رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اجتماع الفصائل الفلسطينية

بقرار من القمة العربية، التى دعا إليها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، واستضافتها القاهرة، فى ١٣ يناير ١٩٦٤، «تأسست منظمة التحرير الفلسطينية»، فى ٢٨ مايو التالى، لتعبر عن إرادة الفلسطينيين وتطالب بحقوقهم فى المحافل الدولية. وعليه، لم يكن غريبًا أن تحرص القيادة الفلسطينية على أن تظل مصر هى المرجعية الأساسية للقرار الوطنى الفلسطينى، وأن تدعو الأمناء العامين للفصائل إلى الاجتماع فيها، إثر العدوان الإسرائيلى على مخيم جنين، الذى أسفر عن استشهاد ١٣ فلسطينيًا وإصابة أكثر من ١٢٠ آخرين.

هكذا، اجتمع غالبية الأمناء العامين للفصائل فى مدينة العلمين الجديدة، أمس الأول الأحد، ليعطوا دفعة قوية للمصالحة الوطنية، وتوحيد الصف، وتحديد أولويات العمل السياسى الفلسطينى خلال المرحلة المقبلة، أو ليقطعوا «خطوة أولى ومهمة لاستكمال الحوار»، بتعبير الرئيس الفلسطينى، الذى وجّه الشكر، مجددًا، للرئيس عبدالفتاح السيسى، والدولة المصرية، فى كلمة الافتتاح والبيان الختامى، على استضافة الاجتماع، مثمنًا رعاية مصر المتواصلة جهود المصالحة، وحرصها الصادق على إنجاحها وحماية مصالح الشعب الفلسطينى. 

إنهاء الانقسام الفلسطينى، كان الهدف الأساسى، أو العنوان العريض، لاجتماع العلمين، الذى جاءت رعاية مصر له، استكمالًا لدورها المحورى الداعم للقضية الفلسطينية، واستمرارًا لجهودها من أجل تحقيق المصالحة الوطنية، ووضع حد للانقسام الفلسطينى، وإيجاد آلية عمل مشتركة لمواجهة الآثار السلبية الناتجة عنه، ولم شمل كل الفصائل، وإيجاد معالجات جديدة لخلافاتها، القديمة والمتجددة، وتعزيز مكانة ودور منظمة التحرير، بصفتها الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى، تمهيدًا لإعادة إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على أساس حل الدولتين، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى الشقيق.

كان أبرز، أو أهم، ما شهده الاجتماع، فى رأينا، هو طرح تشكيل حكومة «تكنوقراط»، تكون جميع الفصائل ممثلة فيها، لتتولى الترتيبات الإدارية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وتتصدى للمساعى أو المخططات الإسرائيلية التى تستهدف التهام ما تبقى من الأراضى الفلسطينية، إضافة إلى إدارة الموارد وتيسير دخول وخروج السلع إلى الأراضى المحتلة، وتحصيل الجمارك والضرائب و... و... وقيل إن «حركة المقاومة الإسلامية»، المعروفة باسم «حماس»، أبدت تجاوبًا مع هذا الطرح، إلا أنها رهنت مشاركتها فى تلك الحكومة بإصلاح نظام الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطنى، ووضع إطار زمنى معقول لإجرائها.

وصل الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن»، مساء السبت، إلى العلمين الجديدة، فى زيارة رسمية لمصر تستمر ثلاثة أيام. وبعد رئاسته اجتماع الأمناء العامين للفصائل، الأحد، استقبله الرئيس السيسى، أمس الإثنين، لبحث القضايا المتعددة على المستويات العربية والإقليمية والدولية، ومناقشة آخر المستجدات على الساحة الفلسطينية، والجهود المبذولة لدفع عملية السلام، وتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم، على أساس حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة، على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. كما تناولت مباحثات الرئيسين، طبعًا، ملف إنهاء الانقسام الفلسطينى وتحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد الجبهة الداخلية، الذى ترعاه مصر منذ سنوات. إذ لم يعد معقولًا، أو مقبولًا، أن يظل الحديث باسم القضية موزعًا بين الضفة والقطاع.

لم يعد معقولًا، أو مقبولًا، أو منطقيًا، أن يستمر الانقسام الفلسطينى الذى هو «أحد أهم أسباب إضعاف منظمة التحرير، بل وإضعاف الشعب الفلسطينى ومقاومته الحقيقية للاحتلال الإسرائيلى»، بإقرار المنظمة نفسها، التى أكد بيانها الصادر فى ٢٨ مايو الماضى، بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيسها، أن إنهاء الانقسام هو «المدخل الصحيح، لا لتصويب أوضاع المنظمة فحسب، وإنما لمجمل الكفاح الوطنى الفلسطينى».

أخيرًا، ومع استبعادنا أن تتفق الفصائل الفلسطينية، فى الوقت الراهن، أو المستقبل القريب، على المصالحة الشاملة، نرى أن مصر لا تزال قادرة على احتواء جميع الأطراف، عند الضرورة، لتصويب بوصلتها وتحديد أولوياتها، وكسر رهانات المرتبطين منها بأجندات أو مخططات إقليمية، أو دولية، وتجديد شرعية النظام السياسى الفلسطينى، التى تتآكل، منذ سنوات، وأوشكت على التلاشى.