رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سوداننا العزيز

وتأبى مصر إلا أن تضطلع بدورها التاريخى تجاه القضايا العربية والإقليمية، والعمل على رأب الصدع الذى يحدث نتيجة تلك القضايا التى غالبًا ما ينتج عنها اقتتال داخلى وضحايا وشهداء أعزاء من أبناء هذه الدول.. وتأتى السودان على قائمة الدول العربية الشقيقة التى تمثل لمصر بعدًا استراتيجيًا وأمنيًا وتربطنا بها أواصر الدم والمصاهرة والتاريخ والجغرافيا بل والحياة نفسها متمثلة فى نهر النيل العظيم.
ومن هذا المنطلق فقد استضافت مصر مؤتمر قمة دول جوار السودان لبحث سبل إنهاء الصراع الحالى والتداعيات السلبية له ووضع آليات فاعلة لتسوية الأزمة فى السودان بصورة سلمية بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى.. وجاءت تلك الدعوة المخلصة من الرئيس عبدالفتاح السيسى لتؤكد حرصه على صياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المباشر للسودان والعمل على حقن دماء الشعب السودانى، وتجنيبه للتعرض لأعمال القمع والعنف الذى يمارس ضده هناك، بالإضافة إلى الحد من استمرار الآثار السلبية الجسيمة التى تعرضت لها دول الجوار وعلى رأسها مصر التى لم تألُ جهدًا فى السماح لمئات الآلاف من السودانيين بالدخول إلى أراضيها وكذا محاولات تقديم وسائل الدعم المختلفة خاصة المساعدات الطبية بقدر المستطاع.
ويأتى الموقف المصرى فى هذا الإطار من عدة منطلقات.. أولها هو حماية الشعب السودانى نفسه والحفاظ على استقراره ومقدراته ومصالحه وكذلك الروابط التاريخية الأزلية الممتدة منذ الأزل، وهى روابط عميقة وتاريخية، ومن هنا فإن الأزمة التى يتعرض لها الشعب السودانى تسبب لنا كمصريين الشعور بالحزن والأسى لما آلت إليه الأوضاع هناك.. وثانى هذه الاعتبارات حماية الأمن القومى المصرى بحسبان أن السودان دولة جوار وترتبط بنا جغرافيًا وحدوديًا بشكل مباشر، وهو ما قد يترتب عليه حدوث قلاقل على الحدود الجنوبية للبلاد وهو الأمر الذى تحرص الدولة المصرية بكل أجهزتها المعنية على عدم حدوثه.
وفى هذا الإطار، جاءت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تلك القمة جامعة لكل أبعاد الأزمة السودانية وتداعياتها على العالم بصفة عامة وعلى دول الجوار بصفة خاصة، حيث أشار إلى أن دول الجوار هى الأكثر فهمًا ودراية بالتعقيدات الموجودة فى السودان، وهو ما يستلزم ضرورة توحيد الرؤى لهذه الدول تجاه تلك الأزمة من خلال اتخاذ قرارات موحدة ومتسقة بما يسهم فى إيجاد مخارج مقبولة لكل الأطراف حفاظًا على مصالح الشعب السودانى وأيضًا على أمن واستقرار دول الجوار، مؤكدًا أن التدهور الحاد للوضع الإنسانى يتطلب التدخل الجاد لإيقاف العمليات العسكرية حفاظًا على مقدرات الشعب السودانى الشقيق ومؤسسات الدولة كى تقوم بمسئوليتها تجاه المواطنين، بالإضافة إلى السعى لمعالجة جذور الأزمة عبر التوصل إلى حل سياسى شامل يستجيب لتطلعات الشعب السودانى.
لم تأت الدعوة المصرية لعقد تلك القمة إلا بعدما استشعرت خطورة وتداعيات الأوضاع فى السودان.. بل وعدم استجابة طرفى النزاع إلى صوت العقل، وكذلك عدم الالتزام بأى اتفاقات ثنائية لوضع هدنة طويلة لالتقاط الأنفاس وتقديم مصلحة الشعب السودانى على المصالح الفئوية التى تسعى كل فئة إلى تحقيقها.. كما جاءت استجابة كل الدول والهيئات الدولية للدعوة المصرية للمشاركة فى تلك القمة لتؤكد عدة حقائق.. الأولى ذلك التقدير الذى تحظى به مصر لدى دول القارة الإفريقية تحديدًا وأيضًا لدى المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة.. والثانية أن الأوضاع والتداعيات التى ترددت على تلك الأزمة وتأثيرها على دول الجوار قد بلغت الحد الذى يمثل خطورة وثقل على كاهل تلك الدول سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية وأيضًا الاجتماعية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصراع السودانى قد تحول مؤخرًا إلى مرحلة جديدة من أعمال العنف والاقتتال الذى دخل فى شهره الرابع دون ظهور أى بوادر إلى القبول بأى حل يرضى أطراف النزاع والذى ترتب عليه حتى الآن مقتل ما يقارب 4 آلاف شخص وإصابة عدة آلاف أخرى بالإضافة إلى نزوح أكثر من 2.8 مليون مواطن سودانى نتيجة تلك المعارك من بينهم 800 ألف إلى دول الجوار معظمها إلى مصر شمالًا وتشاد غربًا وتتركز حاليًا المعارك فى العاصمة الخرطوم بالإضافة إلى إقليم دارفور وأم درمان التى تشهد معارك ضارية للسيطرة على خطوط الإمداد منذ عدة أيام.
ومن هذا المنطلق فقد طرح الرئيس عبد الفتاح السيسى الرؤية المصرية لمواجهة تداعيات تلك المعارك والصراعات الدائرة فى السودان والتى جاءت متوافقة تمامًا مع الرؤى المختلفة لجميع القادة الأفارقة المشاركين فى تلك القمة حيث تضمنت دعوة كافة أطراف المجتمع الدولى بالوفاء بتعهداتها من خلال دعم دول جوار السودان.. ومطالبة الأطراف المتحاربة بالوقف الفورى للعمليات العسكرية والبدء دون إبطاء بمفاوضات جادة لإيقاف إطلاق النار بشكل مستدام وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية بمشاركة القوى السياسية والمدنية لبدء عملية سياسية شاملة تلبى طموحات الشعب السودانى وتشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية.. كما تعهد سيادته بأن مصر سوف تعمل على تيسير نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة من الدول المانحة للسودان عبر الأراضى المصرية من خلال التنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية.
وقد توافق المشاركون من قادة الدول الجوار على الرؤية المصرية الشاملة التى عرضها السيد الرئيس حيث ناشدت هذه الدول فى البيان الختامى الأطراف المتحاربة على وقف التصعيد والالتزام الفورى والمستدام بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.
ويعُول الشعب السودانى الشقيق على قمة دول الجوار لإيجاد حلول لوقف الحرب الدائرة على أراضيه حيث جاءت تصريحات العديد منهم لتؤكد أن هذا هو الموقف المنتظر من مصر تجاه سوداننا الشقيق، وهى التى لم تبخل أبدًا على تقديم كافة أوجه الدعم لهم ويكفى الإشارة إلى استضافتها نحو 5 ملايين سودانى على أراضيها.. ويناشد العقلاء من أبناء السودان المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته تجاه حماية النساء والأطفال ومقدرات الدولة السودانية الاقتصادية والمعيشية والعمل على إيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها داخل السودان خاصة أن الأوضاع هناك قد وصلت إلى مراحل غاية فى الصعوبة بعد تدمير مدن بكاملها فى الخرطوم ودارفور بالإضافة إلى الانتهاكات ضد الإنسانية التى يتعرض لها أبناء تلك المدن.
هذا هو قدر مصر وقيمتها.. فهى السند لجميع من يحتمى بها وهى الملجأ لجميع من يلجأ إليها هكذا قال التاريخ.. وهكذا أثبت الزمان.
وتحيا مصر..