رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كرش جينكيز.. وطائرة زامبيا

عندما هددت تركيا سوريا برعاية أمريكية في عهد الجمهورية العربية المتحدة، الذي كان رئيسا عليها في ذلك الزمان الرئيس المصري جمال عبدالناصر كتب الشاعر المصري الكبير صلاح جاهين "أغنية" لحنها وغناها الموسيقار الكبير "سيد مكاوي" يقول بعض كلماتها "تركي بجم- سكر انسجم 
لاظ شقلباظ - زنان كبير يمضغ لبان" إلخ. 
كلمات تلك الأغنية التي عبرت آنذاك عن رؤية المصريين للاتراك المعروف عنهم بياض البشرة والقوام الممتلئ ومؤخراً حضر إلى مصر "يوتيوبر" تركي ينتمي لهذا الزمن.. زمن الـ"تيك توك" و"يوتيوب" والـ"بلوجرز"، وأمثال هؤلاء يربحون المال من الهواء الطاير وبأقل مجهود أو ابتكار! والفضل يرجع للترند وهو شيء دخيل على حياتنا وثقافتنا.. وعدم الانشغال بما هو مفيد أو قيم يدفع الفاعل والمتلقي لاختراع طرق يربح منها الأول عندما يشاهدها الثاني ويمضي كلاهما سعيدًا بلا جهد مبذول من الطرفين وبلا أي استفادة حصلها الطرف الثاني من متابعته الطرف الأول ولكنه الواقع الذي نعيشه وتم الزج بنا إليه وصار الترند وسيلة تربح للأول وثقافة استهلاكية ترفيهية ساذجة عادةً وغير مفيدة لمن يتلقاها ويدفع ثمناً يراه بسيطاً لضحكاته وإزجائه لوقت فراغه ووقوعه أسيرًا لما صار حديثًا في عوالم الافتراض وهو العالم الموازي الذي يعيش فيه الكثيرون وينهلون منه ويحيون فيه ومن خلاله ويستقون منه معلوماتهم وخبراتهم ومتعتهم وتساليهم ويتربح منه في نفس الوقت من لا يجد عملًا أو شيئًا حقيقيًا أو محتوى يقدمه. 
فيصبح أي عبث يقوم به أحدهم لافتًا للنظر وربما يدعو للسخرية والتنمر، ورغم ذلك يتناقله الكثيرون ويقبلون عليه بفضول وشغف! ويصبح من يقوم بالفعل العبثي شخصًا شهيرًا ثريًا.. ويركض الجميع وراء ما صار ذائعًا في الافتراض ولا يستطيع أحد وقف زحفه، بل أصبح ذلك الزحف المجاني باهظ التكاليف يزاحم المحتوى الحقيقي ومن يقدمونه في الواقع 
وسمي ذلك بالإعلام البديل.. واشتهر على أثره نجوم في الافتراض ما كان سيسمع بهم أو يلتفت إليهم أحد لولا وجود ذلك الافتراض الذي أسهم في رفع مكانة وثقل من لا ثقل لهم على حساب غيرهم، وصارت الجدارة تقاس بالكم لا بالكيف وبعدد المتابعين والمتفاعلين مع الشخص الشهير الذي ارتبطت شهرته بإدمان المتابعين على متابعة كل ما يأتي أمامهم حتى وإن كان ما يقدم لا يمنح من يقدم له أي معلومة أو إفادة حقيقية. 
وحضر إلى مصر مؤخرًا وفي فصل الصيف بلوجرز اشتهروا على السوشيال ميديا بتقديم ذلك المحتوى- الذي لا يعد حقًا محتوى بقدر ما هو أمر غريب و لافت للنظر يعرفه جمهور عريض من الشباب ويتفاعلون معه بغض النظر عن قيمة ما يقدم! 
وحضر لمصر البلوجر الألماني "نويل روبنسون"، الذي رقص مع الشباب والبسطاء والأطفال وظهر في إحدى الحفلات وظهر أيضًا في أحد البرامج التليفزيونية.. ثم حضر إلى مصر "جينكيز" التركي الشهير برقصة الكرش.
وتهافتت عليه المطاعم وأصحاب المحال، ليعرضوا أكلاتهم علينا في حضوره ويعلنوا عن أنفسهم من خلاله ومن خلال كرشه الكبير الممتلئ دومًا، والذي يعرف جيدًا كيف يجعله يتراقص.. فربح كلا الطرفين ومعهما من أراد الفرجة على كرش جينكيز الراقص الكبير ولم يخسر أحد شيئًا.
بل ربح أو حتى تربح من أراد الربح دون اختلاس أو سرقة فالأمر خاضع لقانون العرض والطلب. 
جينكيز يرقص بكرشه الكبير فتستضيفه المطاعم كنوع من الدعاية والترويج "تدعوه على حسابها وعلى نفقتها الخاصة" فيرتادها لاحقاً الزبائن ليأكلوا فيها بإرادتهم الحرة.. إذًا هي حسبة معروف أولها من آخرها وليست اختراعًا جديدًا بل أمر شائع و متكرر ومتعارف عليه في جميع أنحاء العالم. 
و كل ما حدث ويحدث وسيحدث ووصفته هنا لا يسعدني أنا ولا يزعجني أيضاً ولا أرى نفسي طرفاً فيه.. فقط أراقب المشهد عن بعد وأرصده وأرصد معه ردات الفعل المتباينة 
فلست من عشاق الترند ولا يستهويني الـ"تيك توك" بنجومه أو نجماته وليس لدي من الوقت لأزجيه في الفرجة على الكروش الراقصة أو غيرها.. وهذا لا يعني أن ذلك المثلث قد ارتكب جرمًا ما يستوجب العقاب.. ومن يقول ذلك حتمًا مغرض أو طامع أو متمنٍ لشيء لم يتحقق له فحقد على من تحقق لهم ما لم يتحقق له.. تمامًا كمن لم يذهب مثلًا لمهرجان العلمين فيراه حدثاً فاشلًا! و يبحث فيه عن الثغرات ويتهم من شارك فيه بالتفاهة أو إهدار المال ثم جاءت واقعة الطائرة المفتعلة وما صاحبها من ادعاءات كاذبة واتهامات باطلة وترويج للشائعات من هواة التربص والنفخ في الكير. 
وهؤلاء يجدون دومًا وللأسف من يردد وراءهم ما يقولونه عن جهل أو لمآرب.. ويصطادون في الماء العكر ليهاجموا الدولة بغية إسقاطها ويهاجموا القائمين على أي تظاهرة أو فعالية تحدث على أرض مصر. 
لم يسلم مؤتمر الشباب من ذات الاتهامات عند انعقاده لسنوات حقق فيها نجاحات وتواصل حقيقي بين شباب العالم.. وبعد الإعلان عن عدم انعقاده هذا العام صار مهرجان العلمين ومن أتى إليه هو موضع الاتهام! وصدق شاعر العامية المصرية الذي يعرف جيدًا نفسية المغرضين وإسقاطاتهم التي لها دومًا مردود ما بداخلهم فوصف هؤلاء الشاعر أحمد فؤاد نجم قائلا: "خلق فاضية وعاملة قاضية وهم موضع الاتهام". 
فمن يتهم الدولة بالباطل والكلام المرسل ومن يتهم القائمين على حدث ما بإهدار المال وغيرها من ترسانة الاتهامات المعلبة الجاهزة هو من يعاني من الفراغ والغيظ الذي ينخر فيه كالسوس من الداخل فيكيد للبلاد كيدًا ويصب غله وغليله وحقده على ما يحدث على أرضها وما تحققه.. ولو كان قد دعي هو للحدث الذي يهاجمه سيتغير الأمر تمامًا و كليًا وستتغير رؤيته للحدث ١٨٠ درجة وسيصير الحدث الذي هجاه وبقدرة القادر شيئا عظيمًا وسيتحول فجأةً لعمل ناجح وسيسوق له الفضائل والمزايا والمبررات.. أما لو غاب عن الحدث ولم يصبح طرفًا فيه فسيراه جريمةً تستوجب العقاب وسيطالب بالتحقيق فيه وتوقيع العقوبة على منظميه والمشاركين فيه ومن حضروه فقط لأنه لم حاضرًا ولو يكن جزءًا منه! 
فالمسألة لها علاقة بكونه مستفيداً أم لا وليست المسألة خاضعةً للمبدأ أو المنطق أو التحليل الموضوعي المنزه ويصبح ما يقال وما يساق كلامًا مرسلًا تحركه الأحقاد والكراهية بغرض التشكيك والتقزيم ويتحول كل ذلك لوجبة دسمة تتغذى عليها القنوات المعادية وتستخدمها بل وتسخرها لخدمة أهدافها لتصير معول هدم لأي بناء أو حدث تنظمه الدولة وأظن أننا من الشعوب القليلة التي تفعل ذلك بنفسها ..وفي نفسها فلم أسمع أو أرى من قبل شعبًا يضمر بعض أفراده العداء لبلاده كما يفعل البعض هنا في بلادنا. 
فالدولة الحديثة العهد بالترفيه شعبها لم يكن شوكةً في ظهرها لتدميه.. والقنوات التي تتصيد وتفتعل القضايا لبلادنا وتجعلها مادةً لإعلامها لا تتحدث مطلقاً عن الترفيه والبذخ لدى بعض دول الجوار؛ فالعديد والصراخ من نصيبنا نحن فقط ويخصص دوماً لما يحدث على ارضنا 
رغم أان كرش "جينكيز" لم يمتلئ من قوت شعبنا، بل ملأته المطاعم التي تريد الدعاية لنفسها وكل ذلك لا يراه المغرضون عمدًا، فغايتهم هي تكسير المقاديف ولسان حالهم يقول إن لم أكن جزءًا من المشهد سأحرقه وأشيطنه وأصب عليه الغل واللعنات وستعدو القافلة وستسير رغم كل شيء ورغم أي شيء وستظل الخراف تنبح بعد أن صار لها صوت من نوع جديد صياح نسمعه من بعيد في بلاد لا يحبنا أهلها فخصصوا فيها منابر للقدح والهجوم علينا وإن ادعوا حبهم لنا.. وأعتقد أن ما تقدمه القنوات الكارهة ويستطيع الجميع مشاهدته ينفي تمامًا أي اتهام له علاقة بنظرية المؤامرة.. فهنالك بالفعل ما يحاك لمصر منذ ثورة الثلاثين من يونيو ومن لا يعترف بذلك أو لا يرى ذلك قولًا واحدًا هو من المناصرين والمؤيدين لذلك الشر المجاني بعلم أو عن جهل والتاريخ لا ينسى وسيكون شاهدًا على ما يحدث.. والمواقف التي تظهر وقت الشدائد هي أيضا لن تُنسى والعبرة دومًا بالخواتيم والنهايات التي تصحح أخطاء وعثرات البدايات.