رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعلومات.. وحرية تداولها


جاءت الجلسة التى ناقشت قانون حرية تداول المعلومات لتؤكد على ان حق الحصول على المعلومات وتداولها هو حق أصيل أقرته المواثيق الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية بالإضافة الى إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والإعلان الخاص بمبادئ حرية التعبير فى قارة أفريقيا وجميعها إتفاقيات صدقت عليها مصر.

هذا بالإضافة الى ان هذه الحرية هى إستحقاق دستورى بنص المادة رقم 68 من دستور 2014 التى تشير الى ان البيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب وان الإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن وان القانون ينظم ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها وقواعد إيداعها والتظلم من رفض إعطائها ويحدد عقوبة حجب المعلومات أو تقديم معلومات مغلوطة عمداً.
من الطبيعى ان تكون الرؤية الأمنية تتعارض مع إتساع مفهوم حرية تداول المعلومات خاصة فيما يتعلق بالأمن القومى والجانب العسكرى منها وهو ما نصت عليه المادة رقم 80 أ من قانون العقوبات رقم 150 لعام 2021 بيد أن هناك العديد من الضرورات التى أرى انه بمقتضاها اصبحت فكرة حرية تداول المعلومات مطلوبة خاصة على ضوء ما تتعرض له الدولة المصرية حالياً من حروب الشائعات والفتن التى تهدف الى هدم إستقرار البلاد.

وذلك فى غياب المعلومة الحقيقية والصحيحة التى سوف يترتب عليها وأد تلك المحاولات فى مهدها وعدم تغلغلها الى معلومية المواطن العادى من خلال شبكات التواصل الإجتماعى التى جعلت أى معلومة تصل الى مشارق الارض ومغاربها فى دقائق معدودة.
المهم هنا ان جلسة الحوار الوطنى التى ناقشت هذا الموضوع قد شارك فيها عدد يقارب 60 شخصاً يمثلون تنوعاً مختلفاً فى الثقافة والفكر والعلوم والصحافة ولكن لم يكن بينهم مسئولاً أمنياً أو شخصية  سبق لها العمل فى أحد الأجهزة الأمنية إلا انه والحق يقال ان الاستاذ/ ضياء رشوان المنسق العام للحوار كان يقظاً وحريصاً على ضبط إيقاع المطالبات التى وصلت أحياناً الى حدها الأقصى فى أن تكون جميع المعلومات متاحة لجميع الأشخاص فى جميع الأوقات وهى مطالبة – من وجهه نظرى – تتعارض تماماً مع مفهوم الأمن القومى لأى دولة فى العالم.

ولعل هذا ما جعل قانون حرية تداول المعلومات الذى سبق مناقشته عام 2008 لم يخرج الى ارض الواقع ... على صعيد أخر فقد كان هناك اجتماع للمجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة مؤخراً مع عدد من كبار الكتاب ورؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية حول "مكافحة مواقع العنف وإثارة الفتن " حيث خرج هذا اللقاء بالعديد من التوصيات من بينها دعم الحرية الإعلامية وتطبيق عقوبات مشددة على حالات إختراق القيم الإنسانية وضرورة إصدار قانون حرية تداول المعلومات لمواجهة حالات الإختراق ونشر الشائعات والسقوط فى بئر الأكاذيب وترويجها بما يتعارض مع المعلومات الحقيقية والصحيحة التى تحمى شعبنا وشبابنا من التأثير السلبى عليهم وعلى ولائهم وإنتمائهم للوطن.
تجدر الإشارة الى ان حرية تداول المعلومات هو مصطلح يشير الى حماية الحق فى حرية التعبير من خلال إمكانية الوصول الى حقيقة المعلومات من مصادرها أو من الوثائق التى تتضمنها دون قيود... وقد ناقش مجلس الشورى المصرى فى العاشر من فبراير 2013  مشروع قانون حرية تداول المعلومات وتم إقراره فى جلسة التاسع من مارس فى نفس العام بعد إضافة بعض الملاحظات عليه إلا ان هذا القانون ايضاً لم يتم العمل به فى حينه نظراً للظروف الأمنية المتردية التى تعرضت لها البلاد فى تلك الآونة...وقد أستند المجلس عند التصديق على هذا القانون الى المبادئ التسعة التى صدرت من هيئة الامم المتحدة عام 2000 والتى تمثل الحد الأدنى الواجب توافره فى قوانين حرية تداول المعلومات فى أى دولة تخطو نحو الديمقراطية.... ومن ابرز تلك المبادئ ان تسمح تشريعات الدول  بحرية تداول المعلومات بأقصى درجات الإفصاح وان الجهات الحكومية مجبرة على نشر المعلومات الأساسية وان تكون الإستثناءات على هذا الحق واضحة وفى أضيق نطاق .
كان من الطبيعى ان يطالب الأخوة الصحفيين الذين شاركوا فى تلك الجلسة بضرورة إصدار قانون يتيح حرية تداول المعلومات وذلك لما يمثله من تسهيل لمهامهم فى نشر الحقائق من خلال المعلومة الصحيحة المستقاه من مصادرها وإتاحتها للجميع حيث أوضح خالد البلشى نقيب الصحفيين انه يحمل مطالب الجمعية العمومية للصحفيين والتى يأتى على رأسها توفير المناخ المناسب لعمل الصحافة بشكل تكون من خلاله قادرة على الحصول على المعلومات وعرضها على المواطن بوضوح وشفافية.
الواقع انه بالفعل يجب ان يصدر قانوناً بهذا الشأن خاصة وان المناخ العام فى مصر اصبح لا يحتمل إخفاء المعلومة المطلوبة للمواطن العادى لكى يطمئن على ان امور بلاده تسير فى إطارها الصحيح ولكى لا يعطى الفرصة لابواق الضلال التى تتربص بمصر من بث سمومها وأكاذيبها لهذا المواطن خاصة ونحن نسعى حالياً وبكل قوة من خلال الرئيس عبد الفتاح السيسى والأجهزة التنفيذية فى الدولة الى جذب الإستثمارات وتشجيع السياحة ودفع رجال الاعمال العرب والاجانب والشركات الكبرى على فتح المصانع والمشروعات الاقتصادية التى تحقق عوائدها المتوقعة سواء لهم او للدولة المصرية خاصة واننا فى زمن الإنفتاح العالمى الكامل وفى ثورة التكنولوجيا ووفرة المعلومات وبالتالى فإن القيود التى كانت مفروضة على تداول المعلومات أصبحت لا تتوافق مع هذا العصر.....ومن هذا المنطلق جاءت الرؤية الصائبة للسيد رئيس الجمهورية عندما اوصى بإحالة مشروع قانون حرية تداول المعلومات الذى اعدة المجلس الاعلى لتنظيم الاعلام الى مجلس النواب فى خطوة بالغة الاهمية تؤكد ان سيادته يتابع بكل اهتمام تلك المناقشات الجادة التى تطرح فى الحوار الوطنى وصولاً الى التصديق على مخرجاتها طالما كانت فى حدود صلاحياته الدستورية كذلك للتأكيد على اهتمامه بكافة القوانين المتعلقة بحقوق الانسان بحسبان ان هذا القانون يتعلق بتلك الحقوق ....يبقى هنا ان نشير الى ضرورة التأكيد على ان تتضمن الاستثناءات الواردة فى هذا القانون كل ما يمس الامن القومى للبلاد وايضاً المعلومات التى من شأنها الإضرار بالإقتصاد القومى والنظام العام ومنظومة القيم الاخلاقية والدينية حماية لنا وللأجيال القادمة بإذن الله.. وتحيا مصر.