رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنمية المستدامة فى خطر

الأهداف التى حدّدها العالم، أو ما يوصف بالمجتمع الدولى، لتحقيق التنمية المستدامة بحلول سنة ٢٠٣٠، باتت «فى خطر»، بحسب تقرير تقييمى أصدرته الأمم المتحدة، أمس الأول الإثنين، شدّد على أن تلك الأهداف «تتلاشى فى مرآة الرؤية الخلفية»، وقد تتحول إلى «نقش تذكارى» لو لم نتحرك فورًا، موضحًا أنه رصد انحرافًا عن المسار المرجو، فى نصف الأهداف تقريبًا، يتراوح بين المتوسّط والحاد.

أهداف التنمية المستدامة، SDGs، المعروفة، أيضًا، باسم أجندة أو جدول أعمال ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، عبارة عن ١٧ هدفًا رئيسيًا، تضمنها قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ٢٥ سبتمبر ٢٠١٥، ولكل منها أهداف أو غايات، صغيرة، تمثل فى مجموعها ١٦٩ غاية، تغطى كل قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية: الفقر، الجوع، الصحة، التعليم، تغير المناخ، المساواة بين الجنسين، المياه، الصرف الصحى، الطاقة، البيئة والعدالة الاجتماعية. وذكر التقرير الصادر، أمس الأول، أن العالم عاد «بشكل صادم» إلى «مستويات جوع لم نشهدها منذ سنة ٢٠٠٥»، وأن أكثر من نصف البشر لن يتمكن من تحقيق تلك الأهداف.

تحقيق الأهداف السبعة عشر لأجندة ٢٠٣٠ الأممية، بات فى خطر فعلًا، بسبب الظروف الدولية الاستثنائية، السابقة والراهنة، والأزمات التى تزايدت تعقيدًا مع اندلاع الأزمة الأوكرانية فى أعقاب وباء كورونا، وما ترتب على الأزمتين، أو الكارثتين، من تأثيرات سلبية، أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتكاليف تمويل التنمية، واتساع الفجوات التمويلية نتيجة للسياسات الانكماشية والتقييدية التى أدت إلى رفع أسعار الفائدة، إضافة إلى الأعباء التمويلية الضخمة اللازمة للتكيف مع تغير المناخ والتحول للاقتصاد الأخضر.

تقول الأرقام إن عدد الذين يعيشون فى فقر مدقع انخفض من ١.٩ مليار، سنة ١٩٩٠، إلى ٨٣٦ مليونًا فى ٢٠١٥. وبالمعدّل الحالى، طبقًا للتقرير الأممى الجديد، سيظل ٥٧٥ مليونًا، تحت مستوى الفقر المدقع، سنة ٢٠٣٠، معظمهم فى إفريقيا جنوب الصحراء. ومع أن الرقم يعكس تراجعًا بنسبة ٣٠٪ تقريبًا، مقارنة بسنة ٢٠١٥، لكنّه لا يزال بعيدًا جدًا عن الهدف المأمول، الذى يتمثل فى القضاء تمامًا على هذه الظاهرة. 

جاء فى التقرير، أيضًا، أن «حوالى ١.١ مليار شخص يعيشون حاليًا فى أحياء فقيرة، أو فى ظروف أشبه بالأحياء الفقيرة، مع توقّعات بأن يُضاف إليهم ملياران فى السنوات الثلاثين المقبلة». ومع تحذيره من أن سوء تغذية الأطفال ما زال يثير «قلقًا عالميًا»، أشار التقرير إلى أن ٢.٣ مليار شخص، أى واحد من كل ٣ أشخاص، أو ثلث البشر تقريبًا، واجهوا، خلال سنة ٢٠٢١، انعدامًا للأمن الغذائى يتراوح بين المتوسط والحاد.

الأوضاع المالية الصعبة، وتزايد تكاليف الديون، وتراجع المساعدات الدولية، خلقت مزيدًا من التحديات أمام جهود التنمية المستدامة فى الدول النامية والأقل نموًا، وفرضت، أو استوجبت، صياغة نظام مالى عالمى جديد، أكثر عدالة وديمقراطية واستدامة، يقيم شراكة مالية متوازنة بين دول الجنوب النامية أو الفقيرة ودول الشمال المتقدمة أو الغنية، ويمهد الطريق لعقد اتفاقيات جديدة تحد من مشكلة تفاقم الديون. ونتمنى، أو ننتظر، أن يتمكن «تحالف الديون من أجل التنمية المستدامة»، المقرر إطلاقه رسميًا، فى سبتمبر المقبل، من إيجاد حلول مبتكرة لمواجهة ارتفاع تكاليف خدمة الديون، وأن يعطى دفعة قوية للاستثمارات الخضراء ويسهم بفاعلية فى التصدى للتحديات البيئية، التى أصبحت من أكبر معوقات التنمية الشاملة والمستدامة.

.. وأخيرًا، نرى أن ما قد يطمئننا، نحن المصريين، هو أن محفظة التعاون الإنمائى لمصر مع شركاء التنمية، الثنائيين ومتعددى الأطراف، تضم أكثر من ٣٠٠ مشروع، قيمتها حوالى ٢٦ مليار دولار، جرت مطابقتها مع الأهداف الـ١٧ الأممية، ونسختها المحلية، أو الوطنية، «رؤية مصر ٢٠٣٠»، وتتبنى رؤية مشتركة تجاه القضايا السياسية والاقتصادية، تقوم على استشراف آفاق التعاون، بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى، وعدم معالجة تداعيات الأزمات الاقتصادية، الحالية أو المستقبلية، على حساب دعم التنمية المستدامة.