رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيسنجر فى الصين مجددًا

هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، والأشهر، الذى احتفل فى ٢٧ مايو الماضى بعيد ميلاده المائة، زار الصين للمرة المائة تقريبًا، الثلاثاء الماضى، وأجرى محادثات، سرية وعلنية، مع عدد من المسئولين، من بينهم لى شانج فو، وزير الدفاع الصينى، المدرج على قائمة العقوبات الأمريكية، ثم استقبله الرئيس شى جين بينج، أمس الأول الخميس، فى دار ضيافة «دياويوتاى ستيت»، Diaoyutai State، بحضور وانج يى، كبير مسئولى العلاقات الخارجية فى الحزب الشيوعى الصينى.

فى فبراير ١٩٧٢ رافق كيسنجر الرئيس ريتشارد نيكسون، فى أول زيارة يقوم بها رئيس أمريكى للصين، أعادت العلاقات بين البلدين بعد قطيعة امتدت أكثر من عقدين. وهنا، نرى الإشارة مهمة إلى أن الدبلوماسى المخضرم، الذى يوصف منذ سنوات بعيدة بالثعلب العجوز، كان قد اقترح على الرئيس نيكسون، خلال النقاشات التى سبقت تلك الزيارة، استمالة بكين وإفساد علاقتها مع موسكو، كما سبق أن فعلت إدارة «أيزنهاور»، قبل أن يستدرك ويؤكد أن خطورة الصين على الولايات المتحدة لا تقل عن خطورة الاتحاد السوفيتى، وأن الرئيس القادم، بعد ٢٠ عامًا، لو كان حكيمًا، سيستعين بالروس فى مواجهة الصينيين!

رؤية كيسنجر للصين لم تتغير كثيرًا، إذ سبق أن وصفها، خلال ندوة أقامتها مؤسسة ماكين، فى مايو ٢٠٢١، بأنها تمثل أكبر مشكلة للولايات المتحدة وللعالم بأسره، بسبب ضخامة قدراتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، التى تجعلها تتفوق بشدة على الاتحاد السوفيتى السابق، الذى كان قوة عسكرية فقط، ولم يصل إلى القوة الاقتصادية والتكنولوجية التى وصلت إليها الصين. وعليه، دعا حكومة بلاده إلى أن تظل متمسكة بمبادئها وأن تطالب بكين باحترامها. كما أعرب عن اعتقاده، مرارًا، أن أمام الدولتين، وأمام العالم كذلك، فترة زمنية تتراوح بين ٥ و١٠ سنوات، لمنع وقوع مواجهة صينية أمريكية ستؤدى إلى تدمير البشرية!

للدبلوماسى المخضرم، الذى لم يتوقف عن لعب أدوار مهمة فى السياسة الخارجية الأمريكية، قال الرئيس الصينى إن بلاده «مستعدة للتباحث مع الولايات المتحدة بشأن الطريقة الصحيحة للتوافق وتعزيز العلاقات الثنائية»، مشددًا على أن كلا الجانبين فى حاجة إلى «اتخاذ قرارات جديدة» يمكن أن تقود إلى «نجاح وازدهار»، بعد أن وصلت العلاقات بينهما «إلى مفترق». وأعرب عن أمله فى أن يواصل كيسنجر لعب دور بنّاء فى إعادة العلاقات الصينية الأمريكية إلى المسار الصحيح، مؤكدًا أن ذلك لن يفيد البلدين فقط، بل سيفيد العالم، الذى «يشهد حاليًا تغيّرات لم نشهدها منذ قرن»، والنظام الدولى الذى «يمرّ بتغيّر هائل».

فى السياق نفسه، وبمزيد من الاحتفاء، أشار «وانج يى» إلى أن كيسنجر قام بـ«دور شديد الأهمية فى تقديم المشورة لتعزيز التفاهم المتبادل بين البلدين» حين كان مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومى، ثم وزيرًا لخارجيته. وبحسب بيان أصدرته الخارجية الصينية، قال كبير مسئولى العلاقات الخارجية فى الحزب الشيوعى الصينى إن «سياسة الولايات المتحدة حيال الصين تستوجب حكمة دبلوماسية مثل حكمة كيسنجر، وشجاعة سياسية مثل شجاعة نيكسون». كما جاء فى البيان أن الجانبين ناقشا أيضًا الأزمة الأوكرانية والذكاء الاصطناعى والأوضاع الاقتصادية، وأن «وانج» أكد لـ«كيسنجر» استحالة تطويق الصين أو احتوائها.

.. وتبقى الإشارة إلى أن زيارة الدبلوماسى المخضرم، الذى يوصف منذ سنوات بعيدة بالثعلب العجوز، تزامنت مع وجود جون كيرى، المبعوث الأمريكى للمناخ فى بكين، الذى كان ثالث مسئول كبير فى إدارة بايدن يزور العاصمة الصينية خلال الأسابيع الأخيرة، بعد أنتونى بلينكن، وزير الخارجية، وجانيت يلين، وزيرة الخزانة. وقيل إن الزيارات الثلاث استهدفت تخفيف حدة التوتر بين البلدين، فى حين يقول الواقع إن الولايات المتحدة لم تتوقف عن محاولات تحجيم الصين، اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، أو عن تدخلاتها فى شئونها الداخلية، سواء بزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، أو دعم الديمقراطية فى تايوان، أو بأى مزاعم أخرى.