رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما أهمية الفحولة الجنسية ؟

حياة العرب كلها تنافضات فى تناقضات . هناك تناقضات ايجابية ، صحية ، ضرورية للتقدم ، وكشف الحقائق ، ومعالجة المرض من جذوره . 
  لكن التناقضات التى يعيش العرب فى كنفها ، ويستميتون فى استمرارها ، ويقتلون من أجلها القريب والبعيد ، والتى  أصبحت فعلا ملمحا أساسيا من ملامحهم ، وأحد التعريفات الدالة على هويتهم ، هى تناقضات فى اختلال التفكير ، واعتلال التقاليد ، واعوجاج الأولويات . تناقضات من بؤس مرضها ، تدعو الى الضحك . 
 والأكثر بؤسا أن العرب يغلقون كل ثغرة ، يمكن أن تشفيهم . وهم يتكتلون ويتضامنون ، هم المعروفون بعجزهم عن التكتل والتضامن ، 
فى جبهة  واحدة من المحيط الى الخليج ، بكل أسلحتهم لكى يخرسوا 
الأصوات التى تنقدهم ، وتوضح كيف أنهم أسرى قيم موروثة تمرضهم كل يوم . 
   أكبر وأخطر هذه التناقضات ، هى علاقة العرب بأجسادهم التى اختصروها فى الجنس ، والعلاقة الحميمة مع جسد المرأة . 
   لا يوجد على وجه الأرض ، شعوب " تحتقر " الجنس والجسد ، مثل الشعوب العربية . لا يوجد على وجه الأرض ، شعوب " مهووسة " بالجنس والجسد ، مثل الشعوب العربية . 
 وما بين " الاحتقار " ، و" الهوس " ، تحدث الجرائم ، والخيانات ، والتدنى الأخلاقى ، وفشل العلاقات ، والتعاسة ، وعقد الذنب ، وتأنيب الضمير ، والكذب .
    والنتيجة أن العرب يحتلون المراكز الأولى فيما تسمى جرائم الشرف والتحرش ، والختان للاناث والذكور ، والتحرش الجنسى ، والشتائم الجنسية ، والعنف ضد النساء ، واغتصاب المرأة ، والكبت الجنسى ، ومشاهدة الأفلام الجنسية ، وتعدد الزوجات ، وتغطية المرأة ، وترقيع غشاء البكارة الذى أصبح جائزا فى بلادنا بفتوى شرعية ، وتحريم الحب وتجريمه بالشرع والعُرف ، واقتصار الشرف فى الأفعال الجنسية ، واختصار معنى الرجولة فى الفحولة الجنسية ، واختصار الأنوثة فى المفاتن الجنسية التى تجذب الرجال جنسيا ، وأفظع الفضائح والعار ، هو كشف العلاقات الجنسية فى الأسرة ، وممارسة الجنس تحت بير السلالم ، فى الظلام ، والشقق المفروشة المخصصة لهذا الغرض ، والنهى عن تدريس الثقافة الجنسية للجنسين عبر مراحل التعليم المختلفة . 
   كل هذه الأشياء المتنوعة وغيرها ، يدل على " احتقار " الجنس والجسد ، واعتبارهما أكبر الخطايا وأصل الدنس ومنبع كل الشرور .
   وفى الوقت نفسه ، لا شئ يشغل بال العرب ، الا الجنس ، وكيف يثبت الرجل قوته الجنسية التى هى أهم ما فيه ، وكيف تثبت المرأة قدرتها الجنسية فى جذب الرجل ، التى هى أهم ما فيها . العرب لديهم 
" هوس " جنسى طوال الوقت ، وهم يفسرون أغلب الأشياء والعلاقات من منظور الجنس . 
 ولذلك هم ينفقون أكثر من 15 مليار دولارا سنويا ، على المنشطات الصناعية ، مع أن غالبية الدول العربية ، فقيرة ، تأكل وتشرب وتسكن وتُعالج وتتعلم فى ظروف اقتصادية لا تُحسد عليها . واذا كان الرجل العربى ، لا يستطيع شراء المنشطات الجنسية ، فانه يلجأ الى طريقة أرخص ، وهى الاستعانة بالمشايخ ، ليعطوهم زيوتا أو أنواعا من الأعشاب ، أو يعملون له حجابا ، يضعه تحت المخدة ، وهو على وشك اثبات أهم ما فيه .
     اذا كان 15 مليارا دولارا ، تنفقها البلاد العربية ، سنويا على المنشطات الجنسية ، فهذا يشير الى خلل ، واختلال ، فى علاقة الرجل العربى ، بالجنس . وتدل على أن العلاقة بين الرجال العرب ، والنساء العرب ، تعانى من أزمة حقيقية ، لا تقل عن الأزمات السياسية والاقتصادية ، والثقافية والدينية والنفسية والأخلاقية والبيئية .
         مع كل قرص يبتلعه الرجل ، قبل المعاشرة الجنسية ، يكون قد ابتلع الوهم ، أن تركيبا كيميائيا ، هو الحل السحرى ، السريع ، لمشكلته الجنسية ، مع المرأة . 
       يبتلع الرجل  وهم تنشيط الرجولة ، كما يبتلع الضوضاء ، 
و الحروب ، والابادة الاجرامية للشعوب باسم الديمقراطية والسلام ، والانحدار الأخلاقى ، وغياب العدالة ، ونقص الحريات ، ودم الشهداء ، وارتفاع الأسعار ، والفن الردئ ، وكذب الاعلام .  
     أن يمتد الزيف إلى إحساس الجسد ، وانتشاء الروح ، فهذا جزء ضرورى من الحصار ، الذى يستهدف  ، خلق انسان بانسانية مشوهة ، مجزأة ، تخدم تشوه ، وتجزؤ الانسانية عالميا ، ومحليا . 
      رجل ينفق بسخاء لاحداث " الانتصاب " العضوى ، فى علاقة أصلا ، مصابة " بالارتخاء " المزمن ، انسانيا ، وعاطفية . وامرأة 
استغنت عن الانسجام الفكرى المتجدد ، " بكفاءة ميكانيكية " ، فورية
الصنع ، فورية النتيجة . تماما ، مثل اشباع الوجبات السريع ، 
التى تضر ، أكثر من أن تفيد . الفارق هائل بين " وجبة على السريع "،
والطعام " البيتى " ، الدسم ، الممتلئ بكل مقومات الغذاء الصحى .              رجل ، تتهاوى كل الأشياء من حوله ، ولا يهمه الا لحظة مؤقتة ، 
لاثبات مقياس الرجولة الساذجة ، المنحصر على الأداء العضلى . 
  وامرأة ، تنسى أنها " متاع ذكورى " ، و " ملكية ذكورية " ، 
و " أرض ذكورية " ، محتلة ، وجاهزة تحت الطلب ، حينما تئن
الشهوة الذكورية . لكنها لا تكتفى بذلك ، بل تستسلم أيضا ، لعلاقة
" آلية " ، واجبة الاشباع بأى ثمن . 
     إن الرجل السوى ، المحب ،  تحرر من الحاح الغرائز الحيوانية الدونية . يرى الجنس ، أكمل تعبير عن التناغم بينه ، وبين امرأة ، يشتهيها بالعقل ، والعاطفة ، والجسد . امرأة لا تقل عنه حرية ، وإنسانية ، و كرامة . 
     مع هذا التناغم ، يحدث تناغم آخر ، بين الطرفين من ناحية ، وبين الكون المحيط . هنا يصبح الجنس ، نبوءة ، وكشف للأسرار ، وعلاج للروح التى تشعر بالغربة ، واضاءة جديدة للدروب المظلمة . والنتيجة ، هى " السعادة " الجنسية . وليس " الاشباع " الجنسى ، الذى يتولد من 
علاقات مريضة ، غير متكافئة ، لقتل الوقت والتسلية ، ولانجاب النسل .
     " الاشباع " الجنسى شئ  . لكن " السعادة " الجنسية ، شئ آخر ، مختلف شكلا ، وجوهرا ، ودلالة ، وفلسفة .  
    نحن نعيش فى مجتمعات ، وفى عالم ، غير انسانى ، مقلوب المقاييس . عالم ،  تسيره علاقات كلها ،   بين طرف أعلى ، وطرف أدنى .  عالم الإنسان المتصارع مع أجزائه . عالم فى تناقض جوهرى ، وعداء أصيل ، مع العدالة ، والحرية . بدون عدالة ، بدون حرية ، يستحيل الحب الحقيقى ،  تستحيل السعادة الجنسية . بدون حرية ، 
لا نتذوق أبدا " الفرح الجنسى " ، الذى لا يشترط التورط الجسدى 
المتلاصق ، أو حتى التقاء جسدين ، للوصول الى ما يسمونه " المحطة الأخيرة " . يمكننا الاحساس بالفرح الجنسى ، بأشياء لا تمت للجنس 
التقليدى ، الموروث ، بأى صلة . الفرح الجنسى ، لا محطة أخيرة له .
      هناك " صفقات " عاطفية ، " مشروطة . هناك " تبادل " منفعى لأدوار ، واحتياجات محددة ،  ومبرمجة سلفاً .  وهناك " نجاح " جنسى بين أجساد مغتربة ، لا تجد الرضا ، الا فى اشباعات عابرة ، هى الأخرى بالضرورة ، " مغتربة " . 
    العلاقة الحميمة بين الرجل ، والمرأة ، ليست علاقة جسدية . ربما الجسد ، هو " الوسيط " . لكنها علاقة " فكرية " ، " وجدانية " ، 
" حضارية " ، " فلسفية " ، فى المقام الأول . ولذلك هى تنتج
السعادة ، البهجة ، والامتلاء ، والثراء ، فى كل معانيه ، وأبعاده . 
  الأدوية ، والأعشاب ، وبعض أنواع الطعام ، والشراب ، ومشاهدة
الأفلام المثيرة جنسيا ، كلها أدوات " مفتعلة " ، و" محفزات " ،
صناعية ، خارجية ، لتعويض الشئ  الأصلى الناقص . 
     هذه المحفزات المفتعلة ، هى التى تجعل بلادنا ، فى الصفوف الأخيرة لجودة الحياة ، والسعادة ، والصدق مع الذات ومع الآخرين . 
   ماذا تفيدنا الفحولة الصناعية أو الطبيعية ، فى بناء نهضة مصر ، وتجديد أفكارها ، والشفاء من الأمراض المزمنة ؟؟. 
   ومنْ قال أن الفحولة الجنسية ، شئ بهذه الأهمية ، التى نكاد 
نقدسها ؟؟. وهى مقدسة بالفعل . 
     من بستان قصائدى  
------------------------------------                                   
 انتظرتك لمدة تسعة شهور كاملة  
ولم أحمل الا بالغثيان واليأس 
لم يكن الانتفاخ فى بطنى 
بل فى الاشتياق وشِدة الحنين 
ماذا أفعل بهذا الحمل الشقى 
وكيف أتخلص من هذا الجنين ؟