رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشعار من العالم الآخر

وأنا بأقلب في أرشيف الجرايد عندي، لقيت حاجة طريفة جدا حصلت سنة 1982، الحكاية إنه بعد ما مات بنصف قرن، أمير الشعراء، أحمد بك شوقي، قرر إنه يبعت لنا أشعار من العالم الآخر.

ثانية واحدة، مين اللي قرر؟ ومين اللي مات؟

هو، شوقي بك، قرر بعد ما مات. إيه! عمرك ما شفت حد بيقرر بعد ما يموت؟

المهم يعني، بعت لنا أشعار من مقر إقامته الجديد بالقبر، وطبعا الكلام دا حصل بإن روحه اتصلت بإنسان، على الأدق إنسانة، سيدة مصرية هي اللي كانت روح شوقي بتمليها هذه الأشعار، ليه روحه ما اتصلتش برجل؟ الله أعلم، يمكن الأرواح سلوها كدا. 

السيدة طرحت الأشعار على المجتمع الأدبي سنة 1982، والأستاذ مجدي عفيفي في الأخبارقرر إنه يحقق في الأمر بنفسه، فعرض القصايد اللي مع الست على أساتذة الأدب العربي: د. شوقي ضيف ود. يوسف خليف وغيرهما، ووجه لهم السؤال: ما رأيكم دام عزكم؟

ما لفت انتباهي هو إنهم جميعا أخدوا الموضوع على محمل الجد، وناقشوه بـ"العقل". فالبعض رأى إنه بالفعل القصايد دي من تأليف المرحوم شوقي بيه، وما دام روحه بعتتها لنا، يبقي نضمها للشوقيات وقتي!

البعض الآخر أنكر نسبة هذه القصايد لشوقي بيه، ليس من باب إنكار اتصال روحه بأحد، لا سمح الله، لكن القصايد بها بعض الأخطاء البسيطة في الوزن، اللي بيسموه علم العروض، دا طبعا على أساس إنه شوقي بيه ممكن عادي يبعت لنا شعر من الآخرة، لكن مش ممكن أبدا يغلط في الوزن، وتحديدا الوزن طبقا للقواعد اللي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي تحديدا.

يعني العرب أنفسهم قبل ما ييجي الخليل كتبوا أشعار لا تلتزم بالنسق اللي هو عمله، لا من حيث الوزن ولا القافية، والموضوع دا حصلت فيه نقاشات كتير، لكن فيما يبدو إنه أوزان الخليل كانت من المتانة بحيث إنها أقوى من الموت ذاته.

طيب، لو سألتني أنا شخصيا عن رأيي، فأنا هاخد الأمور بجدية زي ما عمل أساتذتنا، هو أنا يعني أحسن منهم؟ ولا أعقل منهم؟ حاشا وكلا!

أنا أميل إلى ما قاله د. يوسف خليف وقتها، د. خليف درس لي في الجامعة، وكان رئيس قسم اللغة العربية في كلية آداب القاهرة فترة، وهو أنكر تماما نسبة الأبيات لشوقي بيه، حلو! حلو، ولكن بكل تأكيد هي مش تأليف السيدة الوسيط! أومال مين سيادتك اللي ألف الأشعار دي؟ بص، هي لشيطان شوقي.

حضرتك عارف طبعا إنه كل شاعر مصروف له شيطان/ قرين، هو اللي بيوحي له بالأشعار، أومال حضرتك فاكر إنه بيجيب الحاجات دي من دماغه؟ أبسليوتلي. فإذا كان شوقي بيه توفاه الله، فشيطانه لسه موجود.

فيعني، ممكن يكون قرين شوقي بيه، زهق بعد 50 سنة من وفاته، فقال يمشي إيده بالقصايد دي، اللي بعتها لنا مع السيدة المذكورة، كتر خيرها.