رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالم بلا أسلحة كيماوية!

نظريًا، وطبقًا لشهادة «مختومة» من منظمة دولية توصف بأنها مستقلة، صار العالم خاليًا من الأسلحة الكيماوية، بعد إعلان الولايات المتحدة، أمس السبت، عن تدمير آخر ما كانت تملكه من تلك الأسلحة، التى كانت كل الدول الموقّعة على اتفاقية ١٩٩٧ قد سبقتها إلى تدمير كل مخزوناتها منها، بحسب فيرناندو أرياس، المدير العام لـ«منظمة حظر الأسلحة الكيماوية»، الذى أكد أن أكثر من «٧٠ ألف طن من أخطر السموم» جرى تدميرها تحت إشراف منظمته!.

تشرف «منظمة حظر الأسلحة الكيماوية» على جهود المجتمع الدولى لإزالة هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل، بموجب الاتفاقية التى أتيحت للتوقيع فى يناير ١٩٩٣، ودخلت حيز التنفيذ فى أبريل ١٩٩٧. وتقديرًا لـ«جهودها واسعة النطاق» حصلت هذه المنظمة، سنة ٢٠١٣، على جائزة نوبل للسلام. ومن المفارقات، أو النكات، أن البيان الصادر عن البيت الأبيض، أمس، قال إن الرئيس الأمريكى جو بايدن يشجع باقى دول العالم على توقيع اتفاقية ١٩٩٧ «من أجل أن يصل الحظر العالمى للأسلحة الكيماوية إلى كامل نطاقه»!.

يعود أول اتفاق دولى لمنع استخدام الأسلحة الكيميائية إلى سنة ١٦٧٥، عندما اتفقت فرنسا وألمانيا، فى ستراسبورج، على حظر استخدام «الرصاص السام». وبعد ٢٠٠ سنة تقريبًا، تحديدًا سنة ١٨٧٤، جرى توقيع اتفاقية بروكسل بشأن قوانين الحرب وأعرافها، التى حظرت استخدام أى أسلحة سامة، أو مقذوفات أو مواد من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها. غير أن هاتين الاتفاقيتين لم تدخلا حيز التنفيذ، ومثلهما، كانت اتفاقية لاهاى الأولى سنة ١٨٩٩، التى وافقت الدول الأطراف فيها على «عدم استخدام الأسلحة السامة» و«الامتناع عن استخدام المقذوفات التى يكون هدفها الوحيد نشر الغازات الضارة أو الخانقة»، ثم اتفاقية لاهاى الثانية، سنة ١٩٠٧، التى جدّدت فيها الدول موافقتها، نظريًا، على ما تضمنته الاتفاقية الأولى.

ما يقطع بأن الاتفاقيات الأربع كانت مجرد حبر على ورق، أو «زى قلّتها»، هو أن الحرب العالمية الأولى شهدت إطلاق حوالى ١٢٥ ألف طن من الكلور والخردل والعناصر الكيماوية الأخرى، أسفرت عن مقتل ٩٠ ألف جندى، وجعلت حوالى مليون يغادرون ساحات المعارك مصابين، مشوهين أو فاقدى البصر. ولأسباب، لا يزال المؤرخون يناقشونها، اختلف الوضع تمامًا خلال الحرب العالمية الثانية، التى كان متوقعًا أن تشهد حربًا كيماوية واسعة النطاق، ثم فوجئت القوى الدولية بعدم استخدام هذه الأسلحة فى ساحات القتال الأوروبية!.

بين الحربين العالميتين جرى اتخاذ عدد من التدابير التى تهدف إلى منع تكرار المآسى أو الكوارث التى شهدتها، والتى كان أبرزها بروتوكول سنة ١٩٢٥، الذى تم توقيعه فى جنيف، ونص على حظر استخدام الغازات الخانقة أو السامة، لكنه لم يحظر إنتاجها أو حيازتها أو استحداث أنواع جديدة منها، وعليه، أنفقت العديد من الدول، التى توصف بأنها متقدمة، أموالًا طائلة لاستحداث أسلحة كيماوية. وبعد الحرب العالمية الثانية، كان السباق، كغيره من سباقات التسلح، خلال الحرب الباردة، احتفظت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، رحمه الله، بمخزونات هائلة، أو عشرات آلاف الأطنان من الأسلحة الكيماوية، التى ظلت تتناقص تدريجيًا منذ ظهور «منظمة حظر الأسلحة الكيماوية»، التى يمكننا أن نستعرض شواهد بالعشرات تؤكد أنها، كغالبية المنظمات والوكالات الدولية، لا تدب فيها الروح إلا لو حصلت على قبلة الحياة الأمريكية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، التى تهدف إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، توصف، أيضًا، بأنها «مستقلة». غير أن الواقع يقول غير ذلك، ويؤكد أن أعمال الرقابة والتفتيش التى تقوم بها تلك الوكالة فى الدول التى لديها، أو التى يشاع أن لديها، منشآت نووية، تتم حسب توجيه أو تكليف الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة فى العالم التى تنشر أسلحتها النووية، والكيماوية، والبيولوجية، خارج أراضيها.