رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

8 مارس.. والبيعة الفاسدة

8 مارس يوم المرأة العالمى، حيث تحتفل الحضارة الذكورية فى العالم كله وفى بلادنا، خاصة أشك أن المرأة تتفرج على الاحتفالات بها وهى سعيدة ممتنة.
المرأة منذ بدء الخليقة تحمل آثام البشر ولعنات الطبيعة، يُزج بها فى الصراعات السياسية المحلية والدولية وفى المعارك الانتخابية وفى ترويج الشامبوهات والزيوت وكروت الشحن وكريمات الكولاجين والصابون وأحمر الشفاه الثابت وزبادى السحور فى رمضان.
المرأة، كبش الفداء للعُقد النفسية والتعصبات الدينية والاختلالات العقلية والهوس الجنسى للذكور، المرأة كائن تُحار فيه المجتمعات على مر الأزمنة.. هل تغطيه أم تعريه؟ تعامله كإنسان كامل الإنسانية والأهلية والولاية أم كائن ناقص معوج الفضيلة؟
المرأة أرض تتقاتل فوقها بطولات الذكور الوهمية والفحولة الموروثة والإحباطات فى أنظمة ديكتاتورية مستبدة، نتساءل هل المرأة قادرة على التمييز بين الصواب والخطأ؟ هل تؤهلها قواها العقلية وهرموناتها الأنثوية لاتخاذ قرارات مصيرية؟  
مسكينة المرأة أبتليت بختان الجسد وختان العقل وسن البلوغ وسن النكاح وسن اليأس واكتئاب ما بعد الحَمل، المرأة سلسلة من المخاوف تخاف التحرش إذا خرجت من البيت وتخاف نظرة البواب وعنف ذكر البيت إذا تأخرت وإذا ضحكت ومرحت تخاف إثارة الشكوك، تخاف من العنوسة إذا تأخر زواجها أو فاتها قطار العرسان، وإذا تزوجت تخاف ألا ينزف غشاء البكارة، تخاف ألا تطيع الزوج فيضربها أو يقطع المصروف عنها أو يذهب لعشيقة خفية غير موثقة غير شرعية، أو إلى مثنى وثلاث ورباع معلنات موثقات شرعيات.
تخاف أن تصبح مهجورة فى المضاجع حنى لو كانت خلوة المضجع تسبب لها الألم والاشمئزاز والمهانة تخاف استنكار الناس أنها لم تنجب بعد أول سنة زواج أو أنها أنجبت الأنثى لا الذكر حامل النسب الأبوى المقدس، وإذا استحالت العشرة مع الزوج لا تلجأ للطلاق خوفًا من كلام الناس والنظرة الأخلاقية المتدنية للمطلقات.
وهى فى جميع الأحوال تخاف ألا تكون محجبة أو منقبة حتى لا تثير حفيظة أب له ميول إخوانية أو زوج له وجدان سلفى أو أخ له ميول داعشية أو جيران يتعاطفون مع إقامة الخلافة الإسلامية.
وماذا عن خوف المرأة ألا تكون جميلة بالمقاييس السائدة فى المجتمعات الذكورية؟ خوف يشعرها بالضآلة وعدم الاستحقاق وأنها لا تملك البضاعة الوحيدة المفروض أن تعرضها النساء وتروج لها وتستثمر فيها وتحافظ عليها حتى تنزل القبر.
ولنتأمل على الأخص الإعلام المرئى فى بلادنا كيف يعطى برامج الموضة والأزياء وعمل الماكياج والحفاظ على الجلد وعلى الجسم وعلى الحواجب وعلى الشَعر وعلى الأظافر وعلى الرموش وعلى البشرة، مساحات زمنية طويلة لا يُعطى ربعها للبرامج الثقافية.
وفى مجال الفن مثلًا فى الغِناء لا يتغزل الرجل إلا فى الشكل الخارجى للمرأة، العيون التى تسحر والشفايف التى تُسكر، والخصر الذى يفتن والرمش الذى يجرح.
هذا المجتمع  نفسه لا يطالب الرجال بأى عبء جمالى، فالرجل لا يعيبه إلا جيبه حتى لو كان له كرش.
هذه هى البيعة التاريخية الخبيثة الفاسدة المتكررة عبر الأزمنة التى تجعل تحرير النساء كلامًا منمقًا فارغًا من مضمونه وجوهره، يدخل الرجل بفلوسه والمرأة تدخل بجمالها.
إنها البيعة الفاسدة التى تبقى النساء دائمًا فى وضعهن الأدنى المتشيئ، حيث يتحولن من بشر ومواطنات لسلع مرخصة وممتلكات شرعية للذكور بحكم عقد النكاح (الزواج).
عشرات السنوات مرت ونحن نحتفل بـ8 مارس، يوم المرأة العالمى دون أن نمس هذه البيعة الفاسدة، أصل عبودية النساء.
نقول المرأة تعلمت وعملت فى مناصب هامة وقيادية، لكننا ما زلنا نؤمن أن دورها الأهم ووظيفتها الأساسية فى البيت مع زوجها وأطفالها، ونقول إذا عملت لا بد أن توفق بين بيتها وعملها، ونقول إذا رفض الزوج عمل زوجته فعليها السمع والطاعة، والمرأة نفسها التى تعلمت واشتغلت مقتنعة بهذا الهراء، الذي يعاملها كخادمة ومربية وغسالة وطباخة ومستعدة للنكاح أى لحظة، مع الرجل الوضع مختلف تمامًا فهو رب البيت والقوام ومصدر الأوامر والنواهى والشروط.
كم من النساء يشترط عليهن الزوج ترك عملهن والتفرغ للبيت، وكم من النساء يشترط عليهن الزوج التحجب والنقاب، لم نسمع عن امرأة اشترطت على زوجها ترك العمل أو لبس زى دينى محدد، هذا لا يحدث بسبب البيعة الفاسدة قانون الأحوال الشخصية الذى يقول أول بنوده على الزوج الانفاق وعلى الزوجة الطاعة.
الإنفاق مقابل الطاعة هذا هو جوهر عبودية المرأة الذى لا أحد يناقشه فى يوم المرأة العالمى أو فى أى يوم آخر.
أعرف نساء كثيرات عضوات فى جمعيات ومراكز ومجالس لحقوق المرأة ولا ينطقن أى كلمة عن مبدأ، الانفاق مقابل الطاعة.
والمرأة إذا حدث شيء فى عقلها وقررت عدم الطاعة يحق عليها كل أنواع ودرجات العقاب فى الدنيا وفى الآخرة، بدون النسف النهائى لهذه البيعة الانفاق مقابل الطاعة، لن تتحرر النساء فى بلادنا دون إنهاء كلمة الطاعة المفروضة على النساء ستظل المرأة فى عرف الجوارى لا البشر، فالطاعة لا تصلح إلا لعصر فيه أسياد وعبيد.
من بستان قصائدى 
منذ اختارتنى الكتابة
وسكبت الهدوء على جدران غرفتى
اشترت لى الأقلام والأوراق
وأطاحت بأدران الرجال من شرفتى
لم أكتب لأكسب منصبًا
فى حزب النفاق
أو تنصبنى القبيلة
شاعرة التوحيد والغزوات
منذ اختارتنى الكتابة
لم يخدعنى كهنوت الإعلام
يعطينى صكوك الشهرة والأضواء
أفوز بجائزة أفضل كاتبة
للترقيع الوسطى
ومدح الإنجازات
لم أكتب فى حياتى كلمة واحدة
تضع العطر فوق أكوام النفايات