رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المدارس الخاصة تتحدى رضا حجازى

منذ ما يقرب من أسبوع قررت وزارة التربية والتعليم أن ترتدى نظارة الواقع.. أن تشعر بما يشعر به مئات الآلاف من أبناء هذا الشعب.. قرر وزيرها الجديد، وهو كما منشور فى سيرته الذاتية «جايبها من تحت»، أن يتفاعل مع ما يجرى فى العالم وأن يتعامل مع ظرف اقتصادى قاسٍ وحاد وضاغط على الجميع فى الشرق والغرب.. باختصار قرر د. رضا حجازى أن يمارس مسئوليته فى أن يكون إنسانًا يعى ما يحدث حوله.

القرار الذى صدر منذ ما يقرب من أسبوع ونُشر على معظم وسائل التواصل الاجتماعى.. ووصل إلى الصحف ونشرته المواقع الإلكترونية ينص صراحة على تقسيط المصروفات الدراسية للمدارس الحكومية والدولية والخاصة على أربع دفعات وألا تزيد المصروفات هذا العام على سبعة بالمائة.. فماذا حدث؟

فرح أولياء الأمور للقرار.. وتنفسوا الصعداء، هم فى كل الأحوال ملزمون بدفع مصروفات المدارس، حكومية كانت أو خاصة.. ملزمون بدفعها، سواء مرة واحدة أو على مرات متعددة.. لكن القرار حتمًا سيغنيهم عن «السلف» و«الجمعيات» والاقتراض.

فرغم كل عيوب التعليم التى نشكو منها ليل نهار.. ورغم الفجوة الهائلة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.. لا يزال المواطن المصرى يتعشم فى التعليم ويحرص عليه أشد الحرص.. يتنازل المصريون عن أى كماليات أو رفاهيات أو مطالب.. ربما يبيعون أراضيهم ومنازلهم إذا لزم الأمر لكنهم لا يتنازلون عن حلم تعليم أولادهم.. جميعنا لا يزال يرى فى التعليم، رغم أى منغصات، هدفًا وغايةً وحلمًا.

حالة التفاؤل التى صاحبت صدور قرار د. رضا حجازى جاءت فى سياق تحرك حكومى جديد يشعر الناس بأن شيئًا يتحرك وأن تغييرًا جرى بعد التعديل الأخير فى ملفات الحكومة وحقائبها ومن بينها حقيبة رضا حجازى نفسه.. جوهر هذا التغيير أن الحكومة تشعر بما يعانيه المواطنون.. وأنها- الوزارة يعنى- تبادر لإيجاد حلول لما يرونه مشكلات تكدر عليهم عيشتهم.

رأى البعض فى القرار تحديًا من نوع جديد لأصحاب المدارس الخاصة.. لكن يبدو أننا وأولياء الأمور والوزير نفسه لا نعيش فى هذا البلد.

لقد تعامل معظم- ولا أقول كل- أصحاب المدارس الخاصة وكأنه لم يكن.. كأنه لم يصدر من الأساس.. بعض الإدارات التعليمية- رغم مرور الأسبوع- زعم أن القرار لم يصل إليها من الأصل.. بعض الموظفين فى المدارس كان كريمًا وقال إنه سمع بالقرار لكنه لم يصل إليه، وبالتالى لم يدخل حيز التنفيذ وعلى أولياء الأمور مراجعة الوزارة.. ولكن ادفع الأول.. ادفع مصروفات المدارس كاملة وبعدين روح اشتكى.

الطريف فى الأمر أن الوزارة أعلنت فى وقت لاحق عن أنها شكلت لجانًا لمتابعة تنفيذ القرار وأن هذه اللجان ستقوم بزيارة المدارس بشكل مفاجئ للتأكد من جدية أصحاب المدارس فى تنفيذه... وطلبت من المواطنين إبلاغ الوزارة بأى تقاعس.

لكن أحدًا من هذه اللجان لم يذهب.. يبدو أن هذه اللجان هى الأخرى لم يصلها قرار الوزير حتى تقوم بعملها.. أو كأن القرار صدر فقط للإعلان عنه.. وصنع «شو» فقط.

معالى الوزير.. إذا كنتم قد أصدرتم قرارًا نراه جيدًا بالفعل وعاجلًا وضروريًا فى ظل زيارات قاتلة فى ميزانيات الأسر المصرية التى تصارع لتعيش.. فهذا أمر جيد.. ولا شك أن قراركم جاء بعد دراسة.. فهل كان فى حسبانكم أن الوزارة لا سيطرة لها فى الواقع على المدارس الدولية والخاصة؟! هل كان فى حسبانكم أن مطالبة أولياء الأمور بالشكوى إلى الوزارة معناها أن يتوجه مئات الآلاف فيما يشبه المظاهرة إلى شوارع قصر العينى؟.. هل كان فى حسبانكم أن موظفى الوزارة غير مؤهلين للتعامل مع هذه الشكاوى؟

لقد حدث أن أصدر مكتب معاليكم طيلة الشهر الماضى التأشيرات لتحويل التلاميذ من مدارس خاصة إلى أخرى تجريبية أو حكومية، فهل تدرون ماذا حدث فى المديريات والإدارات التعليمية؟!

لقد تعامل الموظفون مع هذه التأشيرات باعتبارها طق حنك ومن يستطع الوصول إلى جيب موظف صغير تم تنفيذ تأشيرته.. ومن لم يستطع الوصول إلى سكة موظف صغير بلَّ هذه التأشيرة وشرب ميتها. 

لقد كان الأمر فى شأن التحويلات محدودًا واستثنائيًا فماذا عن قرار عام.. سيادتكم أمرتم بإبلاغه إلى كل المديريات فى كل أنحاء الجمهورية؟! هل نطلب من وزارة الداخلية التدخل وإرسال ضباطها وعساكرها إلى المدارس لمعاونة أولياء الأمور فى تنفيذ قرار معاليكم؟ 

الأمر عبثى إلى حد كبير.. وليس مطلوبًا من معالى الوزير أن يقوم بتنفيذ قراره بنفسه.. لا يمكنه قطعًا أن يفعل ذلك.. لكن السؤال وبجد.. هل يملك الوزير، وزير التربية والتعليم، سلطة حقيقية تستطيع تنفيذ قراره.. ضد تعنت وصفاقة وتجاهل وعناد أصحاب المدارس الدولية والخاصة؟

لا تستهونوا بالأمر.. القصة ليست فى آلاف الجنيهات التى سيرحم القرار الأهالى من توفيرها بشكل عاجل.. الأمر يتعلق بمنظومة كاملة.. يعمل كل فرد فيها باعتباره جزيرة منعزلة.. هى هيبة الحكومة التى يرى الناس فى الشارع أنه لا يتم إظهارها إلا على المواطن الغلبان من باعة جائلين ومن سار على دربهم.. الأمر يتعلق بمشروع حضارى تسعى الحكومة- والوزارة فى المقدمة- إلى تنفيده ولسنوات أخرى مقبلة.. كيف سيقوم الوزير بتطوير التعليم- أو بمعنى أدق- استكمال عملية التطوير وعدد غير قليل من معاونيه ورجاله يقف ضده؟!

قرار المصروفات هو الاحتكاك الأول للوزير الجديد مع «عصبجية» المدارس الخاصة.. الذين يعتقدون أنهم يعيشون فى دولتهم الخاصة.. وفق قانونهم الخاص.. وإذا استمر الحال على ما هو عليه.. فماذا سيفعل أو ستفعل الوزارة؟

حتى أكون دقيقًا.. هذا يحدث فى إدارة الهرم التعليمية تحديدًا وفى معظم الإدارات فى الجيزة ومدارس القاهرة الكبرى.. وعدد غير قليل من المحافظات.. فماذا سيفعل الدكتور رضا حجازى فى معركته الأولى؟.. هل يستطيع أن ينتصر على هذه المافيا التى تعمل ما تراه فى صالحها وبمزاجها.. أم أن الوضع سيبقى على ما هو عليه.. وتصبح هذه القرارات مجرد حبر على ورق نبلّه نحن المواطنين ونشرب ميته؟!