رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مونديال المشردين!

بطولة دولية سنوية لكرة القدم، مخصصة للمشردين، الذين ليس لهم مأوى، والمقيمين بالشوارع لمدة لا تقل عن سنتين، كما يتاح الاشتراك فيها، أيضًا، للاجئين وطالبى اللجوء، والمجبرين على الإقامة فى مراكز الإيواء أو التأهيل. والمهم، هو أن مباريات نسختها، أو دورتها، العشرين، بدأت أمس الأول السبت، وستستمر حتى السبت المقبل، فى ملاعب جامعة «سكرامنتو» بولاية كاليفورنيا الأمريكية.

تلك هى أول نسخة تستضيفها الولايات المتحدة من هذا المونديال، أو من بطولة «كأس العالم للمشردين»، التى سبق أن استضافتها جنوب إفريقيا وفرنسا والدنمارك و... و... واسكتلندا، التى جعلتنا نلتفت للبطولة سنة ٢٠٠٧ ليس فقط لمشاركتها بفريق يمثلها كدولة مستقلة، ولكن أيضًا لأنها فازت باللقب، الذى أهلها، سنة ٢٠١٦، لاستضافة النسخة الرابعة عشرة من البطولة. وقد تقتلك الدهشة لو عرفت أن نسخة ٢٠٠٨، التى استضافتها مدينة ملبورن الأسترالية، شارك فيها فريق يمثل أفغانستان، التى كانت تطحنها الحروب وقتها. أما أبرز طرائف تلك النسخة، فكان اهتمام العديد من الصحف بـ«شارون» لاعبة المنتخب الأسترالى، التى قيل إنها تخرجت فى «برنامج تأهيل مدمنى الخمور والمخدرات والتخلف العقلى»!.

التشرد، Homelessness، هو الحالة، التى يكون فيها الشخص بلا سكن دائم. أما هذه البطولة السنوية، فتنظمها «مؤسسة كأس العالم للمشردين»، التى أطلقت نسختها الأولى سنة ٢٠٠٣ بالنمسا، قالت إنها تضم الآن أكثر من ١٠ آلاف لاعب، يتنافسون فى مسابقات شريكة للدورى فى مختلف دول العالم، وأشارت إلى أن حوالى ٥٠٠ من هؤلاء، موزعين على ٤٠ فريقًا، تأهلوا للبطولة الحالية، بواقع ٤ لاعبين أساسيين و٤ لاعبين احتياطيين لكل فريق. ولوكالة «رويترز» قال ميل يونج، المؤسس الشريك للمؤسسة، إن «كرة القدم قوة موحدة ولديها قدرة هائلة على إيقاف عدد من أخطر المشاكل فى العالم».

قد تكون للمؤسسة، التى تقول إنها غير هادفة للربح، أهداف سياسية طبعًا. ولعلك تعرف أن محاولات الاستفادة سياسيًا من كرة القدم صارت عادية وطبيعية. ولعلك تعرف، أيضًا، أن تأثير كرة القدم على السياسة قد يحدث، أو يحدث غالبًا، من تلقاء نفسه دون أن يسعى هذا الطرف أو ذاك إلى إحداث، أو صناعة، هذا التأثير. وفى كتابه «قضايا كرة ‏القدم»، حاول بيير بورديو، عالم الاجتماع الفرنسى، تبسيط المسألة بتقسيمها إلى مستويين؛ خاص وعام. الأول يضم اللاعبين، المدربين، المعلقين، النقاد المتخصصين.. إلخ. وهذا ‏المستوى له قواعده وتفاعلاته وعلاقاته المهنية المرتبطة بالقدرات التى يمتلكها كل فرد فى هذه المنظومة، والقيمة المضافة التى يقدمها للمجال. أما المستوى العام، فيضم الجمهور، ورجال الأعمال، ‏والسياسيين، وفيه تنتقل ملاعب كرة القدم من كونها ساحة للعب إلى ساحة للاستغلال السياسى والاستثمار الاقتصادى. ‏

أرقام حديثة نسبيًا، صادرة عن «المنتدى الاقتصادى العالمى»، دافوس، قدّرت عدد المشردين فى العالم بحوالى ١٥٠ مليونًا، وهو ما نعتقد أنه أقل كثيرًا من العدد الفعلى، الذى كان قد تجاوز المائة مليون سنة ٢٠٠٥، وذكرت إحصاءات أن ١ من بين كل ٦٥ شخصًا حول العالم يعيشون دون مأوى. إضافة إلى إحصاءات ودراسات أخرى عديدة تؤكد أن حوالى مليار شخص، أى ثُمن سكان العالم، يعيشون فى مناطق عشوائية، أو لاجئين فى أماكن مؤقتة، أو يفتقدون إلى المسكن المناسب. وكل هذه الأرقام أيضًا، تقديرية وقد لا تعبر عن الواقع أو الأوضاع الحقيقية، لعدم وجود منهجية أو آلية دقيقة لرصد وتتبع المشردين فى دول العالم.

.. وتبقى الإشارة إلى أن مصر، التى تغيب عن نسخة هذا العام من «مونديال المشردين»، سبق أن شاركت فى هذه البطولة ثلاث مرات على الأقل: فى نسختى ٢٠١٧ و٢٠١٨، وحصلت على المركز الخامس فى نسخة ٢٠١٩. وطبعًا، يمكنك بسهولة استنتاج سب عدم الاحتفاء بالمشاركة المصرية فى تلك البطولة، وعدم الالتفات إلى غيابها عنها!