رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«فاطمة تعلبة».. وإدارة الوعى العلمى

 رغم ما بُذل من جهود هائلة فى مجال الدعم الإعلامى الهائل «الحكومى العام والخاص» برسائل تكرارية مُلحة لتأهيل شعبنا للتفاعل الإيجابى الوقائى مع كل مراحل أزمة «كورونا»،، إلا أنه وللأسف كان قرار تعليق تشغيل المساجد والكنائس بشكل مؤقت محل انتقاد ومعارضة غريبة من جانب بعض رموز المسجد والكنيسة وبدعم من جانب بعض منصات الإعلام الدينى المتشددة عن جهل ودون تقدير لخطورة الموقف، وبدلًا من اتخاذ مواقف وقرارات محفزة لمتخذ القرار لأن يأخذ بأسباب العلم، قام بعضهم من أصحاب الأصوات المؤثرة فى البسطاء بالاستشهاد بآيات من الكتب المقدسة باللعب فى أساسيات مقاصدها بتأويلات خاصة؛ للتأكيد أن فيروس كورونا وما يفعله فى كل الدنيا هو إعلان غضب إلهى، وما علينا سوى الامتثال لقدر محتوم والاكتفاء بالصلوات والدعاء.
والآن، أتذكر ما ردده رجل دين وهو يؤكد مفاهيم ورسائل وعلامات استفهام استنكارية لمواقف وإنجازات أجهزة الدولة، التى منها تصريحاته:
• ألا ترون أن «كورونا» قد أثبتت أن التقدم العلمى الذى تحقق فى العهود الأخيرة تمت هزيمته بقيروس يكاد لا يُرى؟
• ألا ترون أن بناء الحضارات وتشييد المدن التاريخية العظيمة مثل «نيويورك» الأمريكانية أبرز مدن تلك الدولة العظمى قد سكنها شبح الموت بضربات قاضية فى بداية عمل الجائحة ليبقى الحجر ينعى من شيدوا به تلك العمائر العصرية الساحرة بعد حصد أرواح المئات من ساكنيها بفعل فيروس لا يُرى بالعين المجردة؟
• ألا ترون ما جرى لولى العهد البريطانى الرجل الشهير بحرصه الكبير على أن تبقى حالته الصحية طيبة حتى إنه كان يظهر دومًا وهو يرفض المصافحة باليد.. وكيف غزاه ذلك الفيروس التافه المميت؟
• ألا ترون أهل الرياضة ونجوم الكرة وقد هزمتهم وهزمت أجسادهم الرياضية عبر اقتحام ذلك الفيروس الماكر لهم؟
• وعليه، ألا ترون ذلك الانتصار الهائل للفيروس وهزيمة العلم ومنجزاته وضرب كل صنوف الفكر الإبداعى وأصحابه والرياضة وفرسانها والملوك فى عروشهم، والجميلات الساحرات المطلات من شرفات جوليت؟
وظل الرجل يعدد بحماس كل جوانب انتصارات « كورونا « والدروس المستفادة من وجهة نظره التى تؤكد دور المؤسسات الدينية ورموزها وواجب الطاعة والانصياع للتوحد فى صلوات جماعية حتى تنزاح الغمة بتقديم التوبة. «والطريف أنه لم يذكر وفاة عدد من رجال الدين وهم يمارسون طقوس العبادة».. والمهم تأكيده تضاؤل، بل السخرية من دور السياسة والفنون وأفكار وتجليات البناء الثقافى ودور العلوم والبحث العلمى، وبالمختصر المفيد يدعو إلى ضرورة الانصراف عن أذى أهل التفكير العلمانى الهش الملحد من وجهة نظره.
وبالطبع، ليس من بيننا من يقلل من أهمية التوجه باتضاع للدعاء إلى رب العباد أن يرفع عنا البلاء ويفك حالة الكرب «الكارونية»، ولكنه دعاء المواطن الحى الصالح والمسئول والقائم بواجباته التى أرسله خالقه للقيام بها من أجل إعمار الأرض، وأن نجول نعمل خيرًا فى كل أرجاء المسكونة من أجل استمرار الحياة بسلام وحب وتعاطف وتعاضد إنسانى نبيل.
ولعل من أهم تبعات أزمة «كورونا» التى عشناها وما زلنا نعيشها ويعيشها العالم كله، أن الوباء وتبعاته كان بمثابة الحدث الكاشف لمدى قدرات الدول وإمكاناتها الإدارية والعلمية البحثية والفكرية والاقتصادية والبشرية، وبات الحوار القائم حول الأزمة متجهًا حول ضرورة التسارع نحو العمل على تنمية كل تلك الإمكانات بخطى موضوعية لتحويل تلك المحنة إلى اعتبارها فرصة وكأنها منحة أهداها لنا القدر لنعمل تحت ضغط الحاجة الاضطرارى وفى الزمن القليل المتاح لنا لتحقيق مكاسب وانتصارات، وهو بحق ما حاولت حكومتنا بكل مؤسساتها أن تفعله بنجاح إلى حد كبير بقرارات ومواقف بعضها استباقى رغم حداثة وبشاعة ذلك الفيروس اللعين الذى لم يمنح لأحد كل أسراره ونأمل أن تستكمل إدارتنا المصرية خطوات نجاح مسيرة العمل وفق جهد تلك المنظومة الجماعية المكلفة بقيادة وإدارة المواجهة الصعبة والتفاعل الإيجابى العلمى مع الكارثة بكل أبعادها.
ونذكر فى هذا المقام ونتذكر بهذه المناسبة أحداث حلقة من مسلسل «الوتد» ومؤلفه الكاتب الراحل «خيرى شلبى» الذى نحتفى هذا الأسبوع بذكرى رحيله، وأيضًا بطلته الأم العبقرية المصرية عمود الدار وخيمته الحاجة «فاطمة تعلبة» وكيف أدارت مواجهة «وباء الكوليرا» بعد إعلان الحكومة ازدياد أعداد ضحايا المرض ومناشدة الناس عدم الاختلاط، فقررت أن تجمع أولادها الرجال جميعًا بأبنائهم، وأن تأتى بابنتها المتزوجة، وتغلق عليهم باب الدار، وأمرتهم أن يحرقوا كل ملابسهم، حيث إن أبناءها قاموا بنقل أحد المصابين للحجر الصحى.
وقالت لهم «تعلبة» نصًا: «من هنا ورايح هناكل عيش ناشف وجبنة من الموجود وبصل وكل حاجة تتغلى لما تتغلى من الغليان، وكل واحد فيكم يقرشله فصين توم، وكل واحد يسقى عياله لمون مغلى».
وأمرت فاطمة تعلبة أحد أبنائها بأن يغلق الأبواب بالخشب، حتى لا يدخل لهم أى هواء ملوث، وتحبس كل ابن لها مع زوجته فى غرفة وتضع لهم الأكل أمام الباب، دون أى اختلاط مع بعضهما، حتى انزاح المرض.
فى انتظار عودة «فاطمة تعلبة» للبيت المصرى وإعادة البناء الثقافى، دعونا نعمل بآليات العصر وتجلياته.
إننا بصدد إدارة معارك باتت ضرورية لتنمية الوعى بشكل عام والوعى العلمى بشكل خاص فى مواجهة حاضر استثنائى صعب ليس فقط فى مواجهة الأوبئة، ولكن فى مواجهة كل جراثيم التخلف.