رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مختار العطار الناقد المبدع الموسوعى

هل أنت ناقد؟.. إذن أنت مؤرخ..
نلتقى بهذه العبارة فى كثير من المراجع التى تعالج موضوع النقد الفنى، فالناقد ينبغى له أن يلم بتاريخ الفن بمختلف جوانبه..
رأسيًا.. عبر العصور الأركيولوجية منذ آلاف السنين.
وأفقيًا.. فى العصر الواحد عبر القارات والشعوب والمذاهب الفنية.
إضافة إلى.. السير الذاتية للفنانين إذا توفرت مصادرها الموثوقة. 
بجانب.. المعارف الموسوعية فى العلوم كعلم النفس والفلسفة والأنثروبولوجيا وعلم الجمال.
 
وقبل أن نستطرد فى الحديث ينبغى أن نشير إلى أن عكس العبارة المذكورة غير صحيح، فالمؤرخ ليس ناقدًا بالضرورة مع أنه عضو مهم فى جمعيات النقد المحلية والعالمية..
ينبغى أن يتمتع الناقد الفنى بالموهبة شأنه شأن الفنان، وأن يكون حرفيًا متسلحًا بالمعرفة الموسوعية والإمساك بناصية اللغة لأنها الأداة التى يحول بها المرئى إلى مقروء..
كانت تلك السطور تمثل بعض قناعات الكاتب والناقد الفنى الكبير المبدع الراحل مختار العطار، ورؤيته لدور النقد والناقد وكيف يكون مؤهلًا لممارسة دوره الذى يراه دورًا إبداعيًا مكملًا وداعمًا لدور الفنان ورسائله الإبداعية، وكيف يرى «العطار» دور كل من الناقد والمؤرخ..
وأواصل على صفحات جريدتنا الغراء «الدستور» وتناغمًا مع استضاءات التنوير التى تميزت بها كجريدة يومية معنية بشكل متميز بالشأن الثقافى والإبداعى المصرى والعربى والعالمى، متابعة ممارسة متعة الاقتراب من رموز النقد التشكيلى العظام، وهم من اتهمهم البعض بسوء نية وعدم إدراك أنهم بتكاسلهم فى أداء أدوارهم كانوا وراء حالة تراجع الذوق العام فى الشارع المصرى، والمتابع للحركة النقدية التشكيلية لا بد أن يعلم أنهم من قاموا بأداء رسالتهم بتميز وروعة عن باقى الحركات النقدية فى مجالات الأدب والمسرح والسينما، حيث خاض معظمهم حملات هائلة ضد من روعوا المواطن المصرى بارتكاب جرائم التلوث البصرى والتشكيلى باقتدار رغم عدم توافر نوافذ النقد الفنى الاحترافى بشكل معقول..
وأعود لنجم الأسبوع الناقد الاستثناء عبر تاريخ حركة النقد التشكيلى المصرى المعاصر «مختار العطار».. كان ميلاد «العطار» فى طهطا فى صعيد مصر فى 3 سبتمبر 1922، وأظهر تفوقًا فى دراسته، حصل على شهادة التوجيهية من القسم العلمى «الثانوية العامة» بقسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة، وقضى بها عامًا واحدًا «1939»، لكنه سرعان ما أدرك أن من الأفضل لموهبته الفنية أن يلتحق بمدرسة الفنون الجميلة، وقد تحول إلى الدراسة فى هذه الكلية واختار الانتظام فى قسم التصوير حيث مارس ما يسميه الرسم الملون، وتخرج فى هذه الكلية «1947»، ثم التحق بمعهد التربية العالى للمعلمين الذى كان يؤهل خريجى الجامعات على مدى عامين دراسيين للعمل فى وظائف التدريس بالتعليم العام، وحصل على دبلوم التربية العالى «1949»، وقد استهوته علوم التربية وعلم النفس فواصل دراساته فى هذا المجال وحصل من هذا المعهد على درجة الدبلوم الخاصة فى علم النفس «1961»، وبدأ يعد رسالة الماجستير عن «العناصر العاملية للنشاط الإبداعى» بإشراف الدكتور محمد عمادالدين إسماعيل..
فى مجال الكتابة، بدأ مختار العطار حياته العملية صحفيًا، وسرعان ما تفرغ للنقد الفنى التشكيلى الذى أعطى له جهده وقد تميز نقده بالعمق فى التحليل، والثقافة الفنية، والتاريخية، والاجتماعية العريضة، كما ظهرت فى نقده وكتاباته دلائل وعيه العميق بالتيارات الفنية العالمية قديمًا وحديثًا، ومتابعته الذكية للحركة الفنية فى أوروبا وأمريكا، بدأ مختار العطار مشوار العمل الصحفى فى دار النداء «1949»: رسامًا ومخرجًا وكاتب قصة وسكرتيرًا لتحرير مجلة «القصة» التى كانت تصدر بصفة نصف شهرية، كما عمل سكرتيرًا لتحرير صحيفة «الجمعة»، وفى جريدة «صوت الأمة» اليومية الصادرتين عن نفس الدار التى كانت تدين بالولاء للوفد والحركة الوطنية..
وفى تلك الفترة نشر قرابة ثلاثين قصة قصيرة فى كل من المجلة والجريدة، وقد نشر بعد ذلك قرابة خمسين قصة قصيرة فى عدد من الصحف والمجلات، كان منها: قصص للجميع، روز اليوسف، صباح الخير، الهدف، المساء، وطنى، وقد ترجمت إحدى قصصه إلى الفرنسية فى كتاب «أنطولوجيا الأدب العربى» وقام بالترجمة الصحفى المصرى راءول مكاريوس، وقدم لها المستشرق الفرنسى جاك بيرك..
فى عام 1960 التحق بالعمل فى التليفزيون المصرى محررًا ومقدمًا للبرامج الفنية، أذيع له 500 برنامج منها مجموعة بعنوان «الفن والحياة»، كتب سيناريو 29 فيلمًا تسجيليًا منها سلسلة بعنوان «مع الفنانين العرب الكبار ومشاهير فنانى مصر»، كما قدم 120 حلقة فى برنامج «فنون تشكيلية»..
تميزت مقالات ودراسات وكل إصدارات «العطار» بروعة القراءة التحليلية بعمق وتفهم لمراحل المنتج الفنى ورصد تجليات الحالة الإبداعية عند الفنان..
صدر له عام 1970 كتاب «ساحر الأوانى، سعيد الصدر»، ونشر له الكثير من الدراسات فى فلسفة الفن وسير الفنانين.. أقام فى 1976 جناحًا عن الفنانين فى معهد العالم العربى فى باريس، وفى 1978 اشترك فى إنتاج «أصل الحكاية» فى مجلة العربى مع حسن حاكم، وأسهم فى تأليف كتاب متحف الفن الحديث، وأعد وكتب السيناريو وإخراج سبعة وعشرين فيلمًا سينمائيًا تسجيليًا اوبتيكال 16 مم لحساب التليفزيون فى سلسلة بعنوان «مع الفنانين العرب» لكبار ومشاهير رسامى مصر وملونيها ومثاليها، ومنها فيلم لمتحف كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية فبل تحويله إلى قسم الجرافيك.. أعد للإذاعة المصرية محطة الشرق الأوسط قرابة الـ230 برنامجًا خمس دقائق يوميًا بعنوان فنون تشكيلية إخراج عبد الستار بدوى..
مارس العمل كناقد فنى لمجلة روزاليوسف ومجلة الكويت بالكويت ومجلة المصور لمؤسسة دار الهلال حيث نشر دراسات فى النقد وتاريخ الفنون- حوالى خمسمائة دراسة فى فلسفة الفن والتاريخ وسير الفنانين..
وفى أعوام حياته الأخيرة، ورغم ضعف بصره، فقد قام بكتابة أعظم أعماله وهو «موسوعة رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر»، وقد صدر هذا الكتاب فى ثلاثة أجزاء، تعد موسوعة لتاريخ الفن المعاصر فى مصر، ولسير أعلامه وإنجازاتهم «فبراير 1996 نشرت له هيئة الكتاب بالتعاون مع جمعية النقاد الجزء الأول من كتابه الثالث فى السلسلة بعنوان «رواد الفن وطليعة التنوير فى مصر» فى ثلاثة أجزاء، «آفاق الفن التشكيليى على مشارف القرن الحادى والعشرين - دار الشروق عام 1999» - آفاق الفن الإسلامى نظرة بعين الطائر دار المعارف 1999» - «الطبعة الثانية لكتاب ساحر الأوانى- الفنان سعيد الصدر بعد التنقيح والإضافة - الناشر المركز القومى للفنون التشكيلية - بوزارة الثقافة 1999» - «الفن التشكيلى فى مصر.. إلى  أين؟ الهيئة المصرية العامة للكتاب 1999 » - «الفنون الجميلة دراسات فى أدبيات الفن التشكيلى»..
يذكر الكاتب أحمد رأفت أنه فى أحد أيام ربيع سنة 1949 تلقى مختار العطار «79 سنة» دعوة إلى طعام العشاء من الفيلسوف والفنان المفكر حسين يوسف أمين «1904 – 1984» مؤسس جماعة الفن المصرى المعاصر، وكان ضمن المدعوين الناقد الفنى البلجيكى الجنسية الكونت فيليب دراسكوت الذى عرّف بجماعة الفن المصرى المعاصر فى أوروبا، وألف كتابًا بالفرنسية عن الفنانين المصريين الجزار وندا، فى هذه الليلة وجه دراسكوت للعطار السؤال التالى أنت تكتب أم ترسم ؟ أجاب العطار : أكتب وأرسم.. عندها طلب الكونت من العطار أن يطلعه على رسوماته، ورغم إعجاب دراسكوت بأعمال العطار الفنية وثنائه عليها كانت إجابته عندما سأله العطار مستشيرًا ما رأيك.. لا أريد أن أعمل فى مجالين.. هل أكتب أم أرسم ؟، قال: الرأى أن تكتب، ومنذ تلك اللحظة وضع العطار الفرشاة نهائيًا وظل يمسك بالقلم.. علمًا بأن إحدى لوحاته التى أنجزها فى تلك الآونة بيعت فى أوائل التسعينات بمبلغ عشرة آلاف جنيه، وهورقم كبير مقارنة بأسعار لوحات كبار فنانى مصر فى ذلك الوقت..
هذه القصة القصيرة قد تلقى بعض الضوء على أسلوب العطار وطريقته فى النقد: هويتأمل ويفسر ويحلل ويقارن ويوازن ويختار مستشاره بدقة وعناية، ثم يُصدر حكمه المشمول بالنفاذ.