رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لست ديمقراطية وأفتخر

ربما سأختلف مع الكثير من النساء والرجال، الذين يرون أن "الديمقراطية هى الحل" وهذا لا يضايقنى فى شىء، فحرية الآراء هى التى تساعد على الفهم وكشف المخفى المتستر وراء أسماء مختلفة مزيفة.
أصبحت الديمقراطية على لسان الكثيرين الذين يتحدثون عن الحياة الأفضل التى تعلى من شأن الحريات والعدالة وسعادة البشر، ولا يمكن أن أكون أبدًا ضد الحرية والعدالة والسعادة لكل الشعوب، لكننى لا أرى ولا أقتنع بأن "الديمقراطية" هى الطريق لتحقيق ذلك.
حسب صناديق الاقتراع، فى الأنظمة الديمقراطية يتاح لـ100 شخص محدودى العلم والمعرفة والرؤية والمواهب والخيال المبدع، حكم 99 شخصا من ذوى العلم الغزير والمعرفة العميقة والقدرات والمواهب.
هل يقبل العقل الحكيم بأن تكون الأرقام هى المتحدث الرسمى الشرعى للعدالة والحرية؟ الديمقراطية كلمة أصلها يونانى مشتقة من "ديموس" تعنى الشعب، و"كراتوس" تعنى الحكم، وذلك ضد الأرستقراطية وتعنى "حكم الأفضل"، وكانت تصف النظام السياسى فى ولايات أثينا القديمة فى القرن الخامس قبل الميلاد، حيث "النخبة" المؤهلة للحكم مقصورة على الرجال الأحرار العقلاء واستبعد النساء والعبيد "سقراط" وتلميذه "أفلاطون" يؤمنان بأن حكم الأفضل هو بالضرورة لطبقة الفلاسفة الملوك التى تمزج بين حب الحكمة "الفلسفة" والسلطة السياسية.
وكان سقراط ناقدًا عنيفًا للديمقراطية التى ستجلب بالضرورة حكامًا يفتقرون لمهارة القيادة، وهو يفضل  فساد وطغيان النخبة الأقلية عن فساد وطغيان الأغلبية.
وكثير من العلماء والأدباء أيضًا يحذرون من عواقب الديمقراطية، مثلًا جورج برنارد شو، الكاتب والمفكر الأيرلندى، الذى اعتبر الديمقراطية هى أن يحدد مصيرنا بواسطة أهواء الغوغاء والجهلة والحمقى، وقبله قالت مارجريت جاردينر، كونتيسة بليسينجتون هذا المعنى "أن الاستبداد يخضع الأمة  لطاغية واحد والديمقراطية تخضع الأمة للكثيرين".
وأوضح بعض المفكرين أن لا فرق جوهرى بين الديمقراطية "حكم الشعب" والديكتاتورية "حكم الفرد" حيث الديمقراطية تبدأ بالتصويت ثم تفرض الطاعة أما الديكتاتورية تفرض الطاعة دون إهدار الوقت فى التصويت.
أما جان جاك روسو، الكاتب والفليلسوف الفرنسى، صاحب فكرة العقد الإجتماعى، قال مقولته الشهيرة "رصيد الديمقراطية الحقيقى ليس فى صناديق الإنتخابات ولكن فى وعى الناس".
ويخبرنا  الباحث السياسى الأمريكى، أوستن رانى، فى كتابه "سياسة الحكم"، أن الديمقراطيات بجميع أشكالها وتطوراتها الحديثة قد حكمها الأشخاص لا القانون.
فى أمريكا وفى الغرب لا توجد ديمقراطية كما يزعمون، فمنْ يصل إلى الترشح يجب أن ينفق الملايين أو المليارات فى الإعلان والدعاية عبر كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة، وهذا متوفر للأثرياء فقط أى فئة قليلة من الشعب تملك الأموال وآليات الكذب والتضليل وشراء الإعلام الجاهز للتأجير دائمًا للتأثير على ناس أصلًا مغسولة الأدمغة.
إن الأنظمة السياسية فى أوروبا وأمريكا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية التى تصدر فكرة الديمقراطية للعالم جاءت بسياسيين ورؤساء لا يختلفون جوهريًا، مثلًا فى أمريكا يتنافس الحزبان الديمقراطى والجمهورى طوال الوقت وفى أوقات الانتخابات يخدعوننا بتصاعد شراسة المنافسة، لكن الاختلافات بينهما طفيفة لا تصل إلى معارضة جذور النظام الرأسمالى.
وبحسب تقارير المؤسسات الراصدة للديمقراطية فى العالم فإن هناك تراجعًا فى التوجهات الديمقراطية على مستوى العالم فى العقد الأخير وظهر مصطلح "الدولة المفترسة" و"التدهور الديمقراطى" وهذا  طبيعى لأن الديمقراطية تحمل داخلها بذور فنائها عاجلًا أو آجلًا، لو كانت صالحة لأثمرت سعادة الإنسان على كوكب الأرض، أليست هذه هى الغاية فى نهاية الأمر؟
الانتخابات الحرة والديمقراطية واستفتاء الشعب الألمانى، جاء بهتلر للحكم فى ثلاثينيات القرن الماضى، الشعب أراد هتلر الفاشى، وواحد من الأساتذة الكبار فى الإجرام والتوحش والإختلال العقلى والنفسى وجنون العظمة على مدى التاريخ. لقد تقدم الحزب النازى فى الانتخابات وأيده القوميون والرجعيون والموالين للحكم الملكى والكاثوليك وأنصار الحزب الجمهورى وأيضًا أيدته الأحزاب الديمقراطية، وكان شعار هتلر فى حملته الانتخابية "هتلر فوق ألمانيا".
وفى الخمسينات والستينات من القرن الماضى، لو أجريت انتخابات ديمقراطية نزيهة واستفتاءات شعبية، لكان الشعب الأمريكى أيد بقاء التفرقة العنصرية بين البيض والسود، ورفض حركة الحقوق المدنية التى تزعمها مارتن لوثر كينج الابن، والذى أغتيل لتمرده على رغبة الأكثرية من الشعب الأمريكى آنذاك.
فى مصر ألم تجئ الانتخابات عام 2012م، بمحمد مرسى الإخوانى إلى الحكم، وكان أول رئيس مدنى منتخب، وكانت سنة حكمه خرابًا على الوطن ومحاولة لبيع مصر بالجملة والقطاعى.
إذن القول بأن الديمقراطية هى الحل خدعة كبيرة يتم ترديدها دون تحليلها وتفنيد تاريخها والتفكير الجذرى فى مقوماتها ومعناها وآلياتها وعواقبها، إن الاستفتاءات الشعبية لأغلبية جاهلة مغيبة مغسول عقلها بسيطرة رجال الدين والإعلام الذكورى، لن يجلب إلا التخلف والنكسات وترسيخ التفرقة.
البديل والمعيار والبوصلة هى ثقافة حقوق الإنسان الكاملة دون تمييز، ففى سوق التقدم الحضارى العبرة ليست فى حجم العدد، فحكم الأغلبية أو الأكثرية لم يكن أبدًا دليلًا على العدالة وازدهار الحريات وتحقق السعادة.
فى 10 ديسمبر 1948، تم اعتماد الميثاق العالمى لحقوق الإنسان، أليست حقيقة مؤسفة أن العالم كله بعد خمسة وسبعين عامًا من وجود هذا الميثاق، ما زال يشهد أشكال ودرجات مختلفة، من انتهاكات صارخة،  لبنود الميثاق العالمى لحقوق الإنسان؟
بل اننى أزعم من متابعتى لأخبار كوكب الأرض، أن "حقوق الإنسان" أصبحت محنطة فى المتاحف، مثل التماثيل والكائنات المنقرضة.
المفارقة المحزنة، أن العالم قد وصل إلى اكتشافات طبية وعلمية وتكنولوجية، فى المائة عام الماضية أكثر مما اكتشفه على مدار التاريخ البشرى.
ومع ذلك فإن "حقوق الإنسان" فى المائة عام الماضية، قد أصيبت فى العالم كله بضربات فى مقتل لا تتناسب مع الثورة العلمية والتكنولوجية والطبية الحادثة.
والمؤسف أن انتهاكات حقوق الإنسان تتم بإسم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، وإجهاض الحريات والعدالة يحدث باسم الحفاظ على الحريات والعدالة، وأغلب البشر قد تم غسل عقولهم أو الغائها بشكل كامل أو جزئى.
المفروض والمتوقع أن الاكتشافات تسعى فى نهاية الأمر لتحسين أحوال كوكب الأرض مما يعنى ازدهار "حقوق الإنسان" وبلوغها أفاقا جديدة تحقق سعادة البشر وتمتعهم بالعدالة والحرية والعيش فى بيئة صحية متوازنة.
المفروض أن أى اكتشاف لا يؤدى الى انتشال البشر من الفقر والعجز والبطالة والمرض والقهر والتعاسة والاحباط، يُلقى فى عرض البحر فما الفائدة منه؟ كل اكتشاف يستلزم إنفاق مبالغ خيالية على مدى سنوات من البحوث والدراسات والتجارب، فإذا كان بعد كل هذا العناء لن يفيد غالبية البشر، نساءً ورجالًا وأطفالًا فليذهب إلى الجحيم.
طالما أن هناك الفقر فى العالم فلا تحدثونى عن أن "الديمقراطية هى الحل" لقد وصل عدد الفقراء المدقعين فى العالم عام 2022 لـ700 مليون شخصًا تقريبًا.
أى ديمقراطية يمكن أن تكون الحل؟ ولماذا لم تحل مثلًا مشكلة الفقر فى العالم؟

من بستان قصائدى 
لا تغضب من لحظات جنونى 
لكل الشاعرات لحظات جنون
لا تغضب من أوقات ضجرى
لكل النساء لحظات ضجر 
لا تغضب من تهورى وتناقضاتى 
فأنا لست حرة كما تعتقد 
مسيرة أنا لا مخيرة 
أنا أطيع مزاجى وجيناتى 
أرجوك 
لا تغضب من نرجسيتى وغرورى 
وأوقات يتفرعن فيها الكبرياء 
ماذا يبقى مِنى ومن الشِعر 
اذا انتحر الغرور ومات الكبرياء؟ 
أرجوك
لا تغضب من كلمات استعلاء 
أقولها وأنا أتحدى القدر 
هل يضايقك أننى أحيانا 
أرى كل النساء نجوم 
وأنا القمر؟