رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قيادات.. وقدوة

شاءت الأقدار أن أتواجد بالشقيقة الغالية المملكة العربية السعودية هذه الأيام لأداء مناسك العمرة بعد تلك التسهيلات الكبيرة التى قدمتها المملكة للأمة الإسلامية، حيث فتحت أبواب العمرة على مصراعيها للمسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها من خلال تأشيرات تمنح فوراً بالمطارات السعودية أو من خلال شركات سياحية ولكن بضوابط ميسرة للغاية.

وعلى الرغم من تلك الجموع من بلاد العالم المختلفة، إلا أننى شعرت أن المواطن المصرى له قبول مختلف لدى الشعب السعودى المضياف رغم الضغوط الرهيبة الناتجة عن الازدحام غير المسبوق فى هذا التوقيت بالمملكة، وكيف لا وصفحات التاريخ تؤكد أن مصر والمملكة السعودية يمثلان قطبا العلاقات والتفاعلات فى النظام الإقليمى العربى وعليهما يقع العبء الأكبر فى تحقيق التضامن العربى والوصول إلى الأهداف المنشودة التى تتطلع لها الشعوب العربية من المحيط الأطلسى إلى الخليج العربى.

كانت أحاديثنا مع الأشقاء الذين تقابلنا معهم فى أرض الحرمين الشريفين تدور حول تلك المحاولات الخبيثة الرامية إلى زرع الفتنة بين البلدين فى هذا التوقيت تحديداً والذى وصلت فيه العلاقات بينهما إلى ذروة النضوج والتفاهم، ولا شك أن ذلك التقارب يؤرق العديد من القوى الخارجية بل وأحياناً فى الداخل بعدما أصبح محور القاهرة- الرياض هو المحصن للأمن القومى العربى وخط الدفاع الأول عن مصالح العرب، بيد أن جميع تلك المحاولات تحطم على صخرة متانة تلك العلاقة الممتدة على ما يربو من 90 عاماً منذ تأسيس المملكة حيث صاغت فى مجملها تاريخاً ممتداً كتبته بكل تقدير وإجلال القيادات السياسية بين الدولتين والتى تنامت مؤخراً بشكل لافت يتناسب مع ثقل الدولتين السياسى على الصعيدين العربى والدولى.

لقد أثبت التاريخ بما لا يدع مجالاً للشك أهمية الدور والتنسيق المصرى– السعودى فى التصدى لما تواجهه الأمة العربية من أزمات شكلت تحدياً وخطراً على الأمن القومى العربى واستقرار الدول العربية، فكانت الدولتان هما السد المنيع فى مواجهة تلك الأزمات خاصة بعدما اشتركتا فى تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، حيث أكدت الأحداث التى مرت على الوطن العربى قدرة الدولتين على مواجهة أى محاولات عابرة تسىء لهذه العلاقات أو النيل منها.

هناك خصوصية يلحظها الجميع فى علاقة المملكة الشقيقة بالدولة المصرية نشهدها فى جميع مناحى الحياة هناك، فنجد ثقة المستثمر السعودى فى المصريين العاملين فى مجال الفندقة بالذات وفى العديد من الجامعات السعودية، وكذلك المستشفيات والمعاهد العلمية والجميع يشهد بمدى إخلاص المصريين فى عملهم وارتباطهم بأصحاب تلك الأعمال، لدرجة أن بعض رجال الأعمال السعوديين قاموا بعمل توكيلات للمصريين العاملين معهم لادارة ممتلكاتهم وفنادقهم ومستشفياتهم هناك.

فى الوقت ذاته فإن مصر تعتبر الوجهة الأولى للمواطن السعودى، حيث يتحرك فيها هو وأسرته بأريحية وطمأنينة كاملة، كما أن هناك العديد من المشروعات الاستثمارية تدار برءوس أموال سعودية وتحقق نجاحات كبيرة نظراً لحسن إدارتها من أشقائهم المصريين.

إن التفاهم إذن بين الدولتين تعززه المصالح العليا وبالتالى فإن هذا المحور أصبح صمام أمان للأمة العربية ولديه القدرة على إجهاض أى محاولات لإحداث شروخ فى تلك العلاقات.

إننا نشهد بين الحين والحين محاولات خبيثة للوقيعة وصناعة مناخ من الفتور بين الدولتين، ولكن الشعب والقيادات السياسية يدركون أهمية تلك العلاقة، ليس لهما فقط بل للأمة العربية بأكملها، ومهما حاول هؤلاء المتربصون خلق تلك الحالة من التوتر أو التنافس الوهمى بين البلدين فإنها بلا شك سوف تبوء بالفشل ولن تؤثر على متانة العلاقات بين الدولتين.

لقد جاءت كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة داخلية وخارجية معبرة تماماً عن مدى التقدير والعرفان لذلك الدور التاريخى الذى قامت به المملكة الشقيقة إبان ثورة 30 يونيو، وإنه لولا ذلك الدعم غير المحدود لكانت الأمور قد ذهبت إلى طريق آخر محفوف بالمخاطر، ليس على مصر وحدها، ولكن على الأمة العربية بأسرها.

وفى  الوقت ذاته جاءت تصريحات الأمير محمد بن سلمان، ذلك القائد الواعد لتؤكد متانة العلاقات بين البلدين وأن تلك الترهات والتفاهات لن تؤثر على العلاقات الاستراتيجية والتاريخية التى تربط البلدين بعضهما البعض مهما حاول أهل الشر إحداث أى نوع من أنواع الوقيعة أو زعزعة الثقة والاحترام مع الشقيقة الكبرى مصر، ومن هنا كانت تلك القيادات تمثل القدوة التى يجب أن نقتدى بها ونحن نقرأ أو نسمع تلك المحاولات التى ترد على صفحات التواصل الاجتماعى والتى تسيطر عليها أهل الشر أو تلك القنوات الفضائية الممولة والتى تخضع لسيطرة أجهزة تعمل دائماً لإحداث تصدع فى العلاقات بين الدول العربية وبعضها خصوصاً العلاقات المصرية السعودية لما تمثله من محور صلب ورادع ضد أى تيار مناهض لهذا التحالف والتقارب الممتد عبر عشرات السنين والذى سوف يمتد بإذن الله مادامت الحياة باقية.

اليوم ونحن نشرع فى العودة إلى أرض الوطن الحبيب نقول سلاماً يا خير أرض الله...سلاماً يا من شهدت ميلاد رسول الله ورسالة الإسلام...سلاماً من أرض الكنانة إلى الأراضى المقدسة، سلاماً من مصر إلى شقيقتها وحليفتها عبر التاريخ المملكة العربية السعودية.. وتحيا مصر.