رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى الفكر الصهيونى المُعاصر| وثيقة «الحسم»: الحياة على أسنة الحراب!

بالإضافة إلى «إيتمار بن غفير»، الإرهابى شديد التطرف، والوزير الدموى فى حكومة «نتنياهو»، الذى يقف خلف العديد من مظاهر التحرُّش الإجرامى بالشعب الفلسطينى والعدوان الهمجى عليه وعلى مُمتلكاته وطرده من أراضيه، والمطالبة والدفع باتجاه «تطهير أرض الميعاد» من الفلسطينيين، وإعدام أسراهم دون مُحاكمة، وكذا خلف المحاولات المُتكررة لتدنيس المسجد الأقصى والأماكن المسيحية المُقدسة فى الفترة الأخيرة، كما أشرنا فى المقال السابق، برز قطب آخر، يشبهه فى السمات العنصرية، ويُزايد عليه فى التوجهات الإرهابية، هو «بتسلئيل سموتريتش» رئيس حزب «الصهيونية الدينية»، وحليف «نتنياهو» الدموى فى الحكومة الأخيرة!

صعود حثيث إلى قمة دولة الإرهاب والفصل العنصرى

وقد احتل «سموتريتش» موقعه فى «الكنيست» للمّرة الأولى فى انتخابات ٢٠١٥، على قائمة «البيت اليهودى» المُتطرّفة. وفى نهاية العام ٢٠١٨، انتُخب رئيسًا لحزب «هئيحود هليئومى» العنصرى، وقد سبق أن أدار «جمعية رغافيم» اليمينية المتطرفة العنصرية، التى تُلاحق الفلسطينيين فى أراضى ١٩٤٨ و١٩٦٧، وتدفع السلطات الصهيونية لاستصدار أوامر هدم بيوتهم، بحجة البناء غير المُرَخَّص، وكان همّه الأساسى طوال أدائه البرلمانى إقرار مجموعة من مشاريع القوانين ذات السمات العنصرية والإرهابية، التى تدعم مُمارسات عصابات المستوطنين الإجرامية، وتستهدف اغتصاب أراضى الفلسطينيين وطردهم من أملاكهم الشرعية.

وكذلك طرح «سموتريتش» سلسلة قوانين عُرفت بقوانين «الضم الزاحف»، وأخرى استهدفت تقويض الجهاز القضائى الصهيونى لصالح المُستوطنين المُتطرفين، كما عيّنه «نتنياهو» وزيرًا للمواصلات، ويدعو «سموتريتش» إلى اعتبار إسرائيل «دولة شريعة يهودية»، على نحو ما كانت «فى أيام داود الملك وسليمان الملك» وقاد «تحالف الصهيونية الدينية» للكنيست الـ٢٥، الذى كان يضم ثلاث قوى سياسة حازت أربعة عشر نائبًا، قبل أن ينشق التحالف إلى ثلاث كُتل برلمانية، كما تولّى موقع المسئولية الرئيسى فى «الإدارة المدنية» ومُنسق عمل الحكومة فى الضفة المُحتلة.

خطة «الحسم»!

وقد أعلن «بتسلئيل سموتريتش» عن خطته لتصفية القضية الفلسطينية و«إنهاء الصراع الصهيونى/ الفلسطينى»، عام ٢٠١٧، فى مشروعه المُسمّى «خطة الحسم»، التى نشرها عام ٢٠١٧ فى مجلة «هاشيلوح» العبرية، وأصبحت «الخطة المُعتمدة» لـ«حزب الصهيونية الدينية» الذى يتزعمه، ثم أصبحت الخطة المُعتمدة لكتلته، والتى تسعى لتحقيقها على أرض الواقع، فى أعقاب انتخابات عام ٢٠٢٢، ووصوله إلى مكامن صُنع القرار فى الائتلاف الصهيونى الحاكم.

ويرتكز مشروع «سموتريتش»- استنادًا إلى الترجمة والقراءة التحليلية فى «خطة الحسم» لحزب الصهيونية الدينية، للدكتور أشرف عثمان بدر، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، أبريل ٢٠٢٣- على مجموعة من المفاهيم الرئيسة، فى مقدمتها النظرة «الخلاصية» التوراتية المزعومة، بأن «أرض إسرائيل الكاملة»، والمُحددة بالمساحة الواقعة ما بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، مساحة جغرافية وطبوغرافية واحدة، ومُقدّسة، ولا تقبل التجزئة، وأن هذه الأرض «الكاملة» وديعة إلهية لبنى إسرائيل، ونحن هنا لنبقى. إن تحقيق طموحنا القومى بدولة يهودية من البحر إلى الأردن، حقيقة مُطلقة غير قابلةٍ للنقاش، وغير قابلة للتفاوض! ومن ثم فإن لقيام «الدولة الصهيونية» رسالة دينية سامية، ولتأسيسها- بما صاحبه من أهوال طالت شعب فلسطين والعرب- غاية عقيدية مؤكدة، فهى تُمهد لخروج «المسيح المُنتظر»، الذى سيتم على يديه خلاص البشرية وتحقيق «سيادة اليهود على العالم»!

«حل الدولتين» مات، وينبغى دفنه!

وتنطلق «خطة الحسم» من اقتناع مفاده أنه لا مكان فى «أرض إسرائيل» لحركتين وطنيتين مُتناقضتين- يقصد الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية- وعليه فإنه طالما امتلك الفلسطينيون الأمل بإقامة «كيان وطنى» تحت أى مُسمّى، «حتى ولو اقتصر على سلطة فلسطينية منزوعة السيادة»، فسيظل الصراع مُحتدمًا!

وعليه فإن لدى «سموتريتش» يقين بوصول «حل الدولتين» المطروح منذ قرار التقسيم «١٩٤٧»، والمُكرَّس منذ اتفاقية «أوسلو» التى صدر عنها «إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتى الانتقالى»، الذى وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فى مدينة واشنطن، يوم ١٣ سبتمبر ١٩٩٣، بحضور الرئيس الأمريكى الأسبق «بيل كلينتون»، قد استنفد أغراضه، ووصول ركبه إلى طريق مسدود، خاصة بسبب تحول مسلك القادة الصهاينة «من السعى لإنهاء الصراع، إلى إدارة الصراع»، الأمر الذى شجع الفلسطينيين، ويُشجعهم، على مُمارسة «الإرهاب الفلسطينى»! وهو «إرهاب» ليس مبعثه «اليأس»، كما درج البعض على القول، إنما دافعه «الأمل» الذى يُراود الفلسطينيين فى إمكانية انتزاع كيان وطنى خاص بهم، الوضع الذى يتوجَّب معه، حسب رؤية «سموتريتش»، العمل على إفقاد الفلسطينيين أى أمل فى تحقيقه!

المهمة الرئيسية: إجهاض الأمل الفلسطيني! 

هذه الغاية، أى القضاء على أمل امتلاك الشعب الفلسطينى دولته، بالقوة والعنف، تُوجب- حسب وثيقة «الحسم»- فرض الأمر الواقع من خلال «الحسم الاستيطانى»، و«تشجيع الهجرة»، و«الحسم العسكرى»، للتعامل مع الرافضين لوجود إسرائيل، وباستخدام القوة المُفرطة، وتسخير الجيش الصهيونى للقضاء على كل من تسول له نفسه المقاومة، لأن مجرد طرح مفهوم «وجود الشعب الفلسطينى» يتناقض مع وجود دولة إسرائيل، ومن ثم لا يجب السماح بإقامة أى دولة عربية فى قلب «أرض إسرائيل» بأى صورة من الصور!

وإذا كان هذا هو هدف «خطة الحسم» النهائى، فكيف يكون العمل مع الفلسطينيين، داخل الأرض المحتلة، وخارجها، بل وحتى المتوزعين فى الشتات؟

مُذعنين أو مطرودين!

تُقَسِّمُ «الخطة» أبناء الشعب الفلسطينى إلى جزءين، الأول: «الفلسطينيون المُذعنون» الذين يخضعون لخيار التخلّى عن طموحاتهم الوطنية وينحنون للضغوط المُصاحبة، فيبقون تحت السيطرة الكاملة كـ«أفراد مُقيمين» فى الدولة اليهودية، والثانى: أولئك الذين لا يُريدون التخلّى عن «تطلعاتهم الوطنية»، وأمامهم سبيل من اثنين: إما «الهجرة الطوعية» والمُغادرة النهائية لأرض الأجداد، أو التعامل معهم بـ«القوة المفرطة» و«الحسم العسكرى» وخاصةً إذا فكروا أو استخدموا العنف «الإرهاب» فى مواجهة «الدولة»!

ها قد دارت دورة الزمان، وتحولت الضحية إلى مجرم ممسوس بالعنف والكراهية، مُحققًا وصف «توم سجيف»، فى كتابه «المليون السابع»، «وعلى غرار الوعد الإلهى الوارد فى التوراة، فإن الإبادة الجماعية هى عنصر من عناصر التبرير الأيديولوجى لإنشاء دولة إسرائيل»، وهو وضع سيُبقى جذوة النيران مُشتعلة، وطبول الحرب دائمة الدق، أو كما أجاب «بنيامين نتنياهو» نفسه: «يسألوننى إن كنا سنحيا على حرابنا إلى الأبد؟.. نعم»!

الأمين العام لـ«الحزب الاشتراكى المصرى»