رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التحالف الوطنى.. والعمل الأهلى

معلوم أن دور المجتمع المدني بكل أجهزته وفعالياته وأهداف وجوده وإنجازاته المساهمة بشكل فاعل وإيجابي في تحقيق التنمية الشاملة عبر تمام إحكام دوائر التكامل مع أجهزة الدولة ومؤسسات القطاع الخاص، بحيث تعمل دوائر تلك المنظومة الثلاثية على تحقيق أهداف تتناغم وتتوافق مع مصالح المواطن المصري.
ومن زاوية أخرى يمكن أن تمثل أجهزة المجتمع المدني الوسيط بين المواطن وأجهزة الدولة، فوجودها يُعد جهة متابعة لمدى جودة تلك العلاقة المتعارف عليها كسمة وتعريف للمجتمع المدني..

وفي بداية عام المجتمع المدني- وبالتحديد في شهر مارس- تمخضت فعالياته عن تشكيل تجمع رائع لمؤسسات العمل الأهلي تحت مسمى "التحالف الوطني"، وانطلقت فعاليات ذلك التحالف بوعي وتفهم لمسئولية المجتمع المدني في فترة هي الأصعب في التصدي للتحديات التي فرضتها أزمات عالمية ألقت بظلالها على المجتمع الإنساني بكل قسوة، لدعم مظلة الدعم الاجتماعي وتحفيز العمل التطوعي والوطني..

يمثل المجتمع المدنى إحدى الأدوات التى تحفظ الاتزان فى العلاقة بين السلطة التنفيذية والمواطنين، وكذلك هو حلقة مهمة للغاية بين السلطة التشريعية المنتخبة والمجتمعات المحلية التى اختارت ممثليها فى المجالس التشريعية، وفى المجتمعات المتقدمة ديمقراطيًا تعبر مؤسسات المجتمع المدنى عن رغبات وأحلام وهموم المواطنين، وتقود حملات مدافعة مدنية من أجل حل مشاكلهم وتحسين ظروف حياتهم للأفضل.
ومعلوم أن قوة تأثير المجتمع المدنى تفرض على صناع القرار التفاعل مع أطروحاته وأولوياته التى تعبر عن مصالح الناس، ولا تمتلك مؤسسات المجتمع المدنى قوة التأثير إلا إذا عبّرت بحق عن أولويات المواطنين وحملت لواء الدفاع عن حقوقهم وحل مشاكلهم.
ويجب على مؤسسات المجتمع المدنى ألا تتدخل فى العمل السياسى المباشر لأن هذا يضر بمصداقيتها ويجعلها إحدى أدوات الصراع السياسى والحزبى، والمفترض أنها تعبّر عن مصالح المواطنين كافة بغض النظر عن انتمائهم الحزبى وتفضيلاتهم السياسية.

جاء في مقدمة دراسة نشرت على موقع الهيئة العامة للاستعلامات تحت عنوان "واقع العمل الأهلى فى مصر الفرص والتحديات"، أن الجمعيات الأهلية فى مصر قد لعبت دورًا رعائيًا كبيرًا منذ نشأتها، تطور بتطورها، فالعمل الخيرى كان أحد الأهداف الرئيسية للجمعيات الأهلية فى مصر تاريخيًا منذ نشأة الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878 وجمعية المساعى الخيرية القبطية 1881، وحتى يومنا هذا، وقد بدأت كثير من الجمعيات التى تأسست بدافع العمل الخيرى فى العقود الأخيرة تغير من رؤيتها وتتجه إلى العمل التنموى أو تجمع بين الاثنين بدرجة أو بأخرى..
وجاء فى الدراسة أن الفكر التنموى الحديث يعول على دور فاعل للجمعيات الأهلية فى التنمية فى إطار شراكة مؤسسية مع الدولة والقطاع الخاص، وأنه فى هذا الإطار يصبح السؤال المحورى الذى يطرح نفسه إذا كنا نبحث عن هذا الدور الفاعل والمؤثر، والذى تمت الإشارة إليه بوضوح فى رؤية مصر 2030: هل القطاع الأهلى فى مصر بحالته الراهنة قادر على ذلك؟ وما هى متطلبات تحقيق ذلك؟ والحقيقة أن لهذا السؤال آوانه فى اللحظة الراهنة، والتى تشهد ولأول مرة فى تاريخ العلاقات بين الجمعيات الأهلية والدولة المصرية بعد 1952 فلسفة جديدة للعلاقة بين الطرفين، فيها مساحة من الحرية ودرجة من الثقة، يمكن البناء عليها من أجل بناء شراكة تنموية حقيقية فعالة ومؤثرة. 

ومعلوم أن الأعوام الأخيرة شهدت طفرة فى نمو الجمعيات الأهلية فى مصر، فقد بلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة فى وزارة التضامن الاجتماعى عام 2012 «37.500 ألف جمعية أهلية»، ارتفع إلى «43.500 ألف جمعية ومؤسسة أهلية» فى عام 2013، كما ارتفع هذا العدد إلى 50572 جمعية أهلية 2019، موضحة أن الملاحظ من هذا التطور الكمى أنه حدث فى إطار القانون 84 لسنة 2002، والذى كان محل انتقاد كبير من قبل كثير من العاملين فى القطاع الأهلى باعتبار أنه كان يحوى مواد مقيدة للعمل الأهلى بدرجة ما، بل الأمر الأكثر غرابة أن الفترة البينية ما بين صدور القانون رقم 70 لعام 2017 والقانون الجديد شهدت زيادة مقدارها 2992 جمعية مقارنة بأعداد الجمعيات لعام 2017، حيث كانت 47580 جمعية، مما يشير إلى استمرار النمو الكمى للجمعيات الأهلية بغض النظر عن الإطار القانونى ومدى ما يتيحه من حرية حركة.

وأرى ضرورة تفعيل دور تلك الجمعيات وكل مراكز المجتمع المدني في الفترة القادمة  لتلعب دورًا هامًا ومؤثرًا في مداواة لبعض أوجه التباطؤ للأداء الحكومي، وذلك لتمتع تلك المنظمات بالسمات والآليات التالية:
• الانتشار الجغرافي الرائع في كل ربوع المحروسة..
• لأن آلية العمل تحركها قوى شعبية تطوعية في كثير من الأحيان..
• لأنها تمثل آلية تسمح بالتنوع في التخصص والأهداف والشرائح المستهدفة بخدماتها..
• لأنها آلية تسمح بقدر هائل من سلاسة الأداء وحرية الحركة..
• لأن قوانين عملها تبعدها عن شبهة الانحياز الأيديولوجي والطائفي والسياسي والحزبي، وبالتالي فإن احتمالات حدوث صراعات قد تنأى بالأهداف عن تحقيق مصالح لجماعة شعبية ما لمجرد الاختلاف في الانتماء الفكري غير موجودة..
• إن للجمعيات الأهلية والعمل الاجتماعي والتطوعي في مصر تاريخ وتراث رائع وحافل وإنجازات عبقرية لعل في مقدمتها جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً) ومستشفى المواساة بالإسكندرية، ووصولاً للمجمعات السكنية الجديدة لاستيعاب سكان العشوائيات التي افتتحها الرئيس السيسى مؤخراً، وإنجازات أخرى كثيرة لا يتسع المجال لسرد العديد منها.. 

يبقى سؤال مهم: لماذا وزارة التضامن الاجتماعي هي المشرف الوحيد والحصري المحتكر للتعامل مع تلك المنظمات رغم ازدياد أعدادها بالشكل الذي أراه فوق طاقة عمل جهة واحدة؟!!... أليست وزارة الثقافة- على سبيل المثال- أولى برعاية والإشراف على الجمعيات المعنية بالأنشطة الثقافية والتنويرية والإبداعية في مجال الفنون والأدب لتفعيل التواصل بين الأجهزة الحكومية والأنشطة الإبداعية الجماهيرية والشعبية ؟!!!
ويا وسائل الإعلام الحكومية والخاصة بكل أشكالها أين أنتم من متابعة الجمعيات الناجحة والكشف عن الأخرى السلبية الأداء أو الفاسدة؟ .. لا يوجد برنامج تليفزيوني واحد مخصص لمتابعة أنشطة وحدات المجتمع المدني، ولا صفحات متخصصة تلقي الضوء على الإسهامات الناجحة في مجالات التنمية المختلفة!!!