رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإخوان.. إلى أين؟

تمر جماعة الإخوان الإرهابية حاليًا بحالة غير مسبوقة من الانقسام، خاصة بعد تفاقم الخلافات بين جناحها الموجود فى تركيا ويتزعمه الإخوانى محمود حسين والآخر فى لندن ويرأسه حاليًا، وبصفة مؤقتة، محيى الدين الزايط.
كان عام 2022 من أسوأ الأعوام التى مرت على الجماعة، التى شهدت إخفاقات شاملة فى جميع البلدان التى وجدوا فيها خاصة على ضوء ذلك الانقسام المشار إليه، حيث تأكد لتلك البلدان وأيضًا لمناصريهم ومموليهم فشل الجماعة وعدم قدرتها على إدارة نفسها داخليًا وإقليميًا.. بل إن بعض القوى الدولية التى كانت تؤيد الجماعة بدأت تُعيد النظر فى تحالفها معها وأسقطت عنها الغطاءين الأمنى والسياسى.
كانت مصر سباقة فى إسقاط حكم الإخوان عام 2013 على الرغم من محاولات عودتها بالقوة و التهديد.. إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل أمام إصرار الشعب على رفضها.. فحاولت المراوغة وأعلنت عن رغبتها فى التصالح، حيث كان الرفض الشعبى واضحًا فى أنه لا تصالح مع من تلوثت أيديهم بالدماء.
ثم شهدنا إخوان تونس يواجهون الهزائم السياسية والحزبية وكان الرفض لهم واضحًا، بل إن هناك اتهامات وجهت لقيادتهم بتعاونهم مع تنظيمات إرهابية وتسهيل نقل العناصر الإرهابية إلى سوريا والعراق وتحريضهم على الإرهاب.
كان هناك فى المغرب إخفاق شعبى غير مسبوق بعد سقوطهم فى انتخابات 2021 فتراجعوا إلى المرتبة الثامنة من الأحزاب الممثلة فى البرلمان المغربى وبعدد غير مؤثر من المقاعد.. أما فى إفريقيا فقد كان هناك تحرك إخوانى إلى غرب القارة وقامت بالفعل بتمويل عناصر داعش فى العديد من المدن الإفريقية ولكن شعوب تلك المدن انتفضت لمحاصرة تلك التنظيمات الإرهابية والعمل على تنقية دولهم منها..ثم جاء مؤخرًا تصريح سردار جام، نائب وزير الثقافة التركى، ليمثل صدمة حقيقية لهذا الكيان الإرهابى عندما أعلن عن أن بلاده رصدت علاقة الإخوان ببعض التنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم داعش، وهو الأمر الذى جعل قيادات الجماعة هناك تحاول أن تتنصل من تلك الاتهامات وتلصقها بإخوان الخارج خوفًا من قيام السلطات التركية بإبعادهم من أراضيها وذلك على ضوء ذلك التقارب بين تركيا ومعظم الدول العربية الرافضة لجماعة الإخوان، بالإضافة إلى محاولات جس النبض لتحسين علاقتها مع مصر.. خصوصًا على ضوء الموقفين الرسمى والشعبى المصريين المتعاطفين والمساندين لتركيا فى حادث الزلزال الأخير.
يأتى كل هذا، كما سبق أن أشرنا فى المقدمة، إلى ذلك التفكك فى أوصال الجماعة ومحاولة فرض سيطرة كلا الفصيلين على الآخر لا سيما بعد وفاة إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد فى لندن، حيث حاولت جبهة إسطنبول استغلال تلك الفرصة لتعزيز قدرتها وفرض الأمر الواقع على جميع أجنحة الحركة خارج تركيا وإعلان القيادى الإخوانى محمود حسين قائمًا بأعمال المرشد العام بحسبانه أكبر كوادرها سنًا وانتسابًا للحركة، وسبق أن كان يشغل منصب أمينها العام عندما استولت على حكم البلاد فى 2012.. وما زال الصراع على السلطة وقيادة الجماعة قائمًا بل يزداد يومًا بعد يوم خاصة على ضوء انحسار الدعمين السياسى واللوجستى لهم من الدول التى كانت تحتضنهم، خاصة بعدما ثبت لها استمرارهم فى انتهاج أسلوب العنف والتحريض والدعم للتنظيمات الإرهابية المختلفة كإحدى وسائل عودتهم إلى الحياة السياسية مرة أخرى بشكل مختلف وصور متجددة.
ولعل فشل دعوة الإخوان إلى تنظيم مظاهرة احتجاج فى مدينة شرم الشيخ إبان انعقاد مؤتمر المناخ فى 11 نوفمبر 2022 لهو أكبر دليل على انعدام تأثير الجماعة ميدانيًا وشعبيًا، حيث كان يمثل ضربة قاسية لقياداتها فى الخارج، الأمر الذى جعلهم يلجأون إلى التوسع فى استخدام أساليب أخرى تعتمد على حشد أكبر عدد منهم عبر شبكات التواصل الاجتماعى، وهو الأمر الذى يجب علينا أن نفطن إليه ونعمل على إجهاضه، خاصة فى مجال اللعب على أوتار الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وهو أيضًا إحدى محاولاتهم لإقناع الدولة على قبول مشاركتهم فى الحوار الوطنى كفصيل سياسى معارض ضمن التيار المدنى للدولة المصرية، وهو ما رفضه الشعب المصرى شكلًا وموضوعًا.
من كل ما أشرنا إليه يمكننا أن نجزم وبحق أن جماعة الإخوان بالفعل تمر بمرحلة من الترهل والشيخوخة التنظيمية وأصبحت المصالح الشخصية تغلب عن قياداتها، حيث سعى كثير منهم إلى الحصول على جنسيات الدول الهاربين إليها ويقومون بعمل العديد من المشروعات التجارية وفتح مدارس خاصة لهم وغيرها من الممارسات التجارية المختلفة انتظارًا للفرصة المناسبة كى يعودوا إلى الواجهة مرة أخرى لتحقيق مكاسب سياسية بجانب مكاسبهم التجارية والاقتصادية.. بالإضافة إلى وجود فجوة كبيرة حاليًا بين شيوخ الجماعة وشبابها ووجود أزمة حقيقية على مستوى الخطاب والأفكار بالإضافة إلى الجمود الفكرى والتنظيمى لها، وهو الأمر الذى يؤكد صعوبة عودة تلك الجماعة إلى ممارسة أى عمل عام أو سياسى فى مصر بأى شكل من الأشكال.
كل هذا يجب ألا يدفعنا إلى عدم توخى الحرص الشديد ومن الأساليب الملتوية التى تلجأ إليها الجماعة خاصة بين أوساط الشباب والطلبة وكذلك الأحياء الشعبية التى تكثر فيها المساجد الصغيرة والزوايا وكذلك عدم الانسياق إلى تصديق ما تروجه صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى لإثارة الرأى العام ضد الدولة.. بل يجب أن نكون أكثر وعيًا ويقظة من أى وقت مضى.. فى وقت قريب كانت عناصر وقواعد وكوادر الجماعة يباهون بنجاحهم فى الاستيلاء على حكم البلاد.. أما الآن فهناك جيل منهم يختبئ تحت عباءات وأنشطة مختلفة يحاولون من خلالها إحداث أى قلاقل وتوترات وفتن وتشكيك وتفكيك لأواصر الدولة المصرية، وهو ما يجب أن نفطن إليه ونعمل على إجهاضه أولًا بأول.. وتحيا مصر.