام إلى المؤتمرات والمشاركة فى الانتخابات للتدريب على ممارسة الحياة السياسية.
- مشاركة الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب فى العملية التثقيفية لشباب الجامعات بما يمكنهم من الوقوف على مفهوم العمل الحزبى والسياسى، بحيث يمكنهم ذلك من تحديد اتجاهاتهم السياسية والوقوف على حقوقهم ومكتسباتهم المشروعة، بما يسهم فى بناء مجتمع سياسى وديمقراطى يهدف إلى تحقيق المصلحة العليا للبلاد.
* الوعى السياسى يتطلب رؤية عامة وشاملة للحياة السياسية ككل وليس فقط لما يحدث داخل البلاد بل ما يحدث عالميًا، حتى نستطيع أن نعرف أين نحن وما هو المطلوب أن نقوم به تحقيقًا لما هو أفضل بدلًا من الانقياد إلى الانتقاد والتأثر بالشائعات المغرضة التى لا هدف لها سوى زرع اليأس والإحباط.
وتحيا مصر.