رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة نجاح مصرية سبقت الدول الغنية

أعلن كل من البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية أن مصر قضت على فيروس الوباء الكبدي C من جميع سكانها.. كيف تم ذلك؟، ولماذا لم يتم ذلك في الولايات المتحدة أو أي بلد آخر بغض النظر عن الدخل؟..ليس هذا سؤال مني، بل تساؤلات طرحها تقرير نشرته مجلس (فوربس) الأمريكية في مايو الماضي، وفيه يشير الكاتب، وليام أ. هاسلتين، إلى أن هناك ثلاثة عوائق رئيسية أمام القضاء على التهاب الكبد الوبائي سي..  أهمها الإرادة السياسية، والثاني هو منظومة الصحة العامة لتنفيذ البرنامج، وأخيرًا، تكلفة الاختبارات التشخيصية والعلاج.. والذي تكفل بها قرض متواضع من البنك الدولي. 
استجابة لارتفاع معدل انتشار التهاب الكبدC ، صممت الحكومة المصرية برنامج (100 مليون صحة).. وقد تم تمكين الحملة من خلال قرض بقيمة 250 مليون دولار تقريبًا، من البنك الدولي.. تم تشكيل البرنامج، الذي استمر سبعة أشهر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان هدفه الطموح هو فحص وعلاج جميع سكان مصر، الذين تزيد أعمارهم عن 12 عامًا.. كانت حملة (100 مليون صحة) برنامجًا عالميًا تم إنشاؤه في جميع أنحاء البلاد، وأوضحت التزام الرئيس بالقضاء على التهاب الكبد الوبائي، وأثيت قدرة مصر على تنظيم جهودها في جميع أنحاء البلاد لتجعل من هذا البرنامج أكبر حملة فحص طبي حتى الآن. 
كانت الخطوة الأولى، هي تنظيم مجموعات الفرز.. وفيها، استهدفت الحكومة المواطنين الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا فما فوق، لكنها وسعت البرنامج لاحقًا ليشمل أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 12 عامًا.. وكانت الخطوة الثانية، تجنيد أشخاص للفحص، استخدمت خلالها الحكومة العديد من السبل الترويجية، بما في ذلك حملة إعلامية ووسائل إعلام مطبوعة، حول البرنامج لتشجيع الناس على إجراء الاختبار.. وكانت الخطوة الثالثة، فحص خمسين مليون مواطن، وكانت الخطوة الرابعة، هي تحديد عدد أولئك الذين ثبتت إصابتهم بالأجسام المضادة لالتهاب الكبد C الذين أصيبوا بعدوى نشطة.. وهؤلاء تمت إحالتهم إلى مراكز اختبار متخصصة لتأكيد الإصابة من عدمها.. وكانت الخطوة الخامسة، تزويد المصابين بعدوى نشطة بثلاثة أشهر من العلاج المجاني.. حتى كانت الخطوة الأخيرة، وهي إعادة اختبار أولئك الذين تلقوا العلاج لإزالة المرض.. بعد ثلاثة أشهر من العلاج، أعيد تقييم الأفراد لإزالة المرض من خلال اختبار PCR إضافي.. ثم تم تزويد أولئك الذين ثبتت إصابتهم بشهادة علاج.. وفي نهاية الحملة، تم علاج ما يقدر بنحو 1.23 مليون مواطن مصري مصابين بعدوى التهاب الكبد الوبائي سي.
كان أحد المساهمين الرئيسيين في نجاح البرنامج المصري، هو الإرادة السياسية للبلاد للقضاء على التهاب الكبد الوبائي C.. بدعم قوي من كل من الرئيس السيسي ووزارة الصحة، فإن تفاني مصر في القضاء على التهاب الكبد C جعل البلاد متلقيًا مثاليًا لشراكة تعاونية بين الحكومة المصرية والبنك الدولي.. ولتوضيح التزام البلاد بالقضاء على المرض، بذلت الحكومة جهدًا كبيرًا لضمان أن يعرف الجميع أن البرنامج يحظى بالدعم الكامل من كل من الرئيس السيسي ووزارة الصحة.
العائق الثاني الذي تواجهه معظم البلدان في القضاء على التهاب الكبد C، هو الحاجة إلى تنظيم مُنسق.. أصبح برنامج المائة مليون صحة ممكنًا، من خلال خلق تدفق كبير للأفراد، من الفحص إلى العلاج.. بالإضافة إلى إنشاء أكثر من 18 ألف مركز اختبار في جميع أنحاء البلاد، خصصت الحكومة أيضًا أكثر من ألف مركبة اختبار متنقلة، ودربت أكثر من 60 ألف موظف متطوع.. يتألف كل موقع اختبار من طبيب شاب وممرضة وأخصائي بيانات والعديد من الأعضاء المدربين حديثًا.
بالنسبة لمعظم البلدان، فإن حاجز التكلفة أمام القضاء على التهاب الكبد C كبير. اعتمد نجاح البرنامج المصري على قدرة حكومتها على التحكم في تكاليف التنفيذ والتشخيص والأدوية.. وللسيطرة على التكاليف التنظيمية، تمكنت مصر من نشر الكثير من بنيتها التحتية الحالية داخل نظام خدمات الرعاية الصحية المركزي.. كما تمكنت الحكومة من إنشاء مراكز فحص وتدريب موظفيها وإنشاء موقعها الإليكتروني المتخصص في التهاب الكبد الوبائيC ، بتكلفة منخفضة تبلغ حوالي ألف جنيه مصري يوميًا. 
تضمن برنامج مصر عدة نقاط اختبار، بما في ذلك اختبار الإيجابية المصلية السريع، واختبار PCR للعدوى النشطة، واختبار PCR الثانوي للتحقق من إزالة المرض.. في حين أن هذه الاختبارات أغلى من 10 إلى 100 مرة في الولايات المتحدة، تمكنت الحكومة المصرية من خفض تكاليف التشخيص إلى سعر أقل بكثير.. خلال البرنامج، تمكنت مصر من توفير اختبارات الأجسام المضادة مقابل 56 سنتًا واختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل مقابل 5 دولارات أمريكية فقط.. يمكن أن تكلف هذه الاختبارات نفسها في الولايات المتحدة حوالي 20 دولارًا للاختبار السريع للأجسام المضادة، وما يصل إلى 300 دولار لاختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل. 
وهنا نتساءل: ما الذي جعل برنامج (100 مليون صحة) فعالًا للغاية؟
وفقًا لتقرير التحقق الصادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن نجاح هذا البرنامج تحقق من خلال ستة عوامل رئيسية.. الأول، إنشاء لجنة متخصصة لدعم المبادرات الوطنية للصحة العامة.. في عام 2018، شكلت وزارة الصحة مثل هذه اللجنة لغرض وحيد، هو تصميم البرنامج والإشراف عليه ومنح التخصيص المناسب للموارد.. والثاني، التزامها بتحديث الاستراتيجيات الصحية الوطنية، استنادًا إلى أولوياتها الوطنية.. بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي، وضعت الحكومة المصرية خطة عمل للقضاء على التهاب الكبد C وحددت بشكل فعال أهدافها وأساليبها لتحقيق تلك الأهداف.. ثالثًا، قامت مصر بمراجعة وتحديث تشريعاتها ولوائحها الوطنية ذات الصلة بالتهاب الكبد الوبائيC  والتي مكنت الحكومة من الحفاظ على إنجازاتها.
ومن العوامل الرئيسية الأخرى، قدرة البرنامج على تمويل وتوفير الموارد اللازمة للاستدامة.. إن قدرة مصر على تعبئة مواردها البشرية، من خلال إجراء تدريب واسع النطاق، وتطوير إجراءات تشغيل موحدة للفحص والعلاج، مكنت البرنامج من خدمة المواطنين على قدم المساواة في جميع مناطق البلاد.. بالإضافة إلى ذلك، من خلال ضمان وجود سياسة وطنية لاستخدام الأدوية وشرائها، تمكنت مصر من خفض تكاليف الأدوية العلاجية بشكل كبير، ولديها الآن أكبر حصة من صناعة الأدوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا..و أخيرًا، أنشأت الحكومة آليات، مثل الخط الساخن لإدخال المرضى الذي سمح بالتعديل والتحسين المناسبين والسريعين والمستمرين للبرنامج.
مواصفات البرنامج المصري ليست سرية، وقد تم وصفها بالتفصيل من قبل الأدبيات الطبية والعلمية، بما في ذلك مجلة (نيو إنجلاند) الطبية.. كما تم التحقق من نجاحها مؤخرًا من قبل منظمة الصحة العالمية في تقريرها الذي يوضح بالتفصيل إنشائها وتنفيذها ونجاحها.. في أي بلد، فإن برنامج (100 مليون صحة) في مصر لديه جدوى للقضاء على التهاب الكبد الوبائي C، وكذلك تحديد القضايا الصحية الخطيرة الأخرى، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.. يحدث ذلك، بينما تقطع الولايات المتحدة نصف الخطوات الأولى نحو تحقيق القضاء على التهاب الكبد الوبائي C بحلول عام 2030.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.