رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعويذة الكتاب الدورى

من أسوأ ما أنتجت الأزمات الاقتصادية الأخيرة ما يمكن أن نسميه «الخوف من اللى جاى».. أغنياء الحرب.. أغنياء الأزمات الذين لا يعنيهم من أمر هذه الدنيا سوى «جمع المال»، والقفز على حياة البلاد والعباد وجدوها فرصة.. فرصتهم التى ربما لا تتكرر فى القرن الجديد.. هذه عادتهم.. ولن يملّوها.. حتى فى زمن الطاعون وجدنا مَن يتاجر فى الأكفان.. هذه حقائق التاريخ الذى قرأناه فى أزمنة سابقة ربما لنتسلى.. وهؤلاء الجميع نعرفهم- ليس بالاسم شرطًا- لكنهم يظهرون، وبقوة، وكأنهم فريق منظم له رأس ورجلان فى مثل هذه الأحوال.. منذ مائة عام ويزيد بثمانية بالتحديد زمن ما أسميناه- أو أسمته الكتب- زمن الكساد الكبير، ظهروا ثم اختفوا بعد ما راح الاقتصاد العالمى يتعافى لكنهم سرعان ما عادوا أيام الحرب العالمية الثانية.. وهكذا هو الحال.

ظهور هؤلاء.. يدفع الناس إلى الخوف.. وهذه هى المعضلة الكبرى لأى حكومة.. ليس مهمًا أن تزيد أسعار سلعة ما.. أو أن تنخفض قيمة عملة ما.. أو أن يتوقف العمل فى مؤسسة ما.. لكن المهم هو ألا يتسرب الخوف إلى الناس.. وهذا للأسف ما تفعله حفنة من الناس من حولنا هذه الأيام، حتى تتسنى لهم فرصة جمع الغنائم فهم لا يعرفون سبيلًا لذلك إلا بترويج «الخوف».. الخوف من القادم.. وأى حكومة عاقلة فى الدنيا تعرف ذلك.. وتستعد فى مثل تلك الأحوال بآلياتها التى تكبح جماح هؤلاء.. ليس بترديد أنباء مغلوطة أو ترويج أرقام غير حقيقية..ولكن بمطاردة كل ما هو مخالف وغير قانونى وتحجيمه وردع أولئك المتاجرين بحياة الناس ومستقبلهم.

وما جرى، ولا يزال، فى مصر فى الأيام الأخيرة وبشكل فج فى أسواق السيارات والسلع- بعض السلع- وأسواق الذهب دليل واضح على هذه الحرب التى يخوضها هؤلاء «المرتزقة» من أجل مصلحتهم فقط. وحسنًا فعلت الحكومة حينما خرجت لتعلن للجميع بأنها تعرف.. وبأن لديها من الآليات ما يمكنها من السيطرة.. ولكن هل تملك الحكومة نفس السرعة التى يملكها هؤلاء؟.

لقد قدمت الحكومة منذ فترة قريبة مبادرة مهمة للعاملين بالخارج.. بأن منحت، وبشكل استثنائى، مَن يملك منهم حسابًا بنكيًا فى البلد المقيم به فرصة اقتناء «سيارة» وإحضارها إلى مصر بمجموعة من الشروط.. وفى أقل تقدير توقع المحللون أن يسهم ذلك فى توفير عدد من ملايين الدولارات تحتاجها السوق المصرية.. فى الوقت نفسه يحصل المصريون بالخارج على فيزة إحضار سيارة بشروط ميسرة.. إلا أن البعض ممن وضعوا تلك الشروط لم يكن يعى أن حجم المقاومة لمثل هذه المبادرات سيكون كبيرًا.

الكثيرون ممن يتابعون هذا الملف.. نصحوا ببعض التعديلات، خاصة فيما يتعلق بالمساواة بين المصريين فى الخارج.. بعيدًا عن «البلد» الذى يعيشون فيه.. فى أوروبا كان أو فى الخليج.. ومراجعة بند «الحساب البنكى» والثلاثة الأشهر، وأظن أن الأمر ليس مستحيلًا.. فالغرض معلن وواضح.. المساهمة أولًا فى توفير الدولار بالأسواق، وطرح عدد معقول من السيارات حتى يمكننا مواجهة أولئك الذين يضاربون فى أسعار السيارات من أصحاب التوكيلات وغيرهم وأصحاب لعبة «الأوفربرايز» وغيرها.

هذه القصة مجرد نموذج.. والنموذج الأهم والأضخم الذى نخشى أن يصيبه ما أصاب مبادرة السيارات هو قانون المحال العامة.. فالقانون الذى بدأ الكلام عنه وعن تفاصيل فيه منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام لم يستوعبه الناس فى الشارع بشكل كافٍ.. ورغم الإعلان عن بدء تطبيقه منذ أسبوع فإن من نلقاهم فى شوارعنا من أصحاب المحال والمنشآت لا يزالون غير مدركين تفاصيل القانون.. ورغم ظهور النائب محمد الفيومى فى أكثر من برنامج تليفزيونى فإن القانون بتفريعاته وتفاصيله لا يزال مبهمًا، والأهم من القانون.. كيفية تطبيقه.. وبخاصة من قِبل موظفى المحليات.

يعرف كل مَن تعامل مع المحليات أن الموظفين فى معظم هذه الأماكن لا يعترفون بالقانون.. أى قانون.. وإذا ما ناقشت أحدهم بأن القانون الفلانى فى المادة الفلانية يؤكد المسألة الفلانية سيقول لك وبصوت حاسم: «أنا ماليش دعوة بالقانون.. أنا مجاليش كتاب دورى».

باختصار.. السادة فى المحليات يحتاجون، قبل غيرهم، إلى معرفة تفاصيل هذا القانون.. فليس معقولًا أن يصلهم فى كل نجع وقرية كتاب دورى لكل تفصيلة فى قانون ضخم بهذا الحجم ويتعامل مع حياة الناس وحركة الأسواق بشكل مباشر.. مطلوب وبسرعة من مجلس الوزراء إصدار أوامره الحاسمة والقاطعة لأولئك الموظفين الصغار بتنفيذ القانون بحذافيره دون فذلكة، فالناس لم يعد لديها صدر يستوعب مماحكات هؤلاء الذين تعودوا على تعطيل المراكب «السايرة» لغرض فى نفس يعقوب أحيانًا، والجهل وتكبير الدماغ فى معظم الأحيان.

ما قصدته بالإشارة إلى قانون المحال العامة.. ومبادرة سيارات المصريين فى الخارج.. أن الحكومة تحتاج إلى «جهد مضاعف» لمواجهة ذلك التيار الذى يسعى إلى مصالحه الخاصة استغلالًا لأزمة تضرب العالم كله.. لقد أعلنت الحكومة عن أنها ستواجه وبحسم أى «محل تجارى» لا يعلن عن الأسعار.. فمَن ذا الذى يحددها؟.. المحلات والجميع يعرف.. كل يوم تضع سعرًا مختلفًا.. لا يعرف الناس ولا أصحاب المحلات أنفسهم من حدده.. الحملات على هذه المحلات وحدها لن تكفى.. وتبصير الناس بخطورة عدم الالتزام ربما يساعد فى ضبط الأمر.

حتمًا ستمر هذه الأيام.. مثلما مرت أيام أخرى من قبلها.. لكننا نحتاج إلى وعى مختلف.. والمراهنة على نظرة المصريين وقدرتهم على ضبط إيقاع مصروفاتهم فى مواجهة هؤلاء الموتورين تحتاج إلى مَن يسندها.. الحكومة والناس معًا فى مواجهة هؤلاء.. ومواجهة تقلبات الأسواق العالمية والمحلية فى وقت واحد.. وقبل ذلك كله تبقى المعرفة.. تبقى المعلومات وتوفيرها بشكل آنى أهم أسلحتنا فى المواجهة.. مصر بخير وناسها بخير.. لكن أصحاب الذمم الخربة لن يفوتوا الفرصة بسهولة ومحاصرتهم ضرورة.. فهم أجبن من أى مواجهة. فاللصوص لا يعيشون تحت ضوء الشمس والقادم أفضل بعون الله وستره.