رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر بلد المقصد


ما زالت ظاهرة الهجرة غير الشرعية تلقى بظلالها على الدول الأوروبية خاصة تلك الدول التى تطل على البحر الأبيض المتوسط والتى تقترب سواحلها مع بعض الدول العربية مثل ليبيا وتونس.. هذا فى الوقت الذى تعانى فيه أوروبا من عدم الاستقرار الاقتصادى بسبب التضخم وارتفاع الأسعار.. وتعتبر إيطاليا وإسبانيا واليونان أكثر الدول المتضررة من تلك الظاهرة التى تحولت إلى كابوس.
أشارت المعلومات إلى أن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى بعض الدول الأوروبية تجاوز 85 ألف مهاجر خلال العام الحالى وهو ما يعنى تضاعف العدد الذى وصل خلال نفس الفترة من عام 2022 الى 34 ألف مهاجر وهو الأمر الذى أدى إلى قيام دول الاتحاد الأوروبى بالمطالبة بالتوصل إلى حل جذرى ونهائى لأزمة الهجرة واستصدار قوانين حازمة ضد الهجرة غير النظامية.
وفى هذا الإطار فقد دعت السيدة/ جورجيا ميلونى رئيسة وزراء إيطاليا إلى مؤتمر دولى وجهت فيه الدعوة إلى قادة دول البحر المتوسط وبعض الدول الإفريقية بهدف إيجاد أساليب تعاون حاسمة وإيجابية بين البلدان التى ينطلق منها المهاجرون والبلدان التى تستضيفهم.
وقد شاركت مصر فى المؤتمر الدولى للهجرة والتنمية الذى عقد مؤخرًا فى روما حيث تحدث الدكتور/ مصطفى مدبولى رئيس الوزراء فى كلمة ألقاها نيابة عن الرئيس/ عبد الفتاح السيسى عن التجربة المصرية فى التعامل مع ملف الهجرة بصفة عامة والهجرة غير الشرعية بصفة خاصة، موضحًا أن قضايا الهجرة تحتل مرتبة متقدمة على أجندة مصر الوطنية، حيث تستضيف مصر أكثر من 9 ملايين مهاجرو لاجئ بنسبة تتجاوز 8% من تعداد السكان يستفيدون على قدم المساواة مع المصريين من حيث الخدمات الأساسية التى تقدمها الدولة لمواطنيها فى مجالات التعليم والصحة، كما أن حرية الحركة مكفولة لهم مما أدى إلى زيادة أعداد الوافدين إلى مصر بنسبة قدرها 50% عن عام 2018.. بل إن مصر استقبلت خلال الأشهر الثلاثة الماضية ما يقرب من 40% من إجمالى الفارين من أعمال العنف فى السودان.. وكل ذلك على الرغم من التحديات الاقتصادية المتزايدة ومحدودية الدعم الذى يقدمه المجتمع الدولى والذى لا يتناسب مع حجم الأعباء التى تتحملها مصر.
أضاف السيد رئيس الوزراء أن مصر تعتبر دولة مصدرا ومعبرا ومقصدا ومن هذا المنطلق فإنها وضعت منهجًا شاملًا فى التعامل مع ظاهرة الهجرة بشكل عام خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى المناطق الطاردة ورفع مستوى الوعى بمخاطر الهجرة غير الشرعية وتوفير فرص عمل للشباب والعمال.. وخلق مسارات للهجرة النظامية بالتوازى مع إحكام السيطرة على الحدود ومكافحة شبكات تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.. وتطوير قانون وطنى ولجنة وطنية تنسيقية لمكافحة هاتين الجريمتين ومحاسبة مرتكبيها وحماية ضحاياها وهو ما أسفر عن عدم إبحار أى مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين من السواحل المصرية منذ شهر سبتمبر 2016 .
والواقع أن الرؤية التى عرضها رئيس الوزراء تأتى فى إطار منظومة متكاملة شاركت فيها معظم أجهزة الدولة ذات الصلة بمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.. ارتكزت فى بدايتها على إزالة مسببات الهجرة وتجفيف بيئتها حيث سيطرت الأجهزة الأمنية على التنظيمات الإرهابية ونجحت فى القضاء على الإرهاب فى إطار رؤية استراتيجية شاملة.. كما أنها قامت بجهود كبيرة فى العمل على تسوية النزاعات والصراعات فى بعض دول المنطقة والتى كان يترتب عليها هروب أبناء تلك الدول خوفًا من القتل والموت محاولين اللجوء إلى الدول الأخرى وهو ما كان يشكل أحد أكثر مصادر الهجرة غير الشرعية.. فى ذات الوقت فقد ساهمت مصر فى تحقيق التنمية داخل بعض المجتمعات الإفريقية لرفع مستوى معيشتها وخلق فرص عمل لأبنائها وتوظيف مواردها ومساعدتها فى التغلب على التحديات التى تتعرض لها هذه الدول.. وهنا تظهر الرؤية الصائبة والفكر الاستراتيجى الذى يتمتع به الرئيس عبدالفتاح السيسى فى اهتمامه بالتقارب مع دول القارة الإفريقية تحديدًا بحسبانها امتدادًا إقليميًا للدولة المصرية من الممكن أن يكون مصدر خير ونماء وأيضًا من الممكن أن يكون مصدر تطرف وإرهاب.
ومن الواضح ان التجربة المصرية والعرض الذى قدمته الدولة المصرية فى هذا المؤتمر قد لاقى قبولًا وإستحسانًا لدى الحضور حيث كان من ضمن النتائج التى أسفر عنها المؤتمر مساعدة البلدان الأفريقية والعمل على تنميتها كإحدى وسائل تقليل دوافع الهجرة الى أوروبا وذلك من خلال بناء شراكة لإقامة مشروعات تنموية فى بعض القطاعات مثل الزراعة والبنية التحتية والصحة مع هذه الدول الأفريقية.
وقد اختصت تونس بحسبانها إحدى أكثر الدول التى يتدفق عبر سواحلها المهاجرون غير الشرعيين إلى الشواطئ الأوروبية باتفاقية مستقلة مع إيطاليا تهدف إلى منع مغادرة قوارب المهاجرين ومحاربة المهريبن وتنص أيضًا على إعادة التونسيين الذين وصلوا إلى دول الاتحاد الأوروبى بطرق غير شرعية، فضلًا على إعادة المهاجرين الأفارقة الذين استغلوا السواحل التونسية والعمل على تسهيل إعادتهم مرة أخرى الى بلدانهم الأصلية مقابل تقديم منحة أوروبية إلى تونس بقيمة 105 مليون يورو لتنفيذ تلك الاتفاقية بالإضافة إلى تقديم مساعدات قيمتها 1٫1 مليار دولار لدعم الاقتصاد التونسى.. وتتجه النية إلى إبرام اتفاقيات مماثلة مع بعض الدول الأخرى التى تمثل مصادر للمهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد الأوروبى.
لقد قدمت مصر نموذجًا رائدًا فى التعامل مع ملف قضية الهجرة غير الشرعية سواء فى استضافة تلك الملايين من المهاجرين واللاجئين الذين وصل عددهم كما ذكرنا إلى حوالى 9 ملايين لاجئ أو من خلال منع الهجرة غير النظامية من الخروج عبر السواحل المصرية، وهو ما كان محل تقدير من المجتمع الدولى، ومن هنا فإن الخطوات والقرارات التى خرجت من مؤتمر روما واكبت ما سبق أن قامت به الدولة المصرية منذ عدة سنوات والتى ساهمت إلى حد كبير فى مواجهة تلك المشكلة وحلها من جذورها وفق رؤية صائبة ونتائج متميزة.. ففى الوقت الذى كانت معظم الدول الأوروبية تحارب وتمنع دخول اللاجئين والمهاجرين إلى أراضيها كانت مصر تفتح أبوابها لهم دون إن تضعهم فى مخيمات أو ملاجئ.. ودون أن تتشدق أو تتباهى بنجاح تجربتها سواء فى استقبال من يلجأ إليها أو فى منع من يحاول التسلل عبر سواحلها بطرق غير مشروعة.. ومن هنا فإننا لا نبالغ عندما نقرر أن مصر كانت الدولة الرائدة فى التعامل مع تلك القضية بكل جدية فى تطبيق قوانينها.. وبكل احترام لكل من يلجأ إليها..
فهى دائمًا «مصر دولة المقصد».. وتحيا مصر..