رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اليمين «الأكثر تطرفًا» يُحكم السيطرة على الكيان الصهيونى

ما أحدثته آلة الدمار الإسرائيلية لدى اقتحامها مدينة جنين الفلسطينية مؤخرًا، من هدم وتخريب وقتل وإبادة، يستدعى إلى الذاكرة مقولة «أرنولد توينبى» المؤرخ البريطانى المعروف، «١٨٨٩-١٩٧٥»، الذى اعتبر أن «مأساة التاريخ المُعاصر لليهودية تتلخَّص فى أنه بدلًا من اكتساب درس من مُعاناتهم، يتعامل اليهود مع العرب مثلما تعامل النازيون معهم»، وهو أمرٌ واقعٌ كَرَّرَ الإشارة إليه الكاتب «بيير ديميرون» بتوصيفه لطبيعة المُمارسات الصهيونية تجاه العرب «والفلسطينيون فى القلب» منهم: «إن اليهود، يقومون باسم الموتى، بمد حدودهم بلا عقاب، ويُكثرون من الفتوحات، ويتمادون فى اغتصاب الحقوق والأعمال الانتقامية تجاه ضحاياهم، الذين لا ذنب لهم سوى رفض التسليم بالمصير الظالم الذى فُرض عليهم.. لقد أصبح لديهم أخيرًا، بدورهم، يهودهم العرب»!

وحسب الباحث الفلسطينى، «برهوم جرايسى»، فقد «أطبق اليمين الاستيطانى الإسرائيلى الأشد تطرفًا، سيطرته على التيار الصهيونى الدينى فى السنوات القليلة الأخيرة، إلى حد تغييب جميع التيارات الدينية الصهيونية الأخرى، عن الواجهة، ليس فقط على المستوى السياسى البرلمانى، بل حتى فى الحياة العامة». 

فقد سجَّلت الانتخابات الأخيرة التى جرت فى الأول من نوفمبر ٢٠٢٢، «ذروة فى هذه السيطرة»، وطبقًا للإحصاءات التى أوردها فى دراسته المعنونة بـ«استفحال التطرُّف فى التيار الصهيونى الدينى»، «مُلحق (المشهد الإسرائيلى) الأسبوعى الصادر عن (المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية)، العدد ٥٨٣، ١٩ يونيو ٢٠٢٣»، فإن نسبة المُنتمين إلى التيار الصهيونى الدينى، أو حسب التسمية الرسمية «التيار الدينى القومى»، بين ١٣٪ و١٤٪ من مُجمل السُكَّان فى الكيان الصهيونى دون القدس المحتلة، «٩.٣٧ مليون نسمة حتى مطلع مايو ٢٠٢٣»، وهذا يعنى أنهم يُشكلون حوالى ١٧.٥٪ من إجمالى اليهود المعترف بيهوديتهم دينيًا فى إسرائيل، لافتًا النظر إلى حقيقة مُهمة تتصل بنسبة التكاثر الطبيعى لديهم «فى حدود ٣.١٪»، مُقارنةً بمُعَدَّل نسبة تكاثر عام ٢٪، وبين المُتدينين المُتزمتين «الحريديم» ما يُقارب ٤٪، وبين العرب ٢.٥٪، أما لدى جمهور العلمانيين اليهود فإن نسبة التكاثر لا تتعدى ١.٥٪.

ورغم محدودية أعداد المنتمين إلى الجماعات الدينية المُتطرفة فى الكيان الصهيونى، فإنهم بدهاءٍ يلعبون دور «رُمانة الميزان»، الذى يسعى جميع الفُرقاء السياسيين، من التيارات المُسمَّاة «علمانية» إلى استرضائهم وكسب ودهم، وتقديم التنازلات المُتتالية لهم من أجل الحصول على دعمهم السياسى، وهم يستغلون حاجة كل الأطراف المُتصارعة على قمة الحكم إلى مساندتهم لحسم الأمر، وبالذات حكومة «بنيامين نتنياهو» المُهتزة، لابتزازهم والحصول على مكاسب وتنازلات ضخمة، لجهة القبول بمطالبهم «الدينية» والخاصة بدعم وجود ونفوذ هذا التيار، وهو الأهم تجاه الشعب الفلسطينى، الذى ينظرون إليه باعتباره عدوًا يجب إبادته وطرده من «الأرض الموعودة»!، 

وهكذا، وجدناهم، على سبيل المثال، فى عملية مُنتظمة لا تنقطع، منذ تسيُّدهم السلطة فى الكيان الصهيونى الغاصب، يُكررون العدوان على المسجد الأقصى، ويتحرَّشون بالمُصلين فيه، ويسعون لفرض أمر واقع جديد، باقتسام الوقت والمكان داخله بين اليهود والمسلمين، بادعاءٍ كاذب كما أثبتت كل الدراسات الأكاديمية وجود «هيكل سليمان» المزعوم فى نفس موقع المسجد. 

كما وصل الغلو الإجرامى بأحد أهم رموزهم ، «إيتمار بن غفير»، «وزير الأمن القومى الإسرائيلى»، وما أدراك ما هو «الأمن القومى الإسرائيلى!»، إلى حد الإعلان عن تعهده بـ«العمل على إصدار قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين»، دون مُساءلة أو مُحاكمة من أى نوع، «الأهرام أول يونيو ٢٠٢٣»، وهو قانون فاشى/نازى، لم يسبق إلّا لعصابات القتل على الهوية ومافيات المُخدرات والسلاح مُمارسته، فى ظل تهديده المُعلن بحل حكومة اليمين الإسرائيلية بقيادة «نتنياهو»، حال عدم تبنيها «خطًا يمينيًا مُتطرّفًا»، الأهرام ٨ مايو ٢٠٢٣.

وفى هذا السياق، يجب النظر إلى تطور خطير آخر، وهو حصول الإرهابى «بن غفير» على قبول الحكومة الصهيونية إنشاء جهاز أمنى «خصوصى» جديد، يعمل تحت إمرته، ويخضع لتوجيهاته مُباشرةً، اسمه «الحرس الوطنى»، حَدَّدَ وظيفته الرئيسية بـ«التصدّى للفلسطينيين فى أراضى ١٩٤٨»، وتم تخصيص ١.٥٪ من موازنة الوزارات لتمويل تكوين هذه القوة الإرهابية الإضافية رغم اعتراض الأجهزة الأمنية الأخرى، كالشرطة، والمُستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، ورفض زعيم المُعارضة «يائير لابيد» الذى دمغ هذا المشروع بأنه: «جيش خاص للبلطجية (أو السفَّاحين) التابعين لمُهرِّج التيك توك»! وهو ما وصفه الباحث «خلدون البرغوثى» بأنه: «تأطير رسمى لتنظيم إرهابى قائم» «الموقع الإلكترونى لمركز الأبحاث منظمة التحرير الفلسطينية». وهدفه المُعلن، كما يتضح من شروح «بن غفير» لمهامه ودوره، إتمام عملية الطرد القسرى لأبناء الشعب الفلسطينى الصامدين فى أراضيهم المُحتلة منذ عام النكبة، ١٩٤٨، عملية الترانسفير لـ«تنقية» أو «تطهير» الأرض «الموعودة» من أصحابها الأصليين. 

يتبع: «خطة الحسم» ودوائر الصراع القادم