رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اضربنى أرجوك

لم أكد أفيق من كارثة احتراق شقتى بالكامل، وأبدأ فى استعادة نفسى وترتيب حياتى بعد أن خسرت بيتى، حتى يواجهنى شىء آخر كارثى، لم يحرق الأثاث، لكنه أحرق دمى وأعصابى.

إلى متى سيظل المشايخ والدعاة المتأسلمون يضيّعون نهضتنا وطموحنا الحضارى وتقدمنا الإنسانى؟. إلى متى يتوقفون عن التدخل فى شئوننا، وبالأخص شئون النساء؟ 

الله لم يمنح أى أحد توكيلًا ليقتلنا باسمه، وينصّبوا أنفسهم أوصياء على المرأة. 

غالبية المشايخ أصحاب «بيزنس» الأديان يتكلمون بشكل يجعلنى أشعر بأنهم «آلهة»، وليسوا بشرًا. 

كل شغلهم على المرأة، وأعتقد لو أزحنا النساء فلن يصبح لديهم شىء للوصاية عليه، والتكلم عنه، وإصدار الفتاوى بشأنه. 

على قناة فضائية ثرية، فى استديو مكيف الهواء، سألت المذيعة التى فى كامل الأناقة الصناعية، أقصد المكياج، وترتدى اللامع والمزخرف: 

«مولانا.. إحنا اتلخبطنا خالص، ومش عارفين نمشى على أى فتوى، والكلام فيه جدل ولغط.. يا ريت يا مولانا ترسينا على بر فى مسألة ضرب الزوجات عشان البيوت المصرية تستقر، وعشان الأسرة المصرية تبقى مطمنة إنها ماشية على شرع ربنا الحلال.. اتفضل يا مولانا». 

وفعلًا تفضل مولانا، ويا ريته ما تفضل. قال الشيخ بعد المقدمة الدينية التى يبدأ بها المشايخ، لإشعارنا بالرهبة، وتمهيدًا أن نطيعه دون نقاش: 

«المقصود بضرب الزوجة هو نوع بسيط خفيف جدًا من الضرب، الذى لا يعد عنفًا، أو إيذاءً، أو إهانة من الزوج.. من حق الزوج ضرب زوجته، إذا أخطأت، أو أذنبت، أو عارضته أو ابتعدت عن الصراط المستقيم الذى حدده شرع الله.. ما العيب فى هذا؟.. إن المرأة الطبيعية السوية التى نعرفها لا يمكن أن تعترض على ذلك، وأغلب النساء لا تشعر برجولة زوجها إلا إذا عنّفها وضربها وتسلّط عليها، حتى تشعر هى بأنوثتها».

قالت المذيعة مبتسمة فى راحة: «ربنا يريح بالك يا مولانا.. طبعًا كلنا عاوزين نمشى على شرع ربنا، وأكيد له حكمته الغامضة علينا، وأى ست تحب تشعر بأنوثتها، زى ما الراجل يحب يشعر برجولته.. كده يا مولانا كل شىء واضح، ألف شكر فضيلة الشيخ، جزاك الله كل خير». 

هل هذا الشيخ يعيش معنا على كوكب الأرض، وفى القرن الحادى والعشرين.. أم يعيش على كوكب آخر، فى قرن آخر من الزمان؟!.

لو هذا الشيخ لا يعيش معنا على كوكب الأرض وفى القرن الحادى والعشرين، فالمصيبة عظيمة، وإذا كان يعيش معنا على كوكب الأرض وفى القرن الحادى والعشرين، فإن المصيبة أعظم. والسبب هو أن أحوال المسلمين على كوكب الأرض فى القرن الحادى والعشرين لا تسر أحدًا، ولا تبعث على الرضا أو الزهو. فإذا قرر هذا الشيخ أن يتجاهل المشكلات والأزمات السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية والعاطفية والنفسية، التى تحاصر المسلمين، ولا يتكلم إلا عن حق الزوج فى تأديب زوجته بالضرب، فليس هناك أدنى أمل فى تجديد الخطاب الدينى المطلوب. 

بعض المسلمين لا يشتغلون إلا على «الحائط المائل»، اسمه المرأة.. بعض المسلمين، فيما يبدو، بينهم وبين النساء «تار بايت» منذ قديم الأزل، ربما يرجع إلى أمنا حواء.. بعض المسلمين، فيما يبدو، لا يرون الإسلام إلا مرادفًا لكل ما «يقهر»، و«يحجب»، و«يكبت»، و«يضرب»، و«يلعن»، و«يعاقب»، و«يؤدب»، و«يتهم»، و«يهين»، و«يعكر صفو» النساء.

قد نفهم مثلًا أن يدعو هذا الشيخ، الرجل المسلم إلى احترام إنسانية زوجته، يحترم حقوقها فى التعليم والعمل والطموح العلمى أو الفنى. قد نفهم أن يقدم هذا الشيخ نصائحه للأزواج المسلمين بألا يمارسوا العُقد الذكورية على أجساد وعقول الزوجات، وبالتالى يصبح الزواج إضافة حقيقية لسعادة وكرامة وحرية المرأة، وليس مطرقة «حديدية»، تضرب حقوقها وإنسانيتها وطموحها. 

متى يصبح فى بلادنا وعى نسائى وكرامة نسائية وشجاعة نسائية تتابع كل ما يؤذى المرأة فى جميع وسائل الإعلام، والرد عليه وتفنيده ورفضه؟. لقد اتصلت زوجة هاتفيًا بالشيخ، على الهواء، لكى تؤكد كلامه، وتوضح أن من مسئولية الزوج أن يضرب زوجته إذا أساءت الأدب.. وأنها لا ترى عيبًا فى ذلك.. بالعكس فهى تحترم مثل هذا الرجل كامل الرجولة، وكامل الشرع.

أود أن أسأل هذا الشيخ ومثل هذه الزوجة: «وإذا الزوج أساء الأدب وأخطأ، وابتعد عن الصراط المستقيم، هل تضربه الزوجة ضربًا خفيفًا، لكى تؤدبه وتعيده إلى رشده؟». ومَنْ الذى يحكم أن هذا أدب وذاك إساءة للأدب؟. 

ليت مثل هذه المفاهيم والقيم والموروثات والبرامج الإعلامية هى التى احترقت وليست شقتى.. لماذا تحترق شقتى بالكامل وهذه الأفكار واقفة فى ثبات، «أسمنت مسلح على صدورنا». 

حتى لو بعد مائة عام ستكون مصر خالية من هذه الأشياء، أراد أو لم يُرد الكارهون والمزايدون والأوصياء والإرهابيون.. عجلة الحياة دارت ولو قليلًا، ولن ترجع إلى الوراء. 

من بستان قصائدى 

زرعوا فى جسدى الألغام 

عرضوا أثاث بيتى للبيع 

سرقوا كل الأوراق والأقلام

تركونى وحدى فى العراء 

وطلبوا مِنى الشكر والابتسام.